سبق وذكرت أن العقيد القذافي لم يترك من خلفه إلا ثلاثة أشياء بعد أن دمرت جيوشه المدن الليبية وقتلت ابناء الشعب الليبي المطالبين بالحرية والديمقراطية لم يخلف وراءه إلا : سيرة سيئة للغاية ومسدسين ( احدهما مذهب والثاني مفضض ) كانا في حوزته عندما تم إلقاء القبض عليه بواسطة الثوار في تخوم مدينة سرت بليبيا في العشرين من إكتوبر من العام الماضي . وهذان المسدسان مصير أحدهما مجهول وهو المطلي بالذهب لا أحد يدري مكانه بالضبط وقد أخذه أحد الثوار( كما روي لنا ) أما المطلي بالفضة فقد تسلمته في يدي وقلبته ووضعته أمامي قبل أن أعيده لصاحبه الشاب النحيف إبن الثمانية عشر ربيعا عمران الشعبان . وعمران هو من ابناء مصراته ومصراته هي مصنع الثورة الليبية وكل ما طال بقاؤك في ليبيا ومصراته كلما إتضح لك دور مدينة مصراته المميز في ثورة ليبيا عسكرياً وسياسيا وأمنيا وإقتصاديا وإجتماعيا فقد دخلت مصراته ملحمة الثورة متأخرة قليلا عن بنغازي وطرابلس ولكنها تفوقت على الجميع بمقاومتها لكتائب العقيد القذافي وبالعدد الكبير الذي قدمته من الشهداء (أكثر من ألف وخمسمائة شهيد وثلاثمائة مفقود ) وبالتضامن والتلاحم بين كافة فئات المجتمع من شباب وشيوخ ورجال أعمال وعسكريين ومدنيين ورجال ونساء وأطفال . وبعد الثورة تقدمت مصراته خطوات على طريق البناء وهي تنتخب مجلسها المحلي وتقيم تنسيقية تأمين الثورة بين كافة ثوار ليبيا وينتظم أبناؤها الثوار في كتائب لتأمين الثورة والإستعداد لأي مهمة يتطلبها الوطن سواءا بتسليم السلاح أو الإنخراط في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية . وهذا هو ديدن معظم أبناء مصراته وخاصة الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل الثورة وبذلوا أموالهم وارواحهم رخيصة من أجل القضاء على العقيد القذافي ونظامه المباد وإن كان لهؤلاء الرجال من أبناء مصراته عيب فهو نكران الذات والذي لايكون محمودا في بعض الأحيان ومن الممكن أن يتيح الفرصة للإنتهازيين وسرقة الثورات وما أكثر هذا الصنف من الناس في كل الثوارات والحركات التحررية فحذاري وحذاري من هؤلاء. وهناك مقولة في ليبيا يتم ترديدها هذه الأيام وهي منسوبة لعبد الله السنوسي قائد مخابرات القذافي والذي تم توقيفه في موريتانيا قادما من الجزائر في شهر أبريل الماضي (وهو يحمل جواز سفر مزور ). قال السنوسي عندما علم العقيد القذافي أن مصراته قد خرجت في مظاهرة إحتجاجية وسقط منها قتيل على يد قوات الأمن دلق القذافي كوبا من الماء كان في يده وقال لرجاله لو إستطعتم لملمة هذا الماء وإعادته من جديد إلى الكوب بإمكانكم أن تعيدوا الأوضاع في مصراته إلى وضعها الطبيعي . وحقا كانت مصراته هي مصنع الثورة ...رجل قصير القامة جم التواضع والأدب والخلق الحسن هو المهندس عمر الشيباني والذي قابلناه في منزل صديق لنا وتحدث إلينا بهدؤ وإطمئنان لكل كلمة خرجت من فمه ،قال لي كنت آمراً للكتيبة التي ألقت القبض على العقيد القذافي وعندما كنا في صبيحة ذلك اليوم ونحن على مشارف مدينة سرت إتصل بنا أحد منسوبي وخبراء قوات النيتو وهو من اصل لبناني وطلب منا أن نقوم بتأمين ظهر المراقبين لكونهم في طريقهم لرسم الإحداثيات لطائرات الناتو التي من المتوقع أن تستهدف رتل لشخصية مهمة سوف تخرج اليوم من مدينة سرت واغلب الظن أن الشخصية المهمة هي إبن القذافي المعتصم ولم يكن أحد من الناس يدري بوجود العقيد القذافي في سرت وحتى الحديث الذي كان يدور حول وجود شخصيات مهمة في الحي الثاني بسرت لا علم لأي جهة بأن القذافي هو من بين الشخصيات بل إن المعلومات المتوفرة لحلف الناتو أن من بسرت هو ابن القذافي المعتصم وربما عبد الله السنوسي مدير المخابرات الليبية ووزير دفاع القذافي ابوبكر يونس .. أما القذافي لا أحد يعلم حتى ذلك اليوم مكانه بالضبط وهناك من يقول إنه بالجنوب وربما غادر ليبيا إلى دولة أخرى . ويضيف المهندس عمر أنه في حوالي التاسعة صباحا شن الناتو غارته على القافلة المنتظر خروجها من مدينة سرت وتوجه الثوار نحو المكان الذي تم فيه ضرب الرتل أو القافلة المكونة من عدد كبير من السيارات التي تم ضربها وتشتت القافلة وتم ضرب سيارة العقيد القذافي شخصيا ولا أحد يعلم بحقيقة الأمر . وفي الطريق قام الثوار باسر مجموعة من أفراد كتائب القذافي وهم خمسة أسير وقال لهم أحدالأسرى الخمسة: سيدي هنا بسرت وسألوه من هو سيدك فرد سيدي القذافي إلا أن عمر وهو آمر الكتيبة لم يأبه لقول الأسير وظنه خائف من الثوار ولم يكترث هو ومن معه لما قال ذلك الأسير وبعد أن تقدم الثوار قليلاً على شارع الأسفلت خرج إليهم رجل وهو يلوح بقميصه الأبيض دليلا على إستسلامه ولكن المفاجأة كانت وجود إطلاق نار كثيف من ذات الموقع الذي خرج منه الرجل المستسلم وهي ماسورة عملاقة لتصريف مياه االأمطار من تحت الأسفلت وهنا رأى الثوار في التصرف الأخير من قبل مطلق النار خيانة أو خدعة من جانب الشخص الأول (المستسلم ومجموعته ) وردوا على جهة إطلاق النار بوابل من الرصاص الذي أردى عدداً من الناس قتلى بينهم إبن الفريق أبوبكر يونس جابر وزير الدفاع للقذافي . وسرعان ما خرج من الإتجاه الآخر للماسورة شخص و كانت المفاجأة أنه العقيد القذافي وقد ألجمت المفاجأة أحد الثوار الذي رأى القذافي لأول وهلة وتسمر في مكانه بينما أقدم شاب آخر هو عمران الشعبان وسيطر على القذافي وقال عمر الشيباني بعد الإمساك بالقذافي بقليل خرجت وصرحت لقناة الجزيرة بصفتي آمر الكتيبة وقلت : لقد ألقينا القبض على العقيد القذافي وهو مصاب ولكنه بخير وكنت صادقاً في قولي لكون القذافي مات فيما بعد على يد الثوار الذين تكاثروا عليه بعد أن غادرت المكان . قلت للمهندس عمر أريد مقابلة عمران الشعبان وقد وعدني بأن يجمعني بعمران بعد أن يفرغ هو ومن معه من الثوار من المحكمة . قلت له ما قصة المحكمة ؟ قال لي محكمة التحقيق في مقتل القذافي حيث يدير القضاء في ليبيا تحقيقا شاملا في الحادثة وهو تحقيق جنائي وأمني يهدف لتحقيق العدالة ومد الرأي العام الليبي بالمعلومات الحقيقية وكذا الرأي العام العالمي حول مصرع العقيد القذافي . والساعة تقرب من الثالثة ظهراً بتوقيت ليبيا إلتقينا بالمهندس عمر والشاب عمران في مكتب أحد الأصدقاء بمصراته وكانت المفاجأه أن عمران يحمل معه مسدساً مفضضاً هو السلاح الشخصي الثاني للعقيد القذافي وبدأ عمران حديثه بأنه كان ضمن الكتيبة التي قوامها ثوار مصراته وآمرها هو عمر الشيباني وكان من علي ظهر سيارة مكشوفة ومسئول عن سلاح مضاد للطائرات وهو الآربجي ولكنهم لم يكونوا يستخدمون ذلك السلاح ضد الطيران وإنما ضد الدروع والدبابات الخاصة بكتائب القذافي وبالفعل لم يكن أحد يدري بوجود العقيد القذافي في مدينة سرت وكان الظن لدى الثوار أن الشخصية المهمة هي إبن القذافي المعتصم والذي تم إلتقاط مكالماته وأحاديثه لإذاعات الإف إيم وتصريحاته لإحدى المحطات الإذاعية السورية من دمشق وهي أي تلك المكالمات هي التي حددت موقعه (وكان رتل القذافي مقررا له الخروج من سرت عند الخامسة فجرا ولكن بسبب رده البعض لتأخر المعتصم إبن القذافي في النوم تأخر تحرك رتل القذافي من الخامسة إلى الثامنة صباحاً ) وكان مشهد ضرب الرتل من السيارات بطائرات النيتو يمر من أمام عمران وكان مشهد الضرب على الماسورة يمر من أمامه أيضاً وكانت المفاجأة أن شخصاً كان يحبو وهو يخرج من الماسورة ويجلس على الأرض وكان هو العقيد القذافي وقد جلس على الأرض وحراسه يحيطون به وهم وقوف وقفذ عمران من سيارته ونزل إلى حيث العقيد القذافي وأمسك به من الخلف ثم جذب مسدسه إلى الإمام وأخذ منه المسدس وصوب به إلى رأس القذافي وفي هذه اللحظة إستسلم حراس القذافي ورفعوا أيديهم بصورة تلقائية وجاء الثوار زرافات ومجموعات وكان عمران يعتبر القذافي أسيره فصاح في المجموعة التي وصلت إليه هذا أسيري وأريده حيا ( بالعامية الليبية ) بدي إياه حي والثوار تكاثروا و أخذوا العقيد القذافي إلى سيارة مكشوفه ثم وضعوه من على ماكنة السيارة في المقدمة وركب معه أكثر من ثلاثين من الثوار جميعهم كانوا يضربونه ويلكدونه ثم أمروا السائق بالتحرك وهم على هذا الوضع وتحركت السيارة ولم يكن السائق يرى أمامه وفجأة داس السائق على الكوابح فسقط جميع من كانوا على متن السيارة بمن فيهم القذافي وكان لذلك السقوط على شارع الأسفلت أثره البالغ على صحة العقيد الذي أعادوه مرة أخرى للسيارة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وبعد قليل تعطلت السيارة البوكس بسبب الإطارات فنقلوه لأخرى والأخرى تعطلت وفي هذه اللحظة تسلمه مسئول الوحدة الصحية بالكتيبة والذي حمله على إسعاف متوجها به صوب مصراته حيث مات في الطريق وقد بذل مسئول الوحدة العلاجية الميدانية للثوار ويدعى حسن وسبق له أن أدلى بتصريحات حول نقله للقذافي لصحيفة الأهرام اليوم ويقول حسن إن الثوار عندما علموا بإلقاء القبض على القذافي جاءوا من كل مكان وكأن اليوم هو يوم القيامة وكل منهم يريد أن يرى القذافي وقام بعضهم بضربه والبعض منهم إنقلبت سياراتهم وهم يريدون الوصول لمكان القذافي وخرجت مدينة مصراته عن بكرة أبيها إلى الشوارع عندما سمع أهلها بالقبض على العقيد القذافي والبعض منهم يظن أنه على قيد الحياة ولم يكن أمام حسن أن سلك طريقاً آخر حتى يضع جثمان القذافي في ثلاجة تبريد الفاكهة بسوق الخضار لتكون تلك النهاية المعلومة للجميع . وبالعودة لعمران الشعبان يقول : لم أشعر بالخوف وأنا أتجه نحو القذافي من أعلى إلى أسفل لكي أعتقله ولم يقم حراسه بضربي رغم أنني كنت أعزل من السلاح وكان ممسكا بمسدسه الفضي في وضع مصوب للأمام ولكن من غير هدف محدد ولم يكن شاهرا به بطريقة صارمه وكان بالمسدس عدد قليل من الطلقات ولم يجد عمران من القذافي مقاومة تذكر وهويخلص المسدس الفضي من يده اليمنى وبعد وصول جموع الثوار أخذ أحدهم المسدس الذهبي ولكني كما يقول عمران : لا أعرفه وقال بعضهم إن القذافي كانت في حوزته حقيبة صغيرة وكان يتأبطها وهو حريص عليها أكثر من أي شي آخر وقيل أن الحقيبة بها عدد كبير من السيدي وأن أجنبياً إستولى على الحقيبة واختفى في زحمة الثوار وقد ظهرت بعض الصور على مواقع الإنترنت لا يعرف أحد مصدرها أما عمران فيقول إنه لا يتذكر الحقيبة التي ربما كانت في الجهة اليسرى للقذافي وهو جاء العقيد من الجهة اليمني وسيطر عليه وكان القذافي جريحا ولكنه كان في كامل وعيه ولم ينهض من مكانه حتى أخذه الثوار وكانت مدة سيطرته عليه وإستسلامه وإستسلام حراسه برفع أيدهم حوالي ثلاث أو أربع دقائق من الوقت وكانت المفاجأة أن القذافي رجل قصير القامة وهو في طول الشاب النحيف عمران الذي أمسك به وهذا من الأمور المحيرة في امر القذافي الذي كنا نراه عملاقا من خلال شاشات التلفزيون .( إنتهت رواية عمران ) وعثر الثوار على صور شخصية للقذافي بداره بباب العزيزية وتم بث الكثير منها على المواقع اٍلإسفيرية وهي للقذافي مع حفدته وأفراد أسرته ونواصل elkbashofe@ gmail .com