٭ ويوفي الصادقون صدقهم إذ من أحب القيم الاخلاقية لدى الخالق عز وجل قيمة الصدق. الصدق مع الذات والصدق مع الآخر وقبل ذلك الصدق مع خالقك الذي أوجدك لذلك. فصدق الملاك المتمرد (إبليس) مع خالقه هو الذي أمهله الى يوم يبعثون حين ركن إلى الممانعة في السجود أأسجد لمن خلقته من طين؟! وكان بإمكانه أن يحاور ويناور ويفتري على الله كذباً، وجلت قدرته كان باستطاعته أن يحرقه بنفس النار التي خلق منها. - والصدقية سنتعرض لها لاحقاً بوقائع معاشة على الأرض، بين سيدنا إبراهيم عليه السلام وحفيده سيدنا يعقوب عليه السلام. لكن هل نحن اليوم نعلي من قيمة الصدق في حياتنا؟ أم نحارب كل من يقول كلمة صدق بإعلائنا لقيمة الكذب حتى مماتنا؟. صحيح أن الغرب لا الشرق بكل أسف هو الذي يعلي من الصدق.. صدق حتى في العواطف والمشاعر والاحاسيس وهذا من ضمن ما ذكره أئمة الإسلام المستنيرين في أسباب تقدم الغرب وتخلف الشرق. - ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ومن لم يتعظ بنهاية الفرعون الأول فرعون موسى أو حتى يتعظ بنهاية الفرعون الأخير فرعون موالاة اسرائيل بالغاز وكذب الألغاز! فلن يتعظ ولن يعتبر يا أولي الالباب. لقد كانت العناية الإلهية أرحم مع فرعون مصر الأول المشرك بل الإله، إذ أغرقته في اليم وأخرجته ببدنه كجسد مجسد حتى اليوم ليكون عظة وعبرة لمن يعتبر. بينما الفرعون الأخير لم يشرك! ولكنه أفسد في الأرض وانتهج الكذب ليغطي به سوءته، وأحال أهل مصر إلى ما آلوا اليه! لذا لم تكن العناية الالهية به رحيمة، فروحه الدابة في جسده طوال أيام المحاكمة وهو يسحب كمومياء في تابوت فإنه يموت كل لحظة ألف موتة! ليكون عظة وعبرة لاحياء يظلمون ويفسدون ويكذبون ثم يدعون الإسلام! والغريب في الأمر كله تجد الواحد منهم يصلي ويصوم ويحج الى يت الله بكل خيلاء وبلا خجل أو حياء، بينما هو عند الله من الكاذبين. أين منهم دين يقول: اعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، لكنك تجد المستأجر على أمور البلاد والعباد، لا يجفف هذا العرق بلسانه، بل يتعدى العرق الى دمائه وإلى روحه أن استطاع إلى ذلك سبيلاً. فالأصل هو أن يكتفي بعرقه ولا يطمع في عرق أخيه. ٭ إذ ليس أحب إلى الله سبحانه وتعالى من العبد كالصدق وليس أبغض لديه سبحانه من الكذب! حتى من قبل الأنبياء، فما بالك بالدهماء!. لذا فقد كني المصطفى صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين، فلم يعهد عليه أبداً كذب حتى حين يمزح مع الصحابة والصحابيات!. وتهرول المرأة جزعة نحو زوجها مستفسرة! أجننت يا امرأة وهل هنالك عين بلا بياض. ٭ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وكأن إرادة الله الغالبة والغلابة قضت أن تعيد فينا مرة أخرى معاناة أو مأساة النبي يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام، ان تعيد فينا معاناة يعقوب لأننا قد أفشينا فينا الكذب كقيمة سائدة!! كيف؟ أقول لك: - النبي يعقوب رزق بعشرة أبناء ذكور، كل ابنين من أم، بالاضافة الى يوسف وبنيامين من أم أخرى. لقد رأى يوسف في منامه أحد عشر كوكبا (اخوته) والشمس والقمر (أبيه وأمه) رأى كل هؤلاء له ساجدين، وحين حكى الرؤيا لأبيه نصحه بألا يحكيها لاخوته حتى لا يكيدون له كيداً! وهنا خطأ النبي يعقوب أن فرق ما بين فلذات كبده! فالكذب مجلبة للكيد الذي ضمر بأن يوسف وأخاه أحب الى أبينا منا ونحن عصبة! بمعنى ألا يفرق الأب ما بين أبنائه وان كثروا، كما ان للحاكم بألا يفرق ما بين المواطنين وان جسروا. ٭ هنا يجدر بنا أن نتعرض للفرق الجوهري في الشفافية والمكاشفة ما بين يعقوب وجده أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم، فإبراهيم رأى أن يذبح ابنه اسماعيل تقرباً لله، وقد صدق الرؤيا في منامه وقام من نومه من فوره وأخبر ابنه اسماعيل بأنه ذابحه! وانصاع الإبن لإرادة أبيه قائلاً: يا أبي افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين. لذا كافأ سبحانه وتعالى (الصدق) بذبح عظيم. ٭ بعكس الأمر مع سيدنا يعقوب الذي قال: يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك! لذا ظل أربعين عاماً في المعاناة بالحرمان من ابنه الحبيب يوسف إلى أن أبيضت عيناه بالدمع الهتون، إلى أن غفر يوسف بمصر عن اخوته بما فعلوه معه في كنعان وأعطاهم قميص النبوة الموروث عن إبراهيم لكي يرجعوا به إلى (كنعان) وكأنها بالشبه السودان! ليرتد اليه بصره! وبعد جهد جهيد غفر يعقوب ذنب أبنائه بمن فيهم (يهوذا) الأكثر تشدداً في الجرم بحق أخيه! ليغفر لهم من ثم الله. ٭ لذا فما أشبه الليلة بالبارحة ونحن نرى هؤلاء وقد أقبل بعضهم على بعض يتلاومون ومع ذلك حاشا لله لن نقول فيهم سحقاً لأصحاب السعير! لسبب بسيط هو فرجة الأمل في الاستتابة (الصادقة) والندم على التجربة الحارقة، لعل الله بعد رضا الشعب أن يتوب عليهم القائل: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله».