خطوة ايجابية تلك التى اقدمت عليها الحكومة بسحب القوات المسلحة من منطقة أبيى وترك المجال للقوات الاثيوبية للاضطلاع بدورها كاملا فى تأمين المنطقة، ويصب انسحاب الجيش السودانى من أبيي فى اطار تعزيز سياسة حسن النية التى ظلت الخرطوم تتعامل بها مع جوبا رغم تكرار الاخيرة لاعتداءات كثيرة خلطت بها اوراق الجوار بين دولتى الشمال والجنوب رغم تأييد الشمال المطلق لانفصال الجنوب دون تحفظات . ووجد انسحاب الجيش الشمالى من أبيى ترحيبا دوليا كبيرا مثمنا الدور الذى من الممكن ان تلعبه هذه الخطوة فى خلق صورة ايجابية للسودان امام المجتمع الدولى، رغم التحفظات الكثيرة للبلاد على القرار 2046 ، والذى بموجبه تم الانسحاب رغما عن تحذيرات الخبراء الامنيين الذين شددوا على عدم الاقدام على خطوة الانسحاب باعتبار ان ذلك طريق لجعل منطقة أبيى تتجه نحو الجنوب رغم شماليتها التى اقرها تحكيم لاهاي . الاتحاد الأفريقي من جهته رحب امس بالخطوة التي اتخذتها الحكومة باعادة انتشار القوات المسلحة وقوات الشرطة في منطقة أبيي، تطبيقاً لخارطة الطريق التي قدمها الاتحاد الأفريقي وعملاً بقرار مجلس الأمن الدولي «2046»، وقال مفوض الاتحاد الأفريقي جان بينغ، في بيان أصدره بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، ان قائد قوات الأممالمتحدة المؤقتة في منطقة أبيي الفريق تاديس تسفاي، أكد اعادة الانتشار في رسالة رسمية بعثها للاتحاد الأفريقي. ودعا من خلالها الى ضرورة اجتماع لجنة أبيي في أسرع وقت ممكن لمعالجة قضية حراسة وسلامة المنشآت النفطية في المنطقة . فيما دعا البيان الأطراف المعنية في السودان وجنوب السودان الى الاسراع في تشكيل ادارية أبيي والمجلس التشريعي بأسرع ما يمكن حتي تعود الحياة الي طبيعتها للمواطنين في المنطقة. وهو الامر الذى يفتح نافذة من الاستفهامات بشأن الوضعية التى من الممكن ان تؤول اليها أبيى بعد ان انسحبت عنها القوات المسلحة ، على ضوء المطالبة الافريقية بشأن تشكيل ادارتها ومجلسها التشريعى والتحذيرات المقدمة من ناظر عموم المسيرية مختار بابو نمر فى حوار له مع «الرأي العام» امس من مغبة انسحاب القوات المسلحة من أبيى، فقد ذهب بابو نمر الى ان الجنوبيين «غشوا الحكومة»، فى اشارة منه الى ان هنالك الكثير من الاشياء قد تحدث بعد الانسحاب، الا ان وجود اكثر من اربعة الاف جندى من اثيوبيا فى المنطقة قد يمنع من اى تطورات سالبة ،ويبدو ان امر تشكيل ادارية ومجلس تشريعى للمنطقة بات مطلبا يحقق الكثير من التطلعات الايجابية خاصة ان مختار بابو نمر اشار الى الخطر الذى يشكله الفراغ الادارى ،الا ان هنالك تخوفات من بعض الشخصيات الجنوبية اشار اليها بابو نمر الذى طالب ايضا بالدفع بشخصيات تنتمى الى بطون دينكا نقوك لتكون نقطة بداية لتعاون ادارى وتشريعى يقود أبيى الى منضدة الحل المرضى دونما تكون هنالك اى تعقيدات للاوضاع، الشئ الذى يتسق مع دعوة الاتحاد الافريقى الذى استعجل هو الاخر امر تشكيل هذه الآليات. وهذا فى الوقت الذي سخر فيه القانونى والقيادى بالحزب الاتحادى الديمقراطي الاصل بخارى الجعلى من الادوار الافريقية التى وصفها بالمنحازة للجنوب على حساب الشمال، وقال بخاري فى حوار له مع المركز السودانى للخدمات الصحفية حول تهديدات جوبا باعادة الجيش الشعبى لأبيى ، بان التهديدات التى اطلقت من بعض قادة الجنوب قصد منها مخاطبة الرأى العام العالمى بانهم قد طبقوا قرار مجلس الأمن بالانسحاب ، فيما يبين الجعلى ان قضية أبيى قضية قائمة بذاتها وصدر حولها قرار من محكمة التحكيم الدولية . واضاف بخاري الجعلي ان المحكمة طلب منها التحكيم حول نقاط معينة لحسمها في منطقة أبيى ، والذى لم يحسم هو من هم السكان المقيمون بأبيى . ووفقا لما تقدم يرى مراقبون ان ثمة مشاكل تنتظر ملف تعيين الادارة وتشكيل المجلس التشريعى المرتقب خاصة فى ظل تخوفات تتعلق بالشخصيات التى من المقرر ان تقوم بتعيينها جوبا لتكون جزءا اصيل من آليات حكم أبيى ،ونشوب الخلاف من شأنه ان يعمق من المشكلة ويزيد من تعقيداتها سيما وان الدور الافريقى محاط هو الاخر بالكثير من الضبابية وانعدام الثقة بينه والمراقبين الشمالين الذين يشيرون الى عدم حيدته وانحيازه غير المرئي للجنوب. القيادى المسيرى محمد عبد الله ادم ود ابوك اشار الى ان القضية الان برمتها بيد المجتمع الدولى تواجه خطر التدويل، مؤكدا انه لا جدوى من تكوين الادارية ولا تشكيل المجلس التشريعى ،وقال ابوك هاتفيا ل» الصحافة» ان وضع أبيى الحالي يعنى فشل الحكومة وعدم مقدرتها على التعامل مع الاوضاع في البلاد، واضاف ان قضية أبيى معقدة وان الاتحاد الافريقى يتحرك باشارات من بعض الاطراف المستفيدة من تدويل قضية أبيى، وقال انهم كمسيرية لا يفرقون بين امبيكى ولا اوباما ولا كارتر، مشيرا الى ان الامر فى نهايته لا يخرج عن كونه مسرح تتبادل فيه الادوار . ولم يكتف ود ابوك بتحميل الحكومة مسئولية تعقيدات مسألة أبيى فقد اشار ايضا الى فشل امبيكى نفسه فى تقديم روشتة مناسبة لمعالجة داء أبيى، لافتا الى انه فشل ايضا فى عقد لقاء المسيرية ودينكا انقوك طالبوا به هم كمسيرية لطى الخلاف بصورة مرضية . وقال القيادي المسيري ان امبيكى عطل تحركات كل الاطراف فى توقيت يؤكد ان من مصلحة المسيرية والدينكا والشمال والجنوب ان يطوى ملف أبيى بصورة نهائية دونما اى تدخلات دولية لها مصلحة فى ازدياد حدة التعقيدات . وعن مطالبة الاتحاد الافريقى بضرورة تكوين آلية وادارة ومجلس تشريعى يرى ودابوك ان هذا المطلب لا جدوى منه لان ان القضية تتجه الى تطور غاية في السوء، ومن قضية داخلية الى قضية دولية كثيرة التطورات والمحطات ومنها اديس ولاهاى ومجلس الامن، معربا عن قناعته بان هنالك قوى كانت تخطط لقضية أبيى بذكاء وان الحكومة في مقابل ذلك ليس لديها ما تفعله اتجاهها. وعلى العموم يظل ملف أبيى فى كل الحالات مدعاة للتوتر والتعقيد فالمنطقة طريق لأزمة طاحنة قد تخلق توترات شمالية صرفة بين الحكومة واهل المنطقة الذين لم يعجبهم انسحاب القوات المسلحة من أبيي، وفي حديث مختار بابو نمر ومحمد عبد الله ودابوك نلتمس غلظة فى الحناجر تنذر ببركان قد ينفجر في اى لحظة، وهو ما يعيد طرح التساؤلات حول مصير مطالبات الاتحاد الافريقى برغم التحفظات المتعلقة بدوره ، فهل تتيح حال اقرارها من الطرفين طريقا للعبور بالمنطقة بامان من المطب الراهن ؟ ام ان الوضعية الماثلة ستزداد اشتعالا؟.