قبل ان يحل الظلام عليك ان تصل الى قريتك الواقعة على بعد عشرات الكليومترات من سوق مدينة حلفاالجديدة بولاية كسلا حتى لاتكون عرضة لطرق هالكة لاتعطي لسائق المركبة فرصة التأمل في المزارع الجانبية على الطريق المؤدي الى القرية الريفية. ومع تقدم السنوات دون حلول جذرية تزداد شكاوى الاهالي من معاناتهم في الوصول الى مركز المدينة التي تكتظ بالخدمات الصحية والتعليمية ومراكز التسوق ،حيث يستقل المتسوقون او قاصدو المدينة التي تعج باصناف من السلع الضرورية والحياتية مركبات بدائية معظمها صنعت قبل ثلاثين عاما اويزيد فالشاحنات (اللواري) السفرية التي صممت لحمل البضائع اصبحت تنقل البشر بعد ان تحولت الى باصات باضافة بعض المقاعد الخشبية والدهانات اللامعة وكتابة اسماء في محاولة تبدو انها لاقناع المواطن بانها الوسيلة الآمنة لنقله. وتقع أكثر من 100 قرية خارج دائرة المدينة واقرب قرية الى المركز تقع على بعد نحو 7 كلم، فيما يبلغ متوسط عدد سكان القرية الواحدة 1200شخص ،اي ان هناك حوالي 100 ألف شخص لايستطيعون الوصول الى المستشفى العام والمدارس وسوق المدينة بشكل سلس عبر طرق معبدة. ويقول المواطنون ان المدينة عاشت قرابة الاربعين عاما دون طرق معبدة ولم تصلهم خيرات بترول سودان ماقبل الانفصال ولو على شاكلة مواد تستخدم لسفلتة طرق تقيهم العزلة في فصل الخريف والبحث عن محركات رباعية الدفع لتغوص في الارض الترابية التي تتحول الى برك كبيرة مع هطول الامطار بغزارة في مناطق شرق السودان. وانشأت الحكومة في العام 2003 طرقا داخلية لم تتعدَ اطوالها مجتمعة اكثر من 5 كلم داخل مدينة حلفاالجديدة لربط المركز التجاري بعد ان ربطت المنطقة بالطريق القومي والتي تمتد لاكثر من 50 كلم من مدينة خشم القربة التي تقع جنوبحلفاالجديدة. ومع شروق شمس كل صباح يتوافد السكان الى سوق المدينة لقضاء حاجياتهم او ارتياد المستشفى العام بينما يتوجه نحو 1500طالب وطالبة الى المدارس الثانوية التي هي الاخرى ظلت قابعة داخل سوق المدينة لعشرات السنين بالرغم من انشاء بعض المدارس في الارياف البعيدة بيد انها لم تحظَ بثقة الاهالي مايجعلهم راغبين في استمرار ابنائهم بالمدارس التي تقع داخل المدينة. وابان الانتخابات الاخيرة تلقى الاهالي وعودا من مرشحي الحزب الحاكم ببناء طرق لاتقل اطوالها عن 100 كلم لربط قرى الاسكان ومحلية نهر عطبرة وتجاوز مشاكل الخريف بيد ان الوعود ذهبت ادراج الرياح وفقا لافادات مواطنين من المنطقة . وعبر المواطن احمد عثمان عن احباطه من احتلال مشاريع الطرق اسفل الاولويات لدى حكومة الولاية وعدم مبادرتها او الاشارة اليها في خطط التنمية الآجلة او العاجلة وقال عثمان ل»الصحافة» ان تنفيذ طرق بالمنطقة بات امرا مستحيلا في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها المحلية والولاية بجانب عدم توزيع الخدمات بشكل عادل بين المناطق وزاد «آلاف الكيلومترات من الطرق المسفلتة تنشأ يوميا في العاصمة والمدن الكبيرة بينما تظل بعض المناطق تشكو طرقها المفقرة لطوب الارض لا اعتقد ان التنمية تدار هكذا» وتابع « حظي مرشح الحزب الحاكم في منصب الوالي وممثل المنطقة في البرلمان بآلاف الاصوات الانتخابية لكنهم لم يعيروا الاهتمام اللازم للمنطقة». ويضيف قائلا « حينما تهطل الامطار بغزارة فاننا نفكر في استجلاب تراكتور زراعي يقطر ترلة بدائية الصنع لنقل المواطنين الى سوق المدينة الذي يستغرق الوصول اليه في مثل هذه الظروف اكثر من 3 ساعات». وتقود لجنة اهالي حلفاالجديدة مبادرة لتطوير المنطقة وتتضمن خططها الضغط على حكومة الولاية والمركز لبناء الطرق وربط قرى الاسكان لكن اللجنة التي دشنت نشاطها بلقاء نائب رئيس حزب المؤتمرالوطني الحاكم نافع علي نافع لم تهنأ بقيادة مبادرتها اذ سرعان ماتبددت احلامها بعد ان اعادت حكومة الولاية تعيين وزير كانت اللجنة قادت حملة لاقالته ابان الاحداث الاخيرة التي شهدتها المنطقة في شهر سبتمبر من العام الماضي بسبب ازمة السكر والغاز. ويقول الناشط الحقوقي في لجنة الاهالي وجدي صالح ان المنطقة (متعطشة) للتنمية العاجلة واعطائها اولوية في مجال تنمية انسانها في المقام الاول مضيفا ان اللجنة ارسلت مطالبات الى مسؤولين بالحزب الحاكم في المركز لحثهم على دعم خطط التنمية وتطوير المنطقة باعتبارها رافدا اقتصاديا وتوفر البنيات التحتية للزراعة وصناعة السكر. و قال صالح ل»الصحافة» ان « حكومة الولاية ليست لديها ادنى رغبة في بناء الطرق ولم تتطرق الى ذلك في خططها وهذا شئ يدعو للقلق». وتتناقل مجالس المدينة رواية عن امرأة اضطر ذووها الى نقلها للمستشفى بعد ان فاجأتها آلام المخاض في احدى الليالي الخريفية ولم يتوانوا عن الاستعانة بتراكتور زراعي يقطر (ترلة) بعد ان وجدوا صعوبة بالغة في نقلها عبر سيارة لرداءة الطرق الى مركز المدينة. وتبذل الحكومة المحلية ممثلة في معتمد المحلية عبدالجبار مرعي وعودا بانشاء طرق دون ان يفصح عن الامكانات التي ستعينه على تنزيل وعوده على الارض و لم يستبعد اللجوء الى الجهود الشعبية وتوفير موارد من المحلية وحكومة الولاية شهريا من اجل رصف حوالي 100 كلم لربط قرى الاسكان وريفي نهر عطبرة بحسب مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم اخيرا. وكان المعتمد قد اقر بصعوبة المهمة لكنه قال انها ليست مستحيلة اذا وجد تعاونا من الجميع مؤكدا ان كلفة انجاز اربعة مشاريع رئيسية بينها انشاء ميناء بري وطرق ريفية لاتتعدى حوالي 10 مليون جنيه سيسعى الى توفيرها. وعلى مايبدو فان ازمة الطرق التي تعيشها المنطقة دفعت بممثل المنطقة في البرلمان ابوبكر ربيع الى ادراج حوالي 25 كلم في اموال خصصها صندوق اعمار الشرق لتنمية المنطقة والتي تبلغ نحو50 مليون دولار وقال ربيع ل»الصحافة» هناك طرق باتت عملية انشائها مسألة وقت لااكثر وزاد «بامكاننا رؤية مئات القرويين ينتقلون عبرها في القريب العاجل». واضاف ربيع الذي خصص جزءا كبيرا من حملته الانتخابية باطلاق وعود لانشاء طرق داخلية تربط قرى الاسكان وريفي نهر عطبرة بوسط المدينة انه بالرغم من شح الموارد المالية فانه على استعداد لان يبذل قصارى جهده لانجاز هذا المشروع الذي ظل يراود سكان المنطقة منذ قدومهم اليها ،لافتا الى ان البنك الدولي بصدد تمويل انشاء طرق في المنطقة لكن الحصول عليه لم يكتمل حتى الآن. غير ان الناشط الحقوقي وجدي صالح يرى ان الامر مايزال في طور الوعود ولم يصل بعد الى مرحلة الاختبار الحقيقي بتنزيل الوعود على الارض لخدمة مواطنين ظلوا» نسيا منسيا» ولم تشملهم اموال النفط الغزيرة ولو بمقدار ضئيل من اموالها التي نثرت في مناطق بعينها ويرتكز صالح على عدة اسباب يقول انها منطقية في جعله متشائما رغم الوعود الرنانة وزاد « هناك تعطيل لميزانية التنمية بعد خروج عائدات النفط بجانب ان المنطقة تواجه عجزا في ميزانيتها لمقابلة منصرفاتها العادية والاعباء الادارية فضلا عن عدم اعتراف حكومة الولاية بوجود مشكلة في المنطقة تتمثل في شح الخدمات الصحية والتعليمية ناهيك عن الطرق التي لاتكترث حكومة الولاية بها كثيرا.