كثيرا ما يشاهد اثر اليد التي لطخت الباب بالدم، حيث يبقي وشماً عدة أشهر بارزا على سطح ابواب المنازل الجديدة أو على سطح السيارة الجديدة. وهي تقليد شائع لدرء الحسد والعين بحسب كثير من الدراسات الاجتماعية، حيث أن دم ذبيح الكرامة يلطخ على ما كرم له. وتنتشر «الكرامة» في مناحي السودان وتختلف حسب الحالة المادية، فكثيرا ما تختزن ثنايا الذاكرة مشاهد ما بعد صلاة الجمعة، حيث يتجمع الاطفال عند المساجد امام سلال «اللقيمات والبليلة» بوصفهما أقل تكلفة، ومازالت تتراءى مثل هذه المشاهد في كثير من المساجد. وأرجع كثيرون هذه العادة الى الثقافة الدينية الإسلامية، حيث الهدي والتقرب الى الله. فيما نجدها تنتشر أيضاً عند القبائل غير المسلمة في الاقاصي الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية من السودان، حيث سلطة «الكجور» المطلقة، والذبائح للامطار والزراعة. والذبائح التي تسبق الحصاد ولكسر طلاسم السحر، كما تنتشر عند الرياضيين ايضا، حيث تقسم الذبائح عند انتصارات الفرق الرياضية. يقول المواطن معاذ حسين إن الذبح أمر شائع في قريته الواقعة في براري شمال كردفان، حيث لا تمر أيام الجمع في القرية من دون كرامة، ويذبحون في كثير من المناسبات لتوفر الأبقار والماشية بمنطقتهم، وتتعدد أسباب الكرامة التي منها مقدم الضيف وقيام المريض والكرامة للحجيج وللرحيل في منزل جديد ويوم «التفريقة» اليوم الأخير لسرداق العزاء. وتقام الذبائح ايضا في الايام العشر الاواخر من رمضان في ما يعرف «بالرحمتات»، مشيرا الى ان كل اهل القرية يدعون لها إما في المسجد او بإرسال الأطفال لدعوتهم، فيما تقسم بعض اجزاء الذبيحة لتفريقها على الرعاة المجاورين للمنطقة، وتتميز مثل هذه المناسبات بتجمع الاهالي من مناطق متفرقة، كما تعتبر مجالس للصلح بين المتخاصمين. وقالت ناجية مصطفى ربة منزل إن الزمن تغير كثيرا ولم يعد الجيل الحالي يهتم بهذه العادات في ظل اللهث وراء لقمة العيش، كما أصبحت الكرامة مكلفة مادياً ولم تعد مقتصرة على الذبيحة، فقط فهناك العصائر والمياه الغازية التي تجهز للضيوف، شاكية من منازل الخرطوم الضيقة التي لا تتسع للضيوف، مشيرة الى ان النساء يولين اهتماماً خاصاً للذبيح في المناسبات التي تلامسهن بصورة مباشرة مثل «السماية» وخروج النفساء بعد اربعين يوماً، وخروج المطلقة من العدة، وخروج الارملة من الحداد، وقالت إن النساء يهتممن كثيراً بالكرامة أكثر من الرجل. حازم حسن طالب الانثربولوجيا الاجتماعية يقول إن الذبائح منتشرة في السودان منذ عهود الممالك النوبية القديمة، حيث يذبح أمام المدافن الملكية للكوشيين في طقوس أقرب لطقوس ذبائح «الظار» الحالية التي تنتشر في بعض اقاليم السودان، حيث يجلب الخروف بمواصفات معينة يحدد فيها لونه ثم يقومون بطلاء أرجله «بالحنة»، مشيراً إلى أن الضائقة الاقتصادية ساهمت في تقليل الاهتمام بهذه العادة، لكنها لم تستطع إلغاءها، موضحاً أنه في مناسبة الزواج وحدها يتم الذبح مرتين، مرة عند المناسبة ومرة أخرى عند عودة العروسين من شهر العسل، ومرة ثالثة عند دخولهما منزلهما وهي الذبيحة التي تسمى «الحلالة».