خلال الاسبوع الماضي اعلن الرئيس الفرنسي الجديد تخفيض 30 في المائة من مرتبات وبدلات نفسه ورئيس وزرائه والوزراء وكافة القيادات من طاقم حكمه اضافة لتخفيض 50 في المائة من مخصصاتهم وعرباتهم معلنا بكل وضوح ان وزيراً مسكنه بجواره شبكة مواصلات عامة لوزارته لن تخصص له سيارة؟ ايضا رئيس وزراء المملكة الاردنية الهاشمية الجديد اعلن تخفيض المرتبات بنسبة 30 في المائة كأول إعلان رسمي لحكومته.. هذه المقدمة بدأت بها هذه الحلقة مشاركة مع احاديث اهل السودان حول تكلفة الطبقة الحاكمة ببلادهم التي تتكون من جهاز سيادي وتنفيذي وتشريعي اتحادي وولائي ومحلي يتكون من حوالي ثلاثة آلاف فرد من القيادات السيادية العليا والمستشارين والوزراء ووزراءالدولة والولاة ونوابهم والوزراء الولائيين والمستشارين بالولايات والمعتمدين واعضاء الهيئة التشريعية القومية المكونة من المجلس الوطني ومجلس الولايات وهنالك سبعة عشر مجلس تشريعي بالولايات بهم رؤساء لجان في درجات وزارية.. وكرد فعل لهذه العددية المهولة من افراد الطبقة الحاكمة نشرت صحيفة الاحداث بعددها رقم 1614 بتاريخ الإثنين 16 أبريل الماضي بالصفحة الاولى خبرا تحت عنوان «اتجاه لخفض وزراء الحكومة الى 15 فقط».. حيث جاء في الخبر ان هنالك تجمعا ضم 130 عضوا من الهيئة البرلمانية للمؤتمر الوطني من اجل وضع خطة لتقليص وزراء الحكومة الى 15 خمسة عشر وزيرا فقط ؟ ونحن في انتظار ظهور نتائج مجهودات هذا التجمع لتخفيض الانفاق العام كمخرج مهم لازالة عجز الموازنة العامة..؟ منذ نهاية الاسبوع الماضي ظهرت بالصحف ارهاصات لصدور قرارات بتحرير الدولار بعد ان وصل في الشهر الماضي لحوالي 6.750 ستة آلاف وسبعمائة وخمسين جنيها وكان للاسف ردالفعل حول ذلك غريباً ومتبايناً..؟مثال لذلك نجد ما نشرته الصحافة بعددها رقم 6751 يوم الاثنين 14 مايو الجاري بالصفحة الاولى كعنوان رئيسي «المركزي : ما يحدث بسوق العملة مضاربات والدولارسيهوى».. كما نشرت ايضا «المركزي يتوقع انخفاض الدولار والسودان تحصل على موارد نقدية ضخمة»..؟ في يوم الاثنين 21 مايو الجاري نشرت الصحافة بالصفحة الاولى بعددها رقم 6758 عناوين بارزة كالآتي «الصرافات تبدأ اليوم في توفير النقد الاجنبي مباشرة للجمهور» وايضا نشرت «برلماني يعلن ان تحرير الدولار قد يقود الى موجة غلاء غير مسبوقة..؟ » وتضمنت الاخبارالمنشورة بذات الصفحة تصريحات لقيادات اتحاد الصرافات بان البنك المركزي سوف يبدأ اعتبارا من صباح اليوم الاثنين 21 مايو الجاري ضخ كميات كبيرة من النقد الاجنبي بواقع 5 خمسة آلاف جنيه «بالقديم» للدولار على ان تبيعه الصرافات للمسافرين والطلاب بهامش ربح لا يزيدعن 20 عشرين جنيه بمعني آخر سعر الدولار من الصرافات ان وجد اصبح سعره «5.200» خمسة آلاف ومائتين جنيه وهذا معناه اذا ما توفر بهذا السعر انه رسميا حسب ماذكر في هذا الخبر ان الجنيه السوداني خفضت قيمته بنسبة 82 بالمائة اثنين وثمانين في المائة... في اطار هذه الارقام والنسب المئوية هنالك العديد من الاسئلة المشروعة يجب ان تطرح وان تجدالاجابة واتناولها هنا باختصار كالآتي: أولاً: حسب ما هو وارد في الفصل السادس من دستور جمهورية السودان لسنة 2005م، المعدل «النظام المصرفي» فإن البنك المركزي مسئول عن وضع وتطبيق السياسة النقدية وتخضع كل المؤسسات المصرفية للنظم واللوائح التي يضعها... ومناط به تأمين استقرار الاسعار والمحافظة على استقرار اسعار الصرف وكفاءة النظام المصرفي واصدار العملة ويعتمد تنفيذ السياسة النقدية في المقام الاول على آليات السوق بدلا من التخصيص الاداري للاعتمادات.. ويكون بنك السودان المركزي مستقلا استقلالا كاملا في متابعة السياسة النقدية.. ويكون مسؤولا لدى رئاسة الجمهورية ويضم مجلس ادارته تسعة اعضاء هم محافظ البنك رئيسا لمجلس الادارة ونائبين للمحافظ اضافة لستة سودانيين من ذوي الكفاءة العالية يعينهم رئيس الجمهورية.. وان تلتزم كل المؤسسات المالية بتنفيذ السياسة النقدية التي يضعها بنك السودان المركزي .. وذلك حسب ما هو موضح في كل فقرات المادة رقم 201 من هذا الدستور.. بموجب هذه المادة في الفصل السادس من الدستور فان السياسات النقدية بشقيها المحلي والاجنبي سلطة سيادية عليا بما في ذلك تحديد قيمة العملة الوطنية مقابل كل العملات الاجنبية المتمثلة فعليا ببلادنا في الدولار .. وحسب هذه المادة فان لبنك السودان مجلس ادارة يتكون من تسعة اشخاص درجت العادة ان يكون من بينهم احد رجال الاعمال واحد الاكاديميين بهدف الممازجة بين النظريات الاكاديمية والخبرات العملية.. اضافة لوجود هذا المجلس بموجب الدستور درج بعض المحافظين على الاستنارة والاستفادة من خبرات من سبقوهم من المحافظين ونوابهم بدعوتهم للتفاكر معهم في شؤون السياسات النقدية.. ومنذ تأسيس هذا البنك منذ اكثر من نصف قرن من الزمان تولى منصب المحافظ افذاذ وجهابزة في الاقتصاد والادارة امثال المغفور لهم مامون بحيري والسيد الفيل ود. عبدالرحيم ميرغني وابراهيم نمر ومهدي الفكي وآخرين اطال الله اعمارهم.. وتميزت فترة المرحوم ابراهيم نمر بان شجع الدراسات العليا بين مبعوثي البنك المركزي لنيل درجة الدكتوراة وهذه محمدة تذكر له رغم انه وجد جزاء سنمار من بعضهم بعد ان ترك منصبه... بنك السودان منذ تأسيسه قبل حوالي نصف قرن من الزمان تميز باعطاء العاملين به علاوتين زيادة عن مرتبات العاملين بالخدمة المدنية وكانت في حدود خمسة جنيهات في المتوسط ثم تطورت هذه الفوارق لتبلغ حاليا لبعض الدرجات في المتوسط اكثر من 20 عشرين ضعف مرتبات زملائهم في الخدمة المدنية اضافة لمخصصات اخرى مثل العربات الفاخرة والسلفيات وفوائد ما بعد الخدمة الكبيرة وهذه الفوارق ادت لوجود شرخ كبيرجدا وتشوهات في هياكل الاجور بين العاملين في قطاع السياسات المالية وزملائهم العاملين في قطاع السياسات النقدية حيث صار لا يوجد وجه للمقارنة بينهم والعاملين في وزارة المالية والاقتصاد الوطني وبقية الخدمة المدنية في المرتبات والمخصصات وفوائد ما بعد الخدمة؟ ودون شك كنا نتوقع ان يتم الرد على هذا التميز بما يقابله في ادارة السياسات النقدية عامة وادارة النقد الاجنبي خاصة بحيث لا يتم صدور قرارات فطيرة مثل التي حدثت مؤخرا وادت لتخفيض قيمة الجنيه السوداني بنسبة 82 في المائة اثنين وثمانين في المائة مرة واحدة بقرار أشبه بخبط عشواء.. بعد كل هذه التوضيحات التي تشرح وضع البنك المركزي في الدستور ووضعية مجلس ادارته والعاملين به فإن السؤال الاول الذي يفرض نفسه لماذا لم يتحركوا نحو تقويم الجنيه منذ ان كسر حاجز ال 3000 الثلاثة آلاف جنيه بالقديم مقابل الدولار ..؟ ولماذا انتظروا واصدروا قرار التقويم حتى بلوغ سعر الدولار حوالي 6.750 ستة آلاف وسبعمائة وخمسين جنيه كما حدث خلال نهاية شهر مارس ومطلع ابريل الماضيين... ؟ علما بأن هنالك العديد من الاقتصاديين طالبوا بتحرير النقد الاجنبي وانا شخصيا «احمد شريف عثمان» كتبت العديد من المقالات بالصحافة وايلاف مطالبا خلال العامين الاخيرين بتحرير كافة معاملات النقد الاجنبي في الحيازة والاستيراد والتصدير والرجوع لنظام الاستيراد بدون تحويل «النل ڤاليو» وكررت هذا الاقتراح عدة مرات في حلقاتي الاقتصادية وللاسف لم يجد الاهتمام او مجرد الرد عليه حتى فوجئت كغيري بقرار التعويم الفطيرالذي لم يصدرمنشور توضيحي له حتى اليوم؟ وخير دليل على حالة عدم الاستقرار في سياسات النقد الاجنبي ما نشرته الصحافة بالصفحة الاولى بالعدد رقم 6758 بتاريخ الاثنين 21 مايو الجاري بان اتحاد اصحاب العمل صرح بانه فشل في الحصول على منشور او قرار من بنك السودان او من وزارة المالية والاقتصاد الوطني او من اتحاد الصرافات حتى يستند عليه في الاجراءات المتعلقة بالنقد الاجنبي مما حدا به الى رفع مذكرة الى رئاسة الجمهورية تنادي بضرورة تكاملية الاجراءات في حزمة واحدة حفاظا على مصلحة الاقتصاد الكلية..؟ ثم جاءت قمة الربكة في الاعلان الرئيسي الذي نشرته صحيفة الرأي العام في صفحتها الاولى بالعدد رقم 5253 بتاريخ نفس اليوم 21 مايو الجاري «الحكومة تؤجل قرار تحرير الصرف..» وجاء في تفاصيل الخبر تحت هذا العنوان ان اجتماعا سياديا انعقد بالقصر الجمهوري ضم قمة قيادة البلاد وصدرت عنه انباء عن ارجاء تطبيق حزمة السياسات الاقتصادية ومن بينها تعويم الجنيه...؟ واترك للقراء الكرام حجم الربكة التي احدثتها مثل هذه القرارات الفطيرة باقتصاد اهل السودان الذين ضحوا وميزوا ابناءهم وبناتهم العاملين بالسلطة النقدية بأرفع واعلى المرتبات وشروط الخدمة والتقاعد؟؟ ثانيا: الصحف التي صدرت يوم الثلاثاء 29 / مايو الجاري تقريبا كلها تناولت المناقشات والجدل حول جدوى ومخصصات مجلس ادارة بنك السودان داخل المجلس الوطني وكمثال لذلك ما نشرته الصحافة بالصفحة الثالثة والاحداث بالصفحة الاولى.. ؟ وطبعا كل هذه المناقشات دارت وسوف تدور حول ما هي سلطات مجلس ادارة بنك السودان الذي ظل يتفرج على الجنيه حتى يصدر قراراً بتعويمه بعد ان فقد 82 في المائة اثنين وثمانين في المائة من قيمته مقابل الدولار ..؟ لأن ذلك يعني ببساطة شديدة الآتي: ان كل جنيه داخل جيب او محفظة او رصيد اي سوداني انخفضت قيمته الحقيقية بدلا من 100 إلى 18 في المائة الى ثمانية عشر قرشا حسب قرار تعويمه بدون منشور توضيحي في الاسبوع الماضي..؟ ان كافة المرتبات والمعاشات فقدت خمسة اسداس قيمتها وقوتها الشرائية في السوق بسبب قرار التعويم هذا..؟ بالرغم من المصادر الرسمية تعلن لنا ان معدلات التضخم في الشهر الماضي تبلغ 28 في المائة ثمانية وعشرين في المائة لكننا نجد فعليا ان اسعار كل السلع والخدمات تضاعفت بمعدلات وصلت لخمسة او ستة اضعافها... وذلك بسبب هذا التعويم المعلن «فطيرة» وبدون منشورات من اكثر المرافق العامة المميزة في المرتبات والمخصصات وفوائدها ما بعد الخدمة..؟ حقيقة كنت اتوقع ان تتناول مناقشات المجلس الوطني التي دارت حول تعديل قانون البنك المركزي وتنظيم العمل المصرفي هذه الكارثة القومية التي تأتي في الدرجة الاولى بعد انفصال الجنوب مباشرة بحيث تتم مناقشتها بالعمق الاقتصادي وبالارقام واقترح ان يتم تشكيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق حولها لأنها تتعلق بانهيارالعملة الوطنية عن قصد او جهل لمعرفة ما حدث بالتحديد ولماذا حدث وكيف تتم معالجته ومعاقبة مرتكبيه..؟