شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدشن أغنيتها الجديدة (أخوي سيرو) بفاصل من الرقص المثير ومتابعون: (فعلاً سلطانة)    نائب وزير الخارجية الروسي من بورتسودان: مجلس السيادة يمثل الشعب السوداني وجمهورية السودان    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على كل الأطراف المعنية بالسودان العمل لتغيير اتجاهه الانتحاري
في مائدة مستديرة حول الأزمة الوطنية بالدوحة «4»
نشر في الصحافة يوم 09 - 06 - 2012

جمع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات «معهد الدوحة» الفرقاء السودانيين في مائدة للتفاكر حول الأزمة الوطنية السودانية يومي 26 27 مايو بفندق الرتز كارلتون في الدوحة.
ناقش المشاركون «الأزمة الوطنية.. الابعاد والخسائر» و «المثقف والأزمة الوطنية» و«سيناريوهات المخارج المحتملة ودراسة السياسات» ورأى المشاركون ان وقف الحرب المدخل الرئيس لحل الأزمة. وشهدت مداولات اللقاء الذي عقد على شكل «مائدة مستديرة» مداخلات بناءة من المشاركين وخاصة من ممثل الحكومة مطرف صديق وأحمد حسين القيادي في حركة العدل والمساواة، حيث ركزا على شمولية الحل وسلمية تفكيك الأزمة السودانية واتفقت آراء المشاركين على أن الوقت قد حان للتغيير.
ومن اللافت ان المشاركين يمثلون جيل الوسط وقدموا افكاراً جديدة. وقد اشادوا بمبادرة «معهد الدوحة» ومديره الدكتور عزمي بشارة في تشجيع الحوار بين الفرقاء السودانيين، ويمكن القول ان «العصف الذهني» الذي جرى هو اول حوار جريء بين فرقاء السودان.
إلى أين تتجه الخيول:
في تلمسه لأبعاد الأزمة يطرح الدكتور عبد السلام نور الدين السؤال «الى اين تتجه الخيول التي تجر عربة دولة الأزمة في السودان» وليجيب على السؤال يحدد مواصفات خيول الأزمة، ويقول إن لكل جواد من تلك التي تجر عربة الأزمة السودانية سمة غالبة تؤهلها بمفردها أن تنحدر بعربة البلاد في الطريق الهابط الى اسفل قاع الجحيم، وهي: الاصولية الدينية «في وطن متعدد الاديان»، الاستبداد العسكري «في وطن هبت فيه ثورتان شعبيتان قضت فيهما على نظامين عسكريين 1958 1964 1969 1985م»، الايديولوجية العروبية «في وطن متعدد الاعراق والقوميات والثقافات واللغات»، التحيز الاثني الاقليمي «في وطن متعدد الديار والاقاليم والاثنيات»، التحيز لاقتصاديات السوق الطفيلى الذي يستخدم القبيلة والامن والضرائب والاتاوات لتعزيز مواقعه.
ويقترح نورد الدين حتى لا تقفز تلك الخيول في لحظة واحدة بعربة المجتمع السوداني الى القاع إجراءين أوليين حاسمين لا يقلان في اثرهما ومفعولهما الباتع في شد أعنة الخيول الجامحة الى الخلف عن أثر ومفعول تصدير البترول الذي تم في عام 1999م، ووقى دولة الانقاذ من السقوط الداوي، وعن اثر ومفعول توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005م، وقد كان لهما المردود الايجابي في تخفيف حدة التوتر والتشتت. ولا بد من ذلك السعى للعثور على مداخل للازمة والخروج بحلول مناسبة منها لكسب الوقت قبل فواته، ليتسني لكل الاطراف المعنية بتعدد السودان الاثني والقومي والثقافي والديني واللغوي وبحاضره ومستقبله، العمل بوعي وتخطيط جماعي وحسم على لم اطرافه القومية والاقتصادية والثقافية تمهيداً لتغيير اتجاهه الانتحاري ودفعه برؤية ثاقبة بعد تغيير مساره في الاتجاه الصحيح الذي ينقله بحكمة من البوار ليضعه في قلب مجرى التنمية المتواصلة والسلام الاجتماعي والعقلانية الفاعلة والتماسك النفسي. ولكي لا يصبح الطرف المعني بشد أعنة الخيول الرعناء الى الخلف جزءاً من المشكلة بدلاً من حلها لا بد له من تشخيص دقيق وموضوعي للمنافذ التي هبت منها الازمات التي شكلت في نهاية المطاف هوية الدولة التي تسرع الخطى الآن صوب شفا الانهيار، ولا بد من فكر متجانس لاعادة البناء.
ويطرح نور الدين الاسئلة: هل فات كل شيء وذهب؟ هل يعيش الجميع: المؤتمر الوطني والمعارضة المدنية والمعارضة التي تحمل السلاح في الزمن الضائع؟ ويشير ابتداءً إلى أن عبقرية الفشل ليست حكراً على الجمهورية الثانية وناشطيها فحسب، ولكنها قاسم مشترك اعظم لمنتسبي السياسة السودانيين منذ نشأتها وتشققاتها الاولى في مطلع عقد الثلاثين من القرن العشرين الى فيليين وابروفيين وفجريين واتحاديين واستقلاليين. ثم يضع السؤال التالي: ما العمل اذن؟ ويقول ان أحزاب الوفاق الوطني تطرح تارة المؤتمر الدستوري مخرجاً، وتنتظر في ذات الوقت انتفاضة مدنية تطيح بالجمهورية الثانية اشبه بما حدث من قبل على مدى نصف قرن ما الزمان. ويوالي نور الدين طرح الاسئلة: ما هو النقد المنهجي الذي يمكن أن يوجه الى تصور المؤتمر الدستوري مخرجاً؟ وما هو النقد المنهجي الذي يمكن أن يقدم الى انتظار الانتفاضة التي يمكن أن تهب وليست هنالك حتمية في هبوبها؟ وهل كتب على كل المعارضين الذين أشاحوا عن العمل المسلح أن ينتظروا الانتفاضة التي لا بد تأتي وان تأخرت؟
ويتناول بالاسئلة ايضاً ما يقدمه تحالف كاودا وتجمعات أخرى مسلحة من مخرج يتمثل في هزيمة الجمهورية الثانية على ميادين القتال. ويقول: ما هو النقد الذي يمكن أن يقدم الى الحركات المسلحة التي ينتظر منها أن تتحول الى أحزاب سياسية أولاً، وأن تتخطى عجز الاحزاب السودانية التاريخي في التعرف على الاغوار البعيدة لمأزق الحاضر وتصورات المستقبل عبر عقد اجتماعي جديد ومشروع سياسي شامل وخريطة طريق تكون فيها البندقية أحد خيارات السياسة وليس العكس كما تفعل الآن؟ ويمضي في طرح اسئلة اخرى: هل هنالك مبادرة لتغيير مسار الدولة والمجتمع في السودان حتى لا يغوصان في قاع الاضطراب والفوضى اللذين يفضيان الى الدمار؟ من الذي ينهض بالمبادرة؟ هل هي قوى الداخل من أحزاب الوفاق الوطني والشباب والمهنيين وروابط واتحادات ومنظمات المهاجرين أم الاتحاد الافريقي أم الايقاد أم دول الجزيرة والخليج عبر الجامعة العربية أم الولايات المتحدة والاتحاد الاروبي؟ أم كل هذه القوي متحدة ومتفرقة في وقت واحد؟ وكيف تبدأ المبادرة؟ وما مداخل المبادرة؟ وما أهداف وغيات المبادرة وما مداها الزماني ابتداءً وانتهاءً؟ ثم ينتهي الى القول: كل تلك الاسئلة تطرح نفسها باعتبارها جزءاً من تلمس أبعاد الأزمة من أجل الاقتراب من حلولها.
محاولة للاختراق:
في ورقته «النخبة السودانية.. محاولة للاختراق» يشير الدكتور عبد اللطيف البوني الى ان النخبة الحديثة طرحت أربعة مناهج لحكم السودان وبناء الدولة في السودان ولم تنجح كلها، أولها المنهج الليبرالي الذي جرب ثلاث مرات، ويكفي تدليلاً على فشله أن العسكر قضوا عليه بالحد الأدنى من التنظيم والتآمر في المرات الثلاث. ثم تبنت النخبة النهج الاشتراكي، ففي لحظة تاريخية نادت كل أحزابنا بدون استثناء بالتوجه الاشتراكي بفضل دينماكية الحزب الشيوعي، لا بل اصطاد النميري السلطة بالبندقية الاشتراكية، ولكن سرعان ما انتهى نهجه الاشتراكي بذبح أكبر ثيرانها في السودان. أما فشل النهج الإسلامي فينظر له في تجربة النميري على آخر أيامه، ثم في حكم الإنقاذ الحالي، ويكفي هذه أنها لم تدرك وحدة السودان ولا السلام فيه، ومدرسة صراع الهامش والمركز كانت آخر الجاذبين للنخبة السودانية، ولكن انقسام السودان إلى دولتين مزقها هى الأخرى، فحتى الدولة التي قامت باسم نصرة الهامش أصبح لها هامش يقاتلها الآن ويقاتل فيها.
ويتحدث البوني عن ان النخبة السودانية الحديثة جعلت من السودان فأر معمل وألصقت به أمراض التجارب غير الناجحة، ويرجع عدم نجاحها في بناء الدولة لأنها لم تكن مخلصة للحداثة وتحديث تراب السودان، بل انكفأت على فكرها في أحسن الفروض وعلى نفسها في أسوأ الفروض، وبين تلك وتلك تدخل العنصرية والجهوية والقبلية والحزبية. ويرجع السبب الرئيس في إخفاق النخبة السودانية الحديثة في عملية بناء الدولة إلى أنها دخلت في حلف غير مقدس مع النخبة التقيلدية، وهذه الأخيرة لا تثريب عليها لأنه لا يمكن مطالبتها ببناء وطني يقوم على أشلائها، ولكن اللوم والذنب يقع على الذين تحالفوا معها بدافع الكسل الذهني والبدني، الذين خروجوا من أصلابها ودرسوا في أعتى جامعات الغرب واستخدموا ما درسوه من جدل في بعث الروح فيها. وينبه الى ان الولاءات التقليدية من قبلية وعنصرية وطائفية وجهوية أمر طبيعي ولا بد منه في أية مرحلة من مراحل تطور أي مجتمع، فآلياته هي التي تحكم ذلك المجتمع بالتراضي، ولكن عندما يتطور المجتمع ويبدأ في أخذ شكل الدولة ثم تستخدم آليات الدولة لتقوية تلك الروابط التقليدية، هنا تكون الخيانة والنكوص.
ويشدد البوني على ان كل المشروعات السياسية النخبوية فشلت، وبالتالي اهتزت ثقة الجماهير في النخبة، فانصرفت عن التنظيمات السياسية الحديثة. والدليل على ذلك الحركات الجهوية المسلحة وانتخابات الجامعات وانتخابات عام 2010م «المخجوجة المرجوجة». ويشير البوني الى أن حركة الحقوق والحركة المطلبية لا تسعى لتغيير النظام الحاكم ولا تتبع لحزب معارض، بل تريد حقها من الحكومة والدولة لنفسها مباشرة، مثلما حدث في بورتسودان وسد كجبار وسد مروي والمناصير وحلفا الجديدة ووادي النيل والدالي والمزموم، وفي عدة أحياء في العاصمة الجماهير هاجت وماجت وأحرقت «اللساتك» لأمر يخص الحي. ويقول إن بداية نهاية دور النخبة السياسي قد تكون بداية لنهاية العمل السياسي القومي في السودان، والعودة للمكونات الأولية من جهوية وعصبية وعلى أحسن الفروض مناطقية، ويطرح البوني السؤال: كيف يكون الحل؟ كيف نرتق القماشة الوطنية؟ في فدرالية راشدة أو طريقة انتخابات مستصحبة تقوية البناء الحزبي، ويقول إن الخلاص يقع على عاتق ذات النخبة التي كانت سبب الداء السياسي، لأن مشروع الخلاص مشروع فكري، مشدداً على أن بلادنا في حاجة لدولة إدارية حديثة بغض النظر عن مرجعيتها الفكرية تقوم على العدل والمواطنة، مرجعيتها ليست لدين أو عنصر أو قبيلة. والمواطنة فيها مستمدة من دستور يقف على مسافة واحدة من كل مكونات الهوية في السودان، ويقول إن هذا يتطلب مشروعاً وطنياً يجد فيه كل سوداني نفسه، خالياً من أي عنصر من عناصر العزل، مشيراً الى ان هذا المطلب من ناحية نظرية أمر سهل ومتفق عليه، ولكن الطريق إليه صعب ووعر ومحفوف بكثير من المطبات والعراقيل، داعياً إلى أن يكون همنا جميعاً كيفية رسم خريطة لتلك الغاية ثم من بعد تعبيده لتسير فيه جموع الشعب السوداني، مشدداً على أن هذه رسالة النخبة السودانية الحديثة، بل هو قدرها وعليها السير فيه بغض النظر عن نجاحها، فكثير من الغايات لا تدرك، ولكن السعي لها قد يحقق نتائج إيجابية تخفف الأعباء على الأقل عن الأجيال القادمة.
المخرج:
وتحت عنوان «أفكار حول الأزمة الوطنية والمخرج» تحدث عبد العزيز حسين الصاوي عن الحاجة لتأسيس نظام ديموقراطي، قال انها في السياق السوداني الراهن تتخذ طابعاً مصيرياً يتعلق بإنقاذ البلاد من التمزق الافقي والرأسي، وحدة وطنية ومجتمعاً. ويقدم الصاوي تشخيصاً للازمة عبر استقصاء اسباب الفشل السوداني الظاهر، مشيراً بين يدي ذلك الى ان الاحزاب الكبيرة انتخابياً «الوطني الاتحادي/ الديمقراطي والامة» لم تكن بيئة ملائمة لانضاج الرصيد الاستناري النهضوي بسبب غلبة الثقل الطائفي في تكوينهما على تفاوت في الدرجة، بينما الاحزاب الكبيرة نوعياً الاكثر تمثيلاً للقوى الحديثة، كان تكوينها الايديولوجي الماركسي الشيوعي والديني الاسلامي، وفيما بعد القومي العربي البعثي، متنافياً مع النظام الديمقراطي الليبرالي.
ويقول إن قصورات النمطين التقليدي والحديث من الاحزاب السودانية، وأيضا شرائح النخب غير المنتمية حزبياً، كانت لها بالتأكيد مسوغات موضوعية متصلة بحالة التخلف العامة. كما أن دور النمط الأول في تسييس الولاءات الطائفية حزبياً كان ايجابياً، إذ ادخل مجموعات منها في إطار واحد مقربا بذلك بينها، بينما شكل النمط الحزبي الآخر نافذة السودان الاوسع للتفاعل مع تيارات وحركات التغيير في العالم، ولعب الدور الرئيس في هز البنية الاجتماعية والثقافية المتخلفة وايقاظ الطبقات الشعبية على حقوقها. مع ذلك فإن النمطين، كل لاسبابه، شكلا العقبة الكبرى في مسار تجذير الديمقراطية بوصفها وعياً عاماً وممارسة تطبيقيه، وسّدا بذلك شريان تغذية الرصيد الاستناري النهضوي الموروث من المصدرين الاوروبي والمصري والسوداني المبكر، ويقول إن هذه هي النقطة المفصلية التي بدأ عندها الدوران العكسي لعجلة التطور في السودان ببطء ثم تسارع: تراجعٌ ديمقراطي يؤدي لتراجعٍ تنويري وبالعكس، توضحه بجلاء الاستطالة المتزايدة لأعمار الانظمة الاستبدادية المتلاحقه وتزايد خصائص الشمولية فيها، دلالة على تبخر الرصيد الاستناري ورصيفه الديمقراطي في العقل السوداني وتحول القوى «الحديثة» الى بيئة حاضنة لنقيض هذه الصفة على كافة الاصعدة، عامة وخاصة. الى هذا التبدل في طبيعة هذه القوى بقابليتها للاستجابة الى الخطاب الديني الخام والطقوسي، او الارتداع به فكرياً وسلوكياً، يعود انحسار الاستجابة لخطاب الديمقراطية ومعه جدوى الجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها المجموعات المنظمة وغير المنظمة حزبياً لاستعادة الديمقراطية في مواجهة مع النظام الراهن.
ويشير الصاوي الى انه ومنذ اواخر سبعينات القرن الماضي تقريباً بدأ ميزان القوى السياسي يميل بوتائر متزايدة ضد قوى وتوجهات التغيير الديمقراطي، نتيجة الجفاف المطرد لمصادر تعميق الثقافة والوعي الديمقراطيين لدى الجمهور العام عبر مجموعة من التطورات. ويقول إن وقوع الانقلاب العسكري الاول «نوفمبر 58م» كان في مغزاه الاساسي تعبيراً عن محدودية المقومات الموروثة والمستحدثة للرادع المجتمعي الديمقراطي الاستناري الذي يمنع تحول أي تفكير للمساس بقاعدة التداول السلمي للسلطة الى فعل، مهما كانت الدوافع لدى بعض الافراد والجماعات مدنية كانت او عسكرية. وثورة اكتوبر 64 ضد نظام الانقلاب ساهمت، بعكس التفكير السائد، في إضعاف هذا الرادع، فهي قد فتحت طريق الاحياء الديمقراطي بعودة الهياكل والمؤسسات الحزبية والتشريعية.. الخ. ولكنها في نفس الوقت اغلقته بوصفه ثقافة، وهي الناحية الاهم. فهذه الانتفاضة الشعبية العظيمة كانت القوى الحديثة عمودها الفقري بقيادة اليسار المنظم وغير المنظم الذي شكل التيار الغالب وقتها سودانياً وعربياً وافريقياً حتى أن الاسلاميين انفسهم تبنوا بعض المقولات الاشتراكية. غير ان التوجه الفكري لليسار كان يفصل بين العدل الاجتماعي «الاشتراكية» والديمقراطية السياسية، معتبراً النظام البرلماني واسسه النظرية والفلسفية إرثاً برجوازياً غربياً متناقضاً مع الحقوق السياسية والاجتماعية للطبقات الشعبية، وهي وجهة نظر كانت مقبولة حينذاك بسبب عداء شعوب العالم الثالث المشروع لسياسات المعسكر الغربي الاستعمارية وجاذبية المعسكر الشرقي المضاد له. ومما عمق تأثير هذا النوع من الثقافة السياسية اللاديمقراطية لدى النخب والجمهور العام سوء إدارة حزبي الاتحادي والامة للفترة البرلمانية الاولى.
اما الحقبة الانقلابية المايوية «69 85 م» والحديث للصاوي فقد واصلت عملية استنزاف الرصيد الديمقراطي- الاستناري من حيث توقف العهد الانقلابي الأول ولكن بقوة اكبر، مشّكلة بذلك المفصل الحاسم في مسار تصاعدها الى الحد الاقصى، وهو إلغاء الوجود الفعلي للقوى الحديثة. ويقول ان الاثر السلبي للحقب الانقلابية يتمثل في تجميد حركة الفكر والثقافة العامة التي لا غنى عنها لنمو حوافز التطوير، بإغلاق فضاءات التفاعل بين الاطراف الداخلية وبينها والخارج. ففي طوريها اليساري القصير « 69 71م» واليميني حتى انتفاضة 85م، لعبت الحقبة المايوية هذا الدور بكفاءة تجاوزت كثيراً دور حقبة الانقلاب الأول لانبثاقها، عسكرياً ومدنياً، من أوساط القوي الحديثة وتوفرها بذلك على كوادر وأدوات تخريج فكري وتخطيط وتنفيذ أكثر فاعلية بكثير. ويشير الى ان اولى خطوات التصعيد النوعي لعملية الاستنزاف الديمقراطي الاستناري «الديمواستناري» كانت بالشروع في سد منبعه الاول وهو النظام التعليمي الحديث بالتدخل الدكتاتوري فيه، بدءاً بتعديل السلم التعليمي ثم المناهج لاحقاً. وعندما بدأت الأزمة الاقتصادية والمعيشيه أواخر السبعينيات ممثلة في تدهور قيمة الجنيه السوداني والتضخم المالي في إطار محاولة القيادة المايوية اضفاء مشروعية تنموية ثم دينية علي سلطتها، اكتملت مجموعة العوامل التي شكلت ظاهرة التراجع التحديثي الدموستناري وأطلقت ديناميكيتها: ذوبان الطبقة الوسطى، الحامل الاجتماعي لعملية التحديث في خضم تدهور الاقتصاد وتحريره غير المرشد ديموقراطياً، التوسع الافقي الكبير للمنظومة التعليمية على حساب نوعية التعليم من حيث المناهج واساليب التدريس، ثم ترييف المدن تحت وطأة الحروب الاهلية وانهيار الهياكل الاقتصادية الزراعية البدوية بدءاً بمجاعة دارفور.. وذلك بالإضافة الى العوامل الثانوية مثل الهجرة المدينية الى الخارج. كما شكلت الافرازات المتكاثفة لهذه التطورات مادة تغذية دسمة للإسلام السياسي فتحول الى اداة فعالة لتعزيز هذه الظاهرة المدمرة وتعميق جذورها في الاوساط النخبوية: من «الإخوان المسلمون»/ جبهة الميثاق الاسلامي بوصفها تنظيماً صفوياً محدوداً خارج المجال الطلابي، الى الجبهة القومية الاسلامية باعتبارها تنظيماً أوسع كثيراً وسط القوى الحديثة مدنياً وعسكرياً. فالمكاسب الانتخابية التي حققتها الجبهة في انتخابات عام 1986م ثم السهولة التي نجح بها انقلاب 89م والتوطد السريع والمتين لاركانه، كانت دليلاً قوياً على ذلك. وبطبيعة الحال أدى الانفراد بسلطة الدولة الى مضاعفة تأثير عوامل التراجع الديموقراطي الاستناري مكتسباً درجاته القصوى وديناميكيته الكاملة: توسع نطاق الحرب في الجنوب متخذة طابعاً اهلياً انفصالياً في أكثر من منطقة، وانفلت التضخم تداعياً اقتصادياً مريعاً تدنى بمتوسط عمر الانسان السوداني الى 45 عاماً، بينما أغلق المجال السياسي الفكري تماماً بمزيج من القمع الناعم والخشن، وتم التديين الكلي للمنظومة التعليمية والاعلامية فتغلغل التدين السياسي والصوفي والسلفي في شرايين المجتمع.
وبعد هذا التشخيص يقول الصاوي ان اية خطة عمل تتوخى تقدماً مطرداً نحو الديمقراطية لا بد أن يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثة والاستنارة وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي، وذلك عبر هدفين محوريين مترابطين هما الإصلاح التعليمي والمجتمع المدني. بغير ذلك، كما تفعل بعض اوساط المعارضة التي تضع هدف إسقاط نظام المؤتمر الوطني السياسي شرطاً سابقاً للتقدم من أي نوع، ستبقى العوامل المؤدية للانهيار السريع للتجارب الديمقراطية ولاعادة انتاج الازمة العامة فاعلة بما يولد أنظمة اكثر شمولية. ويقول إن أهمية إصلاح المنظومة التعليمية مناهج ومؤسسات بديهية، باعتبار أن الميلاد الحقيقي لتيارات الاستنارة الدينية والفكرية والسياسية والادبية والفنية والاجتماعية ارتبط بتأسيس التعليم العصري ونشوء الشرائح الاجتماعية والسياسية الحديثة في القطاعات الاقتصادية الخدمية والزراعية والصناعية والادارية التي نشأت فيما بعد مستوعبة منتوجات التعليم من الكوادر والخبرات.
ويشدد الصاوي على أن الشروع في إعادة تأسيس هذه التيارات بمعنى فتح مسارب بعثها للحياة وعودتها التدريجية للانتعاش بوتائر متزايدة، ومعها تصاعد الوعي الديمقراطي كماً ونوعاً، لا يمكن تحقيقه الا عبر خطة عمل تعطي هذا الهدف الاولوية التي تتناسب واهميته. وينفي صحة القول باستحالة تحقيق اي اصلاح بوجود النظام الراهن لارتباط ذلك بتقدير واقعي لمجالات ومقدار الاصلاح الممكن، وبوجود دلائل على اتساع وتنوع دائرة الاوساط المهتمة بهذا الموضوع، فضلاً عن أن التثقيف والتوعية بالعلاقة بين اصلاح التعليم وحلحلة الأزمة العامة المستعصية هو في حد ذاته إنجاز للهدف باعتباره تقوية وتهيئة لأحد عوامل تحقيقه الرئيسة، مشيراً الى ان قيام خطة العمل المقترحة على تحييد هدفيها المحوريين سياسياً يعظم إمكانية التوافق حولها بين مختلف الفرقاء السودانيين. فهي تخاطب شرائح منتمية الى الحزب الحاكم يهمها أمر إصلاحه دون تغييره، وأخرى منتمية الى المعارضة التي «تأولل» «من أولوية» إسقاط النظام حرباً أو سلماً، يهمها أمر مرحلة ما بعد تحقيق هذا الهدف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.