ثمة اشارات وحركات يقوم بها الصم والبكم هنا وهناك تتبعها ضحكات وابتسامات، علهم يهربون بها من واقع مختلف .. وتارة يعقبها تهكم او تجهم.. وما بين الدهشة والاستغراب ثمة وقفة لهذا الحال المتوالي لمعاناة الصم. تلك الشريحة الموجودة في المجتمع التي تتمتع بذكاء مطلق وبديهية مفرطة، مرهفة الاحساس الى حد كبير.. تتأثر بالأحداث التي تدور حولها ويترك هذا انطباعاً واضحاً بداخلها. ويتعرض اطفالنا من الصم والبكم الى اهمال كبير في دور تعليمهم، سواء أكان هذا الاهمال من الدولة لعدم توفيرها المناخ التعليمي المناسب، أو من جانب أولياء الامور في مراعاة المطلوب منهم في خلق جو نقي للتفاهم والود، حيث لا عزلة وحرمان.. مما يلقي ظلالاً سالبة عليهم، ويترك هذا الاثر ضغطاً نفسياً يكون الاكتئاب والانفصام واحدا من مخرجاته في نفوس هؤلاء الصم في بدايات حياتهم العمرية. معاهد الأمل خير مسرح لمعاناة هؤلاء بحكم تصديها لتعليمهم ورعايتهم تحت مظلة الجمعية القومية لرعاية الصم والبكم في السودان. وتعج بالويلات دون مغيث. مساحة ضيقة يركض فيها مئات الاطفال!! يصطدم بعضهم ببعض بصورة دراماتيكية!! فصول دراسية تشكو شيخوختها وعمرها الطويل!! أبواب وشبابيك في ذمة الله!! مراوح تحتاج هواءً كي تتحرك !! كهرباء ب«الشيرن»!! هذا جانب من جوانب الحال في تلك المعاهد التي أودت بدهشتنا الى ميلاد دمعة اجهضتها حسرة بالدواخل فبكينا بصمت الصم !! وما بين النزول والميلاد سبقت استغاثة مفادها.. اعينوا هؤلاء يرحمكم الله. ٭ الجمعية القومية السودانية لرعاية الصم والبكم ودورها تأسست هذه الجمعية منذ عام 1968م، وأدرجت رسمياً ضمن الرعاية الاجتماعية في عام1970م.. وقد كان من وراء تأسيسها الدكتور طه أحمد طلعت الاختصاصي بقسم الانف والاذن والحنجرة (E.N.T). واتضحت رؤى الجمعية الموضوعة لهذا العمل الإنساني الكبير تجاه تعليم ورعاية الصم «آفاق» لمستقبل واعد وزاهر لهؤلاء الفئة، وتقديم أفضل الجرعات التعليمية عبر مرحلة الاساس والثانوي بصورة نموذجية وأكثر علمية ومبتكرة حديثاً، لتمهد الطريق امامهم لمواكبة حياتهم اليومية المتجددة، كما أنها تبث فيهم الروح التي تساعدهم على خلق قدرة على النجاحات وبثها في مختلف المناحي، مع تبلور طموحاتهم وآمالهم العريضة. وشهد عام 1971م افتتاح أول معهد لتعليم الصم بالخرطوم «3»، ثم تلاه افتتاح معهد الأمل بام درمان حي الملازمين عام 1994م، ثم الخرطوم بحري. ومن اهم انجازات الجمعية انها قامت بانشاء اول مدرسة لتعليم الصم بالسودان، وهو معهد الامل لتعليم وتأهيل الصم في ولايات السودان المختلفة. هذا بجانب مدرستين ثانويتين في ولاية الخرطوم والبحر الاحمر. كما انشئ اول نادٍ رياضي للصم في سنة 1972م. معهد الأمل «3» بأم درمان: تقول الأستاذة سمية بابكر برقدار الحاصلة على درجة الماجستير عن جامعة الخرطوم في علم النفس التربوي في مفاد حديثها، ان المعهد يضم تسعة معلمين متعاونين وفراشة واحدة وليس لديهم خفير. ويحوي في مساحته الضيقة ما لا يقل عن «242» طالباً وطالبة في صفوفه من الاول وحتى الثامن. وقد طرقوا عشرات الابواب لتقديم المساعدة، إلا ان مساعيهم لم تجن سوى الوعود من المسؤولين، وتضيف انهم متخصصون في هذا العمل، حيث قالت: ان اليأس والملل لا يعرف طريقاً الينا، إلا أننا نصاب بإحباط شديد من تجاهل السلطات المعنية لهؤلاء الاطفال الصم.. وذهبت الاستاذة سمية في حديثها الى أن المشكلة الاكبر التي تواجههم هى أن كل الجهود تمثلت في تقديم الخدمة التعليمية الجيدة لشريحة الصم والبكم بمنح المعهد ثلاثة فصول لفترة مؤقتة تبدأ من الساعة الثانية ظهراً وحتى الخامسة مساءً بالمدرسة المتوسطة آنذاك بحي الملازمين، وكان وراء هذا الدور الإنساني الاستاذ/ خالد عمر الامام، ومن ثم جاء محمد عثمان حمزة مدير التعليم الذي منح المعهد الجزء الجنوبي من مدرسة ذات النطاقين الاساسية بالملازمين، وهى عبارة عن ثلاثة فصول. وعلى الرغم من أنها ضيقة ولا تلبي طموحات المعهد إلا أنها صارت أملاً تمسك المعهد به لعدم وجود البديل الناجع، وجميلاً نحفظه للأستاذ محمد عثمان. وقد شهد بداية العام الدراسي في شهر يونيو من عام 2011م زيارة معتمد أم درمان في بداية العام الدراسي آنذاك، ولم يكن المعهد من ضمن برنامجه، لكن مدير التعليم استغل مجيئه لمدرسة ذات النطاقين المجاورة لنا فطلب منه زيارتنا، وبالطبع وقف على حجم المعاناة الكبيرة للمعهد. وقال عن ضيق المساحة وعدد الطلاب الكبير مداعباً: «كل هؤلاء الطلاب مقعداهم في العلبة الصغيرة دي»!! فجاء ردنا بأننا نرجو عونكم !! ونأمل الا يدوم حال العلبة ومعاناة من فيها!! وأشارت سمية إلى أنهم يستغربون ويتعجبون من انضمام المعهد للوزارة، مع العلم انه لم يستجد شيء. وتواصل ان معلمي المعهد يستغربون من هذا الانضمام الذي لم يعقبه حتى الآن تلقي الخبر السار الذي حمله لهم الاستاذ حميدة وكيل وزارة التربية والتعليم عن تمكنهم من ضم المعهد الامل «3»، ضمن اولويات وبرامج وزارة التربية والتعليم.. إلا ان هذا الانضمام لم يشهد حدثاً جديداً يذكر في مسيرة المعهد، وبات التساؤل كبيراً عن شكل هذا الانضمام ومدى فوائده طالما أن المعاناة مازالت كما هى. كما أضافت أن بعضاً من أولياء الأمور باتوا يفقدون الأمل في أبنائهم، وقد لمسوا هذا الشيء من خلال تعاملهم الواضح وبحكم خبرتهم الطويلة في هذا المجال، وأن تعلق هؤلاء الأبناء بالمدرسة والبقاء بها لفترات طويلة حتى ما بعد الجرس النهائي لليوم الدراسي يؤكد حقيقة ذلك!! ويدل على إيجادهم روح التواصل والراحة النفسية بينهم وبين زملائهم، الشيء الذي كان من المفترض الا يحدث إلا نادراً بحيث أن طبيعة الطفل تجعله يهرع نحو المنزل بمجرد ان يحين وقت الجرس!! إلا ان هذا الانطباع نتج للقسوة التي يجدها الأصم في البيت، وهذا خطأ كبير نهت عنه أم ل «242» طفلاً.. ونادت بحميمية التواصل وزرع الود والحنان بين الاسرة وابنائها ذوي الاحتياجات الخاصة، ونبهت إلى أنهم نعمة من الله، وفي هذا امتحان كبير، وان الله يخص به من أحبه من عباده، ودعت الى ضرورة الصبر والمصابرة عليه. وتروي تفاصيل المعاناة التي تمخضت عن تقديم العون والمساعدات، واشادت بموقف ديوان الزكاة، واوضحت دوره الكبير في تقديم خدماته لشرائح المجتمع الفقيرة افرادا وجماعات مما جعل المطالب عليه اكبر، ومن هنا طالبت باستمرار يد الديوان لتقديم المساعدة لهؤلاء الاطفال عبر برامجه التعليمية المختلفة، وهم يحفظون بذلك جميل الديوان الذي تمثل في تقديم زي لطلاب المعهد بام درمان، ويأملون ألا تكون منحة عام 1994م آخر أيادي الديوان البيضاء نحوهم. كما لم تخف الدور الكبير الذي تقوم به الجمعية التطوعية العالمية I.V.W.G الذي تمثل في تقديم إجلاس للطلاب مع بعض الاثاثات المكتبية والمساهمة في بناء عدد من الفصول. وحصرت «برقدار» جملة مخاوفهم من الطريق السريع، حيث افادت ان هناك مقترحا كان من المحافظ وذلك بمنح المعهد قطعة أرض بمحلية امبدة.. إلا أن إدارة المعهد ترى ان هذا الموقع بعيد جداً عن المنطقة الحالية، بحيث يتطلب وجود ترحيل الذي يعتبر اكبر عقبة، ويتطلب مصروفات عالية.. هذا مع وجود طريق سريع امام الموقع الذي يشكل خطورة كبيرة على الأطفال.. ويتخوفون من ذلك كثيراً، وفي نفس الوقت فإنهم مطالبون بالنظر لايجاد حل لهذه الاشكاليات، وما بين ايجاد المكان المناسب وحل مشكلة الترحيل للطلاب. كانت الأرض قد نزعت!! ونادت أستاذة سمية بضرورة الاهتمام من قبل أولياء الأمور والحرص على لغة التواصل بينها وبين ابنائهم. ودعت الى عدم استشعار هؤلاء الصم بالدونية أو تمييز الباقين عليهم مهما كان، لأنه يترك احساساً سيئاً، ويقود لانطباع أسوأ، ونادت بحميمية الحب في التواصل بينهم. وأكدت ان المعهد خرج أبناء وهم الآن يعملون في مختلف ضروب الحياة، وهم على اتصال دائم بهم، وظلوا أوفياء ومخلصين تجاه المعهد والمعلمين، وهم يحاولون المساعدة ومد يد العون لبقية زملاؤهم الطلاب. فيما لم تختلف معاناة مركز الأمل بالخرطوم بحري كثيراً عما سبق ذكره، بحيث تتشابه المشكلات التي تمثلت أيضاً في وعود المعتمد السابق بايجاد مكان افضل من المقابل لطريق الجيلي السريع. وعلى ضوء هذا فإن الأستاذة سمية نقد بوصفها مديرة المركز أبدت تفاؤلاً بمعتمد بحري الحالي الذي وعد بقطعة ارض بكوبر تسع ابناءها ال «123» طالباً وطالبة. رياض وأساس وتجدر الإشارة إلى أن مركز الخرطوم بحري تديره الأستاذة زينب عامر التي تعد صاحبة الفضل فيه، وكانت وراء افتتاح المركز الذي تأسس في 1994م، وتم افتتاحه رسمياً في عام 1995م بالصافية. فيما نجد مديرة الدار للجمعية الكائنة بالخرطوم «2» الاستاذة نعمات محمد التي هللت كثيرا لزيارة وزيرة العمل لهم بمقر الجمعية، وذلك بقبول حضور الدعوة بمناسبة تعزيز حقوق الصم الكبار والصغار نساءً ورجالاً، من خلال أسبوع الأصم السوداني الثالث والعشرين .. وقالت إن زيارة الوزيرة تعتبر الاولى من نوعها، وذلك لتقديمهم الدعوات مراراً، الا ان الوزيرة كسرت توالي الصدود. وطالبت المديرة باهتمام الدولة بالشريحة المعنية متمثلاً ذلك في ايجاد فرص عمل للصم والبكم. ديوان الزكاة يعد بمواصلة الدعم: ومن جهته وعد الدكتور محمد يوسف الأمين العام لديوان الزكاة، بتقديم المساعدة عبر مراكزهم بالخرطوم، وعزا تكالب المطالب إلى الضغوط الكبيرة التي جعلت مهمة الديوان أكبر، ورأى انهم يسعون الى الذهاب نحو الفقراء.. رافضين مجيء الفقراء اليهم.. في سياسة ينوي الديوان اتباعها وهى اغناء الفقراء، وهذا حق يكفله الإسلام .. وهم حريصون على تحقيقه.. هذا بجانب ربط الديوان بشبكة قومية من شأنها أن تسهم في تقديم كافة المساعدات المهمة في البلاد بصورة يتسنى فيها تحقيق العدل في الاستفادة من خدمات الديوان، مستبعداً تكرار ما كان يحدث سابقاً من استفادة اشخاص بعينهم من دعم الديوان، وقال ان هذا واحد من مشروعاتنا التي نسعى لتحقيقها عبر هذه الشبكة وربطها بكل ولايات السودان المختلفة، وأكد الأمين العام العمل على حل ازمات الفقراء ان شاء الله. وزيرة العمل تعد بإيجاد فرص عمل للصم والبكم ومن جانبها أبدت وزيرة العمل بالدولة الاستاذة «آمنة ضرار» ارتياحها لزيارة الجمعية والوقوف على الاشكاليات، ووعدت بحتمية تذليل العقبات التي تعتري مستقبل الصم، كما اكدت ايجاد فرص عمل لهم من خلال النوافذ الموجودة المتاحة بالدولة، وأشارت أيضاً إلى إمكانية الاستفادة من المشروعات التنموية الجديدة لاستقرار الشباب. ورأت أن التدريب المهني من شأنه أيضاً أن يشكل معيناً لتقديم خدمة لتلك الفئة. المركز الدولي لقياس السمع يستجيب لمناشدة الصحافة استجاب المركز الدولي لقياس السمع المتطور، لمناشدة الصحافة بتقديم تخفيضات تصل الى 10% من ثمن السماعة التي تعد الاحدث في السودان حالياً، هذا بجانب تخفيض يصل الى50% لقياس السمع المتطور وفق اجهزة حديثة، حيث يوجد بالمركز قسم تشخيص السمع وقياس ضغط الأذن الوسطى وقياس السمع للاطفال بالكمبيوتر، وقياس سمع حديثي الولادة، بجانب برمجة وتركيب السماعات، كما وعد المهندس عمر محمد عثمان مدير المركز بالخرطوم بالنظر في الحالات التي لا تمكنها الظروف من القياس للسمع. وعلى ضوء هذا نزجي الشكر لأسرة المركز لتعاونها وخدمة الإنسانية، ونتمنى مزيداً من الدعومات ومد يد العون، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.