تقع جنوبطوكر بولاية البحر الأحمر، وتبعد مسافة «205» كلم عن عاصمة الولاية بورتسودان، وفي تقسيم المحليات الأخير تم تسميتها «محلية عقيق»، وتشمل «47» قرية، ويبلغ عدد سكانها حوالي «151» ألف نسمة. وفي السابق كان سكان تلك المناطق يعتمدون على الزراعة والرعي كمصادر دخل رئيسية، إضافة لوجود الثروة الحيوانية والسمكية بكميات كبيرة، وانتعاش ميناء عقيق في تلك الفترة، وتختزن سهول وجبال وبحار المنطقة ثروات زراعية وحيوانية ونفطية ومعدنية وسمكية بكميات ضخمة يمكن ان تجعل منها مركز جذب اقتصادي. وبالرغم من ذلك نجدها الآن تعيش ظروفا اقتصادية قاهرة تنعدم فيها ابسط مقومات الحياة الاساسية «منطقة مجاعة». ورغم توقيع اتفاق شرق السودان في أكتوبر 2006م وما رد فيه من نصوص كثيرة عن تنمية وإعمار المناطق المتأثرة بالحرب، ورصد ميزانيات كبيرة وإقامة صندوق إعمار الشرق لهذا الغرض، إلا ان شيئا من هذا لم ينعكس على المنطقة وأهلها، بل ازداد الحال سوءاً بسبب موجات الجفاف المتعاقبة، ورفعت الحكومة يدها بالكامل عن إدارة الشؤون المدنية والتنموية للمنطقة. وظلت المنطقة بالإضافة للغياب الكامل للخدمات الصحية والتعليمية والمياه التي تعاني منها المنطقة، تعاني من التضاريس الوعرة والعزلة عن ولاية البحر الأحمر وغيرها من الولايات الاخرى في موسم فيضان خور بركة الذي يستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى وجود الألغام في مناطق مختلفة. وبتلخيص دقيق للاوضاع في المنطقة، يمكن القول إنها تعيش في أزمة تشمل كل مناحي الحياة الاقتصادية والادارية والسياسية، وتفتقد لكل مقومات الحياة، وأبرز مؤشرات تلك الازمة وأسبابها الغياب الكامل لمؤسسات الحكومة المدنية والخدمية. واقتصار وجودها على المؤسسات الضريبية والجمركية والاجهزة العسكرية. ومن ابرز أوجه المعاناة خور بركة وهو خور موسمي ينحدر من المرتفعات الاريترية ويحمل كميات كبيرة من اجود انواع الطمي لا تتم الاستفادة منها، وتذهب مياهه للبحر، ويتحول لمعطل لحركة البشر والبضائع طوال شهور الخريف. ويؤدي عزل المنطقة عن العالم الخارجي لارتفاع أسعار السلع والبضائع بمعدلات جنونية، ويلحق الضرر البالغ بالمرضى والمسافرين «خصوصا أن المحلية باكملها لا يوجد فيها طبيب واحد.. اما مشروع دلتا طوكر فهو مصدر الدخل الاساسي للمنطقة، وكانت طوكروجنوبها لفترة تاريخية طويلة من أغنى مناطق الولاية لوجود مشروع دلتا طوكر الزراعي على اراضيها، وهو المشروع الذي كان يصدر القطن منذ العهد التركي، ولكن في السنوات الاخيرة ادى انتشار اشجار المسكيت واهمال الحكومة له وعدم الاستفادة من مياه خور بركة، الى انهيار هذا المشروع. ومن أبرز الأضرار التي تسبب فيها المسكيت تغطية كل الاراضي الزراعية، وتسبب في تفشي امراض الصدر «الازمة والحساسيات الاخرى». وتسبب في تغطية ابار المياه وملوحة مياها، وتعتبر المنطقة الأكثر تضررا من الحرب التي دارت على اراضيها بين القوات الحكومية والمعارضة في الفترة بين عامي 1996 و2002م، حيث قتل وجرح الآلاف من سكانها، فيما نزح اكثر من «50» الفا من سكانها، ويقيم أغلبهم الآن نازحين في اطراف مدن بورتسودان وسواكن وطوكر. ودمرت البنيات الخدمية القليلة التي كانت موجودة. وتغطي الالغام معظم اجزاء المنطقة الى الآن، عطفا على نزوح السكان «النزوح الجماعي للاسر».. وعجز صندوق إعمار الشرق وصناديق المانحين عن تعويض المنطقة ومساعدتها في تنفيذ مشاريع التنمية والاستقرار واعادة النازحين الي مناطقهم. وتنتشر الألغام في جنوبطوكر وأصبح عدد الضحايا في تزايد، ويرجع ذلك لعدم وجود خرائط تحدد مناطق الالغام، وهي تشكل تحديا للتنمية، لأنها في الطرق الرئيسية وفي مناطق الزراعة والمياه والمرعى، وتحد من أعمال الإغاثة، وتحرم السكان من المساعدات الإنسانية. أما على صعيد الطرق التي تعتبر اساس البنية التحتية والتنموية، فتعاني المنطقة من انعدام البنية التحتية والطرق المعبدة ووعورة الطرق. وتستمر هذه المعاناة طيلة أيام السنة، وتحديدا في موسم الفيضانات، فهي تشكل تحديات اخرى تؤدي الى عزل المنطقة. وفي الأعداد القادمة سنتناول معاناة المواطنين مع مياه الشرب والصحة والتعليم والجوع إن شاء الله.