الشاعر محمد الحسن سالم حميد عرفناه ونحن طلاب بالمدارس المتوسطة بقصيدته «وريني شن طعم الدروس». وكنا نجد السلوى في كلماته لما نعانيه من عنت ومجاهدة في التحصيل والصبر عليه، لضيق الفرص المتاحة وقتها وما يترتب على ذلك من خوف على المستقبل: ما أظني من جور الزمان أنجح وأجيب ليكم نمر وريني شن طعم الدروس ما دام مكانا مشي قطر الى أن يقول: في الحصة عقلي أنا قام سدر يمة المدرس لو فكر كان يلقي قاعد فوق ككر في الدوكة لسع ما فطر يسمع كليمات يا عشاي وأغلى الحكم عند الضجر أنظر كيف تتولد المعاني بلغة سلسة ذات مضامين تلمس شراشف القلب مباشرة، هذه الخصوصية والوداعة لا تغيب عنك بل تحيطك، وأنت تقرأ لحميد يغمرك إحساس بالجمال والبساطة.. وسمعته يقول للمذيعة في آخر لقاء معه بالتلفزيون: «الشعر ده نعمة علينا أن نحفظها».. أعجبت من ذلك.. كلام يصدر من قلب عامر بالايمان، في إجاد ة تامة تخرج نصوصه، فالصورة البلاغية جميلة وسهلة ولا تجهد المتلقي، وتخلق عنده حالة من الدهشة والإمتاع، وحتى الرمزية التي مال اليها حميد في نصوصة الاخيرة تحتوي على مضامين سهلة الادراك محببة يغرقها في لغته الخاصة، ثم يبعث بها اليك فتحس بأنها رسالة خاصة لك. والحمام عند الشاعر حميد رمز له ابعاده الفنية والجمالية، وقد استخدمه الشاعر في نصوص شعرية متعددة، كما هو الحال في الشعر العربي حيث يبثه الشعراء خلجات أنفسهم ويرسلونه في الفضاءات البعيدة برمزه ومباشرته. يقول عبد الله بن الدمينة في ما ينسب له: ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجد رعى الله من نجد أناساً أحبهم فلو نقضوا عهدي حفظت لهم ودي سقى الله نجداً والمقيم بأرضها سحاباً غواد خاليات من الرعد إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى على غصن بان أو غصون من الرند بكيت كما يبكي الوليد ولم أكن جليداً وأبديت الذي لم أكن أبدي وحميد كما ذكرنا تجده في كثير من شعره يستدعي الحمام: سوقني معاك يا حمام سوقني محل ما الحبيبة قريبة تراعي الغرام غريبة الأشواق حبيبة إلى أن يقول: تعالوا نحانن بعضنا نخل قلبو على التُمام نبضنا يشهل أرضنا وأرضنا تجِم العضام وفي الأغاني التراثية اليمنية كذلك نجد: يا طير الأخضر شلني إلى عدن شوفني من الهجران محزون روحي وفكري والفؤاد اعتقل والغريب أن هذه الاغنية من التراث اليمني يطلب الشاعر فيها من طير الاخضر أن يحمله الى عدن ويطلب منه أن ينظر لحالة ليرق قلبه لما أصابه من ضعف لفراق المحبوب تتوافق مع أغنية الطير الخداري للشاعر الحلنقي، وقد يكون الرمز في استخدام هذا الطائر لرقته ونضارة ألوانه وتآلفه مع المجتمع، والأصح أن نقول ليس من الغريب أن نجد مثل هذه الروابط بين البلدان لما للثقافة الواحدة من أثر: يا طير يا ماشي لي أهلنا أسرع وصل رسائلنا والشوق ما تنسي يا طاير لكل البسألك عنا أو كما قال أبو الحسن النوري: رب ورقاء هتوف في الضحى ذات شجو صدحت في فنن ذكرت إلفاً ودهراً صالحاً فبكت حزناً وهاجت حزني فبكائي ربما أرقها وبكاها ربما أرقني ولقد تشكو فما أفهمها ولقد أشكو فما تفهمني غير أني بالجوى أعرفها وهي أيضاً بالجوى تعرفني أتراها بالبكاء مولعة أم سقاها البين ما جرعني وكل يرمز ويبكي على ليلاه بطريقته، فالشاعر حميد مثلهم تعلق بالحمام في رسائله طالباً منه أن يأخذه إلى عالمه الذي يراه بكل تداخلاته.. عالم مليء بالجمال والخير تكاد تحسه تارة، بل وتعيشه فهو منك وإليك.. ورحمك الله حميد.