الان انطلقت المفاوضات مرة اخري وعاد الجميع الي قاعات الوساطة في اديس ابابا نفسها، في جولة الطرفين يعرفون مدي اهميتها لمستقبل حكومتي الدولتين، ما يميز محادثات هذه المرة انها نهائية وبديلها الحرب هكذا يقول المحللون، بجانب ان الطرفين التزما بالرجوع الي الحوار وقدموا علي ذلك عددا من الضمانات مثل سحب الجيش من ابيي وهو امر جيد كما يري معارضو الحكومة قبل مناصريها، واطلاق سراح الاجانب الاربعة، الجنوب في المقابل سار في ذات النهج وكان سباقا في مرات، لكن رغم الامال التي يعلقها الجميع علي هذه الجولات الا ان المفكر والسياسي محمد علي جادين وصفها بالصعبة والمعقدة في حديثه امس مع «الصحافة» واعاد الامر لانعدام الثقة بين الاطراف،ما يؤكد حديث جادين التصريحات التي نقلتها وكالات الانباء علي لسان وزير الاعلام بدولة جنوب السودان برنابا بنجامين تعليقاً علي خطوات سحب وانتشار الجيش السوداني خارج ابيي قائلا»نرحب بالطبع بقرار الجمهورية السودانية ونعتبره دليل سلام» وتوقع المسؤول ان يترجم الاعلان على الارض، مضيفا نقول ذلك لان الخرطوم على حد قوله «تقول شيئا وتفعل شيئا آخر» بيد انه في هذه المرة خرجت الاممالمتحدة واكدت يوم الثلاثاء ان القوات السودانية انسحبت من ابيي التي يطالب بها السودانان» ايضا لازالت الخرطوم تتهم جوبا بالوقوف خلف الحرب التي تدور في جنوب كردفان والنيل الازرق. رغم مايراه المراقبون الان ملفات هذه المفاوضات الجارية في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا برعاية الاتحاد الافريقي، ترمي الى تسوية الخلافات القائمة بين البلدين وهو الامر الذي تأخر مايقارب العشر اشهر منذ الانفصال وعلي رأسها ابيي التي تعتبر نقطة الخلاف الاساسية بين البلدين. فالحدود كملف حدة الخلاف حوله ليست عالية بذات ابيي، رغم ان الخرطوموجوبا عليهم الاتفاق على ترسيم حوالى خُمس الحدود المشتركة والتي يبلغ طولها 2100كيلو متر. هناك جانب مهم بخصوص ابيي ايضا فشروط التسوية فيها يجب ان تصغي للاهالي وتضمن مطالبهم هذا ما تقوله تجربة النزاع هناك، بين دينكا نقوك والمسيرية يقول زعيمهم مختار بابو نمر أمس ل»الصحافة» لا جديد في موقفنا، ابيي تتبع لارض السودان، واكد تواجد المسيرية في ابيي وحولها من قري، نمر اعتبر مايدور في اديس شأن دولتين، لكنه شدد علي ان حدودهم هي 60 كيلو جنوب بحر العرب. ومن التعقيدات التي تنتظر الجانبين هي تقاسم الثروات النفطية التي تمتلك دولة الجنوب ثلاثة ارباع احتياطي سودان ما قبل الانفصال تاركة للخرطوم ماتبقي بجانب البنى التحتية التي يتم عبرها التصدير للنفط السوداني وللدولة الوليدة، اخر تلك الملفات الاتهامات المتبادلة حول دعم المجموعات المتمردة على اراضي البلد الاخر. رغم كل تلك التعقيدات الا ان الجميع باتوا متيقنين ان الوصول الي تسوية شاملة هو امر لا مناص منه، فالازمات الداخلية بجانب الالتزامات والعقوبات المتوقعة كلها تدفع لهذا الاتجاه،التي اعبترها محمد علي جادين في حديثه أمس بان الطرفين سيقوان بتقديم تنازلات بغرض التسوية ، لكن المحلل الدكتور حاج حمد محمد خير يري ان نظرية شد الاطراف وحرب الانهاك التي مارسها الطرفان ضد بعضهما البعض هي ما اوصلتهما الى مرحلة اقلق مداها العالم، واضاف هم الان انهكوا تماما وعاد التفكير للسير علي طريق الصواب، بعيدا عن التفاوض من اجل تحقيق مشروع سياسي فالحاج حمد يعتبر ان الطرفين عقب الانفصال كان يداعبهما حلم اعادة الوطن كلا بشروطه، لكن محدثي يعتبر ان التسوية تحت الضغط ستكون مؤقتة. المراقبون اجمعوا علي ان الجولات هذه المرة ستكون حاسمة فالبداية كانت مبشرة وعبر كل وفد عن رغبته في الوصول الي علاقات مشتركة تتسم بالمصالح، ايضا نهار امس قدم كل وفد رؤيته عن الملفات وكيفية ادارتها في جدول المباحثات، وهي ذات الرؤي التي سيلتقي رئيسا الطرفين لصياغتها اليوم وبعدها ستنطلق الجولات، والتي لا يتوقع احد سيرها دون مصاعب لكن لا مفر من الوصول الى حل فدولة الجنوب تكاد تختنق بسبب الانهيار الاقتصادي فهي لا تختلف عنا في شئ فالصرف على الدفاع هناك اكثر من التعليم والصحة مجتمعين، ويقول المانحون الغربيون ان تحذيرات الخبراء من انهيار الدولة الاحدث بالعالم، ابلغنا قادة جنوب السودان خلف الابواب المغلقة برسالة هي ان الحديث البطولي عن البقاء بدون النفط انما هو خرافة وانه يتعين عليهم التباحث مع السودان،وقال خبير تنمية اجنبي طلب عدم ذكر اسمه الامر مستحيل ... الجميع يقول لهم ...اتفقوا... «مع السودان». هل توجد خطة بديلة؟ لا توجد. البديل هو اغلاق الدولة». ما يدعم اتجاه النجاح هو ان العودة الي اديس ابابا جاءت تحت ضغط غير معلن من الصين وهي المستثمر النفطي الرئيسي في كلا الدولتين وتقول المصادر الرسمية بعد ذلك الضغط « وافق السودان وجنوب السودان على استئناف المفاوضات منذ منتصف الاسبوع الجاري لمحاولة تسوية خلافاتهما». لكن السودان ايضاً اقتصاده يعاني تراجعا مخيفا وتحاصره أزمات وضغوط داخلية عالية من قبل المواطنين بعكس الجنوب فتصريحات المسؤولين الحكوميين تؤكد للصحفيين ان ثلثي السكان مزارعون ورعاة للماشية وانهم معزولون عن الاقتصاد الحضري القائم على التعاملات النقدية وانه يمكنهم العيش على القليل وانهم لن يشعروا تقريبا باجراءات التقشف هذا اذا احسوا بها أصلا، في الخرطوم تحدث نائب رئيس الحزب الحاكم بداية الاسبوع ان الدولة تهتم بقوت المواطن وهو ما اعتبره المحللون مؤشرا الي ان غضب المواطنين بدأ يثير مخاوف الدولة وحزبها الحاكم . المعارضة بالداخل ايضا تطرق علي هذا الملف، ويقول الحاج حمد امس هذه المرة لن تخرج الجولة بلا اتفاقات لكنه رجح ان تكون مؤقتة فهو يري ان ضغوط الاقتصاد هي التي دفعت لان تكون اللغة الان هي المصالح لا العواطف التي تعيدنا الي يوليو الذي انقسمت فيه المشاعر وتوزعت مابين فرح جنوبي صارخ وبعض الحزن وصمت شمالي فاضح ، مع ذلك الجميع يعلم ان فشل المباحثات يعني الحرب لكن عالم اليوم باتت لغة العنف لا يمكن استيعابها والتقدم فيها لما تحمله من مآلات لا تعرف حدود الجغرافية واثار مدمرة وكارثة في ظل اقتصاد عالمي متدهور . ويقارن الاستاذ الجامعي جون اكيك الأزمة بين الخرطوموجوبا بأزمة الصواريخ الكوبية بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي. ويقول ان كل طرف ينتظر الطرف الاخر ان يتراجع أولا في ظل العواقب الكارثية المحتملة. ويدعو اكيك الى اتفاق منطقي يتوصل اليه الجانبان عبر التفاوض. ويقول «انعدام الامن مثلما نشهده الان لا يجذب المستثمرين الى جنوب السودان ولا السودان لان رأس المال جبان». فالدراسات التي تعني بالدولتين طالبتهما صراحة بتبني اصلاحات اقتصادية ليس من بينها النفط فالمحللون يقولون انه في ظل بعض الدراسات التي تظهر ان انتاج السودان وجنوب السودان من النفط وصل الى ذروته بالفعل فهناك شكوك جادة بشأن الجدوى التجارية لخط انابيب بديل. اذن طريق التفاوض الاني سيقودنا الي التسوية مهما بلغت صعوبة مساراتها فالمصالح تغلب كل الموازين. هذا قول حاج حمد، في ذات الاتجاه كتب علي صفحات ايلاف الاقتصادية امس دكتور خالد التجاني ان العودة الي اديس نهاية حالة ادمان التفاوض ، معتبرا ان الامر انتهى وطريق اديس لا يحمل خطا للرجوع _ انتهت اللعبة لان مفاوضات اديس ابابا باجماع دولي تكتب هذه المرة نهاية حالة ادمان التفاوض، واضاف التجاني لحسن الحظ لم يعد اي طرف يملك ترف شراء الوقت، ويقول التجاني اما اتفاق سياسي بافق استراتيجي تتوفر كل مقوماته او انهيار شامل لا منجاة من توابعه، فهو يري ان الحركة عادت هذه المرة بعد ان عرفت انها لم تكسب شيئا من كل مغامراتها علي حد قوله والمؤتمر الوطني الحاكم يعود وهو مثخن بجراح تفاعلات ما بعد التقسيم ،حسنا.. من هنا يمكننا عقد الامال على اديس التي دارت عجلتها نهار الثلاثاء.