٭ ليس للإنسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى. اذ ليس بعد هذا الحديث القدسي المقدس من لدنه سبحانه وتعالى، ان يبحث الانسان عن هاد او مرشد آخر في حياته قبل مماته. وليس في هذا العصر الذي يكاد فيه الانسان ان يشارف على الخسر!! الا ويجد ما يثلج القلب ويروح الفؤاد بكل حب، كالبيان الذي تفضلت به الأمانة العامة لهيئة علماء السودان، والذي تشرفت بنشره هذه الصحيفة الرزينة بتاريخ 2012/6/29م، العدد «6797». ولقد تصدر متن البيان قوله تعالى: «هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين» صدق الله العظيم آل عمران «138» وليس أصدق من الحواش للمتن كقوله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله تعالى ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم». كما استشهد البيان بحكم القرآن: «ظهر الفساد في البر والبر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون الروم 41»، إذ عكس البيان أن «الظروف الصعبة» التي تمر بها بلادنا! لم تآتِ فجأة؟! وانما جاءت نتيجة عوامل عديدة المسؤولية فيها تقع على الجميع! فتأتي في المقدمة مسؤولية الرعاة ! كما هو معلوم في الحديث المشهور «وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».. لكن ألا تتفق معي «الأمانة» بأن الحديث الشريف قد ركز المسؤولية أساساً على «الراعي او الرعاة» وليس الجميع، كالمسؤولية التي تحملها بن الخطاب على كاهله. بدليل ان هنالك بعض «الرعاة» الحريصين من المسلمين حديثا والذين حكموا وفقا لروح هدي الدين قد جنبوا دولهم الكثير من الوقوف على صراط حد السكين. واحترامنا لهيئة علماء الدين لا يتطرق اليه ادنى شك وهم يشخصون الازمة في: /1 ارجعوا تعقيد الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بلادنا، الى عدم المجاهدة الكاملة في بسط احكام القرآن الكريم والسنة المطهرة في واقع الحياة، في الجوانب المُشار اليها اعلاه، تقنيناً وانفاذاً وتوجيهاً. كما قال تعالى: لرسوله صلى الله عليه وسلم «ثم جعلناك على شريعة من الأمر، فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون» «الجاثية 18». ولكن يا سادة لو كنا من الذين يعلمون، اكنا من اصحاب السعير؟ /2 عدم التدقيق في من يولي الوظيفة العامة، ولا سيما بعد توسع هيكل الدولة. مما اوجد جيشا ممن تولوا الوظيفة القيادية العامة، وهم دون شرط القوة والامانة المقررة قرآنيا، ثم عدم التقيد بالتوجيه النبوي: «إنا لا نولي هذا الأمر لمن يطلبه»! هذا الجيش من القادة شكل عبئا ماليا على الدولة... باعتراف الجميع! كما عجز الكثيرون منهم عن اداء الامانة التي يتطلبها الموقف! ونطمع في ان يفي السيد الرئيس بوعده بتقليص هيكل الدولة المتمدد!! هكذا طالبوا.. ٭ السادة الموقرون أعضاء الهيئة: لعل البعض عايش فترة حكم المستعمر «الكافر»! ولم تكن هناك يومها سلع استراتيجية واخرى غير!! وكان حاكم كل المديرية الشمالية بعاصمته بالدامر، وتنتظم الادارة الهرمية في كل شيء ! وكان يوم زيارته لمركز مروي كأنه يوم عيد ! وكنا ونحن صغار نعايش «التنافس» الشريف ما بين « شركة شل» وشركة «موبيل أويل فاكوم» تنافساً حميداً في توصيل كل المحروقات من جاز وبنزين وجازولين وزيت وغيره من شحوم، الى كل مستهلك ولو كان باقاصي حلفا القديمة وبنفس سعر الخرطوم؟! مركز الادارة العموم ! كيف؟ لأن كل ذي حق يلزم حدود حقه وبلا طمع في حق آخر. أليست تلك هي روح تعاليم ديننا الحنيف؟ وقد اضحينا اليوم لا نعرف حتى حدود حقنا! فما بالكم بمعرفة حدود حق الآخرين! وتلك حدود الله لا تتعدوها ومن يتعداها فقد ظلم نفسه. /3 العامل المهم الذي تطرق اليه علماء السودان الاجلاء، هو الفساد! وقد ذكروا بالسلف الذين يأخذون في هذه القضية بالشبهات!! كأخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اذ يقاسم الولاة والعمال شطر دخلهم الذي كسبوه اثناء تقلد الوظيفة العامة. وبالطبع القسمة لا تصب في منفعته وانما مصبها بيت المال الخاص بكل المسلمين!! وليس ادل على ذلك من مصادرته لقطيع ابنه عبد الله بن عمر الذي سعاه ابان ولايته ! درءا لشبهة الاستفادة من ولاية ابيه! فباع القطيع واعطى ابنه فقط رأس ماله..! وصب الباقي في بيت مال المسلمين. اليس هذا هو الإسلام الحنيف؟ فهل يا ترى نحن اليوم مسلمون؟! وهل نلتزم بحدود الدين؟ أم حتى حدود الشيطان اجتزناها عدوا نحو قرار مكين. /4 ومن اهم العوامل التي تناولها علماء السودان تضييق دائرة الشورى في «الأمور المهمة» التي تعم بها البلوى! ولا يخفى على علماء السودان أن اهم ركن للشورى هي الحرية ! حريتي ان اقول بما ارى، كما هي حريك في أن تسمع وترد بما ترى !! كي نتفق وليساعدنا الله بما يرى. لكن ان ارد عليك بالكتم، ليته ان لم يكن بدءا بسوء ختم.. اذ ما يفرق ما بين العبد والحر هو حرية الكلمة.. حرية حرص عليها العبقري السياسي الاول والاخير، رسول مرسل صلى الله عليه وسلم لكل مستجير، وانتهجها من بعده خلفاؤه الراشدون كملمس الحرير، مروراً بالعبد عنترا الذي قال: العبد لا يحسن الا الحلب والصر لا الحرب والكر!! فكان رد من نزع حريته: كر وفر فأنت حر!! فهل نحن اليوم بحكم الاسلام احرار؟ في ما نقول دونما خشية أنصاب وأزلام؟! /5 اشار البيان بواضح الاعلان إلى تضارب التصريحات، واضطراب السياسات بما يربك الساحة ويضعف هيبة الدولة... الخ. ٭ سادتي: في مقال سابق بهذه الصحيفة الغراء، ابنت فيه ان ابغض صفات الانسان لدى خالقه المنان هو الكذب! الكذب على نفسك او الكذب على الآخر المفضي بالضرورة الى الكذب على من اوجدك سبحانه، بينما احب صفات الانسان التي فطر عليها الخالق الصدق .. ولقد ضربت امثلة على ذلك من السماء واخرى على ارض الواقع والنماء. ٭ كصدق ابليس الملعون مع خالقه حين سأله وهو العليم بذات الصدور، عن مخالفته للسجود لآدم ! فلم يحاور او يداور او يفتري على الله كذباً حين قال: أأسجد لمن خلقته من طين؟! وكان صدقه هذا سبب صرفه ليوم يبعثون. وفي الارض حيث الواقع المسنون ! حيث يوفى الصادقون بصدقهم، يوم استيقظ سيدنا ابراهيم من نومه ليقول لفلذة كبده يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك، ويرد الابن بحق الابوة قائلا: افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. وكان حقاً على خالقهما أن يوفي الصدق بصدقه حين فدى اسماعيل بذبح عظيم. وذلك بعكس الأمر مع حفيد ابراهيم يعقوب ابن اسحاق حين رأى ابنه يوسف في المنام احد عشر كوكبا «إخوته» والشمس والقمر «ابوه وامه» رأى كل هؤلاء له ساجدين! وسارع يعقوب بالكتمان! يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً. لذا كان جزاؤه في تلك الفانية أن حرم من فلذة كبده يوسف أربعين عاماً من الحسرة حتى ابيضت عيناه من الدمع وهو كظيم. الى ان ارسل يوسف بقميص جده ابراهيم الى «كنعان» وكأنها السودان! ليرتد يعقوب بصيراً.. والسؤال هنا حين يفرض نفسه ! هل حقا نحن صادقون مع انفسنا ومع الآخر؟!! ومن ثم مع الله! ألم يقل قائلنا: اذهب جليساً وسأمضي أنا حبيساً؟ أليس بكذبه أنبتت غابة من أشجار الكذب؟! ٭ وجزى الله «الأمانة» عنا خير الجزاء حين ناصحت اهل الحكم بالمعالجات والتي منها: أ في مجال التصريحات المشار اليها اعلاه، لا بد من الاعلام ضبطاً قوياً، حتى لا يفتعل تصريحات او يروج للشائعات! وان كان هذا قبيحا في الاعلام الخاص! فهو اشد قبحاً في الاعلام الذي تموله الدولة! وتساعد في تمويله صحافة كانت او قنوات؟!! فكيف لإعلام تموله او تساعده الدولة ان كان صحافة او قنوات ان يصدقها القول كرا وفرا ان لم تتحرر كتحرر عنترا ليعف عما كان يمارسه إن كان حلباً او صراً؟! ب بسط الخدمات الحيوية في الصحة والتعليم، ومقاومة ضغوط سياسات البنك الدولي وصندوق النقد في خصخصة هذه الخدمات، حتى لا يحصد المواطنون السراب، ويحصد المستثمرون الذهب.. هكذا طالبوا في بيانهم. ٭ سادتي الكرام: ألا يكفي أن النظام قد بسط الخدمات الحيوية الكافية لبقائه واستمراره بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة؟! ما لكم كيف تحكمون! ج من المعالجات ايضا رفع الحد الادنى للاجور ليوائم غول الغلاء.. و... و لأن المال مال الله تعالى: «وارزقوهم فيها وأكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً» «النساء 5». كلام جميل، كلام معقول، ما أقدرش أأول حاجة عنو! لكن منين يا فرج! وأولاد بمبة غنو... د حتى لا يكون المنصب الدستوري مغنما يتصارع عليه الطامعون ! ومع اتفاق الجميع على تقليص هيكل الحكومة الذي جاء نتيجة للمجاملات والمصانعات... لا ينبغي أن تستمر هذه السياسة. ٭ يا سادة: في علم الادارة الحديثة المنصب هو الذي يحدد من يشغله، لا الشغيل هو الذي يحدد منصبه!! ومن يشغل منصب ما «يجود» بالتنافس ما بين كل ابناء الوطن المؤهلين لذلك ! وعبر هذا الباب فقط يدلف القوي الامين الذي يخدمك ويخدمني بغض النظر عن معتقده الخاص به! وإن لم يوجد بالداخل فلا استنكاف أن نجلبه من الخارج. ه الربا! يؤمن الجميع بأن الربا جريمة يحارب الله تعالى متعاطيها، فرداً كان او جماعة او دولة! سادتي: ليتنا نقف وندرس دراسة وافية ربا الجاهلية الذي كان يمارس باحتكار اليهود قبل الاسلام.. والذي كان سائدا في كل الجزيرة العربية لا سيما تجارة السلاح التي روجوا لها بالعداوة والبغضاء ما بين القبائل لرواج تلك السلعة. إذ كانت القبيلة المجروحة في كبريائها من قبل قبيلة اخرى تقول: إذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابرة ساجدينا! او تلك التي تقول: ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدراً وطيناً لذا جلب السلاح بمثابة حياة إو موت بالنسبة لها! والسلاح محتكر لدى التاجر اليهودي، والتمويل محتكر ايضا لدى المرابي اليهودي! ذلك الذي يعطي الالف دينار لارجاعها بثلاثة اضعافها او تزيد!! والى حين ميسرة لممن يريد! وتفرح القبيلة! لكن فقط شرط الضمان! وما هو؟ اخذ حوش النخيل او حدائق الرمان! وان تظل بالحيازة الي حين ارجاع القرض!! وبالطبع ريع الجنان السنوي لا يقل عن قيمة القرض! وبانتهاء الميسرة والعجز تدلل الجنان. وجاء الاسلام الحنيف وحرم هذا الربا والانصاب والازلام، لأنه استغلال إنسان لجهد إنسان آخر.. ٭ لذا من باب السخرية حين لاقى اليهودي الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: كيف تنهانا يا بن عبد الله عما الله فاعله؟! ألم يقل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها؟!! فضعف الطالب ومثله، وتركه المصطفى صلى الله عليه وسلم ليتميز من الغيظ وانصرف عنه. و اما نقد «الأمانة» عن مظهر الدولة ومخبرها وحركة الاسواق والشارع العام واغنياء الحروب وخلق الازمات حيث لا رقابة ادارية ولا حكومة محلية! اللهم الا الجبايات والمكوس المحرمة شرعاً! عمر هذا العهد الانقاذي قريب من ربع قرن ولا زال مظهر اسواقنا كما كان من قبل او دون ذلك ؟!! هكذا يقولون هم لا نحن! لكن ان جاز لنا التعليق، نخشى الا يصل للقراء الكرام كما وصل بيان العلماء بضل الطريق.. ٭ وفي ختام البيان: فقد اسندوا امر ضبط الدولة إلى مسؤولية الرئيس المباشرة، وذلك من خلال: /1 ضبط الايرادات وجعلها داخل ماعون الدولة، وتأكيد ولاية وزارة المالية عليها. /2 محاربة ما يسمى التجنيب للايرادات بأي عذر. /3 تقديم المتهمين بالفساد والتحقيق ثم المحاكمة الفورية، حتى يتبين المفسد من البريء. الكثير ممن يعتقد أن سرقة المال العام مجلبة للفساد! لكن الفساد سابق على السرقة!! لأنه مضغة بالنفس المريضة لم تروض من قبل الاسرة والمجتمع بالقيم الوطنية المطهمة بالتعاليم الدينية لتكون له وجاء، إن لم يتم العلاج، وتلك الاولوية بمصداق قول الحق عز وجل «قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين» صدق الله العظيم «73 يوسف». اي بمعنى أن الفساد سابق على السرقة! والذي بغير فساد لا يقوى على السرقة!! ٭ وفي الختام: نحمد الله كثيراً ونثني على فضله أن قيض لمصرنا العزيزة التي احتضنت سيدنا يوسف حين جار عليه إخوته...! ليفرج الله كربته كنبي آمن برسالته أمنومحتب الثالث ومن بعده أمنو محتب الرابع الذي تنازل عن كرسي الالوهية الى كرسي الملك وكفر بآلهة آمون!.. وسمى نفسه إخناتون الموحد بالله وحده.. وأن هيأ «لإخوان» الرئيس مرسي من أمرهم رشداً ليساوي في دولة «المواطنة» ما بين المسلمين والمسيحيين! كما أعلوا من شأن «وثيقة» الازهر الشريف «الوسطية»، كما حض على ذلك رسول البرية صلى الله عليه وسلم. وسطية افتى بها شيخ الازهر السابق الشيخ طنطاوي بأن الفائدة البسيطة التي لا تعدو ال 5% ما هي من الربا في شيء!! وإنما هي وقف لحفظ مالك وللعاملين على هذا الحفظ! ولذا أكرمه الله حين ساقه وقبض روحه على سلم الطائرة العائدة كي يدفن في البقيع مع الشهداء وحسن أولئك رفيقاً.