ملابسات غريبة صاحبت اجتماعات المكتب السياسي لحزب الامة القومي في الايام القليلة الماضية، فقد فشل الأمين العام الجديد للحزب للمرة الثانية على التوالي في تمرير القائمة التي اختارها لتولي امانات الامانة العامة المختلفة، ورفض أعضاء المكتب السياسي للحزب قائمة الدكتور ابراهيم الامين جملة وتفصيلا رغم احتكام الفرقاء الى التصويت المباشر على القائمة كخطوة غير معهودة في الحزب الكبير. ورغم محاولات حزب الامة وقياداته وعلى الاخص الامين العام ورئيس المكتب السياسي سارة نقد الله، التقليل من آثار ما حدث عبر الظهور الباسم امام وسائل الاعلام ،في مؤتمر صحافي امس الاول، فان الامر يعد مؤشرا خطيرا على فشل عملية التواؤم بين الاصلاحيين العائدين للحزب عبر اتفاقات مع السيد المهدي، والقابعين داخل اسواره، فالقائمة التي قدمها ابراهيم الامين كانت تحتوى على اسماء تنتمى لتيارات متعددة داخل الحزب منها التيار الاصلاحي والتيار الذي شارك في بعض الاوقات في حكومات المؤتمر الوطني، وغيرها من المراكز المتعددة في الامة، وقد اتخذت القائمة المقدمة ما يشابه تشكيلة المنتخب القومي على ايام مجده، فلم يحرم الامين العام احدا من الكتل المتصارعة حول الحزب من التمثيل في الامانات الكثيرة، على طريقة من كل شجرة عصى، الا ان تشكيلة الرجل هذه خلت من اسماء لا يمكن ان تقبل القسمة على اثنين في حوش الامة والكيان الانصاري، مثل الدكتورة مريم الصادق المهدي الامين المساعد للاتصال والدكتور عبدالرحمن الغالي نائب الامين العام. وبثت مصادر داخل حزب الامة للصحف المختلفة ليلة تفجر الازمة ان المكتب السياسي رفض قائمة الامين العام لانها ضمت شخصيات خلافية ومثيرة للجدل داخل الحزب بينهم عدد من منسوبي التيار العام الذين ظلوا خارج مؤسسات الحزب ثلاث سنوات، بسبب تجميد نشاطهم، بجانب مجموعة الواثق البرير. وبدت الخطوة حينها كأنها محاولة من دوائر في الحزب لاستباق تأثيرات هذا القرار على الرأى العام، وترسيخ مردود محدد . بيد ان مراقبين للاوضاع داخل الحزب يرون ان الامر يرتبط بمخرجات اللجنة المركزية الاخيرة للامة، وبما دار في كواليسها بين القيادات المختلفة لتيارات الحزب داخل وخارج اسواره، وهي التفاعلات التي ادت الى اقصاء الامين العام السابق صديق اسماعيل واعتلاء الدكتور ابراهيم الامين كرسي الامانة. وما يدعو لاعتماد مثل هذا التفسير مانقلت المصادر ذاتها للصحف من ان الامين العام أمامه خياران بعد رفض المكتب السياسي قائمته «إما تقديم استقالته أو التشاور مع المجموعة الرافضة للوصول الى قائمة وفاقية تكون محل اجماع الجميع». والخيارات المطروحة على الامين العام يبدو احلاها مر، فالاول يعني هزيمة شخصية للرجل الذي ظل ربما لسنوات يتحين فرصة لاظهار ما يمكن ان يقدمه للحزب من موقع القيادة، لا من خلف الكواليس عبر الادوار والمهام التي كان يؤديها للسيد المهدي، والثاني يؤذن ايضا بنهاية مشروع المصالحة واعادة اللحمة بين كيانات وكتل اصلاحية واسر متخاصمة في دائرة الامة والانصار، كما يعد تراجعا من الدكتور ابراهيم الامين عن وعوده المبذولة لاعضاء الهيئة المركزية بالمساهمة في اعادة ترتيب البيت، وتفكيك مراكز القوى المؤثرة داخل الحزب. ولهذا فإن عضو المكتب السياسي للحزب صالح حامد محمد احمد لا يتوانى عن الاشارة الى ان ماحدث في اجتماعات المكتب السياسي نتاج للاوضاع غير الصحية في اطار الحزب، ويقع في اطار الصراع بين قوى التغيير والممانعة التي تعمل على اعادة الحزب الى الواقع القديم. ويؤكد صالح ل» الصحافة» ان الامين العام غير ملزم دستوريا بتقديم قائمة توافقية، لانه غير خاضع لاي محاسبة من اية جهة غير الهيئة المركزية، موضحا ان المكتب السياسي غير مخول بطرح الثقة عن الامين العام او محاسبته لان ذلك من الصلاحيات الاصيلة للهيئة المركزية. وربما يفسر ما قاله صالح موقف زعيم الامة من هذه القضية، فقد رفض الصادق المهدي التدخل لإجازة القائمة التي اثارت الخلافات، كما رفض التدخل ايضا للتأثير على تصويت الاعضاء الرافضين والمؤيدين لها، ونقل عن المهدي قوله « كيف اتدخل فيما انتجته الديمقراطية». واشارة زعيم الانصار بليغة فكل ما تم داخل اسوار « الامة» كان عبر الممارسة الديمقراطية السليمة، فالامين العام حمله تصويت الهيئة المركزية للمقعد ومحصلة تصويت المكتب السياسي هي من حجبت قائمة الدكتور ابراهيم الامين. لكن عضو المكتب السياسي للحزب صالح حامد محمد احمد يعود ليؤكد ان دستور الامة يضع حدا فاصلا بين المؤسسة السياسية ممثلة في المكتب السياسي والمؤسسة التنفيذية ممثلة في الامانة العامة، مشيرا الى ان عملية صناعة القرار السياسي حق مطلق للمكتب السياسي فيما تعنى الامانة العامة المنتخبة من الهيئة المركزية بتنفيذ القرارات وادارة الحزب ادارة تنفيذية ، وان من صميم عمل ومهام الامين العام اختيار الفريق وترشيح الفريق التنفيذي الذي يناسبه بشرط ان يتم الاختيار استنادا على الاسس التنظيمية والتدرج التنظيمي فضلا عن توافر الشروط والمتطلبات الواجبة لاي موقع. ويتابع صالح حامد : كل ما للمكتب السياسي من حقوق يتمثل في ابداء الآراء وفق ذلك التوازن ، لان على الامين العام مراعاة قراراته، لكن المسئولية عن الامانات وشاغليها يتحملها الامين العام بما فيها اختيار من يرى دون فرض شخصيات بعينها من المكتب السياسي او فرض شخصيات اخرى مثل ماحدث، فليس من حق المكتب السياسي رفض قائمة لفرض اخرى بديلة. وما ينتهي به صالح يرى البعض انه «رأس الخيط» فيما دار من ملابسات بالمكتب السياسي، مشيرين الى ان الرفض قد ترافقت معه عمليات اقناع لابراهيم الامين بتقديم قائمة توافقية تضم شخصيات بعينها. بيد ان رئيس المكتب السياسي للحزب سارة نقدالله اقرت ان لا احد ينازع الامين العام في صلاحياته المنصوصة في المادة 19 (2ج)، والمتمثلة في تقديم البرنامج والهيكلة للاجازة، لكنها نبهت الصحفيين في ذات المؤتمر الصحفي الذي عقد بالمركز العام على خلفية ما جرى الى ان من صلاحيات مكتبها السياسي وفقا للمادة (9) رفض الهيكلة وعدم اعتمادها، وتابعت ساره حديثها للصحفيين قائلة: امام الامين العام الآن مساحة للتشاور وتقديم قائمة جديدة. ومن تابع طريقة تناول رئيس المكتب السياسي للامر لن يغفل حرص ساره على تغليف واقعة رفض مرشحي الامين العام من قبل اعضاء مكتبها بكلمات تلطف الاجواء المستعرة في اروقة الحزب الكبير، لكنها ايضا تضع الكرة مرة اخرى بين قدمي الدكتور ابراهيم الامين التي بدت امام الصحفيين حائرة.