أذنت لنفسى أن تبتعد ( ولو قليلاً ) عن الكتابة ووجع الدماغ فى لب هذه العواصف الهوجاء التى ضربت أرجاء السياسة والإقتصاد معاً كوجهين لعملة واحدة كل يؤثر ويتأثر بالآخر ليكون الحصاد المر نتاج هذا التفاعل الذى ضاعفه ارتفاع درجات حرارة الصيف وندرة المياه وما إليها من تواتر الأحداث يمنة ويسرى فى لجة الأزمة الطاحنة التى أطلت بكامل جسدها شاهداً ودليلاً على إبحارنا عكس التيار وعدم إصغائنا لكل التجارب الماثلة والذى مضى منها حتى دخولنا مرحلة اللا وعى فى رؤية الأشياء كما تبدو إلا من توهم ظل يحكم الخطى فى تسارعها ممسكة برقاب بعضها ثم ماذا ؟ . فى العام 2008 عندما أرسلت الأزمة الاقتصادية خيوط نذرها العالمية لم نقل إلا أن اقتصادنا مُحصن من كل الجوائح التى أتت بها وكان تبرير ذلك أننا بعيدون كل البعد عن منظومة الإقتصادات العالمية التى ستغشاها رياح الأزمة وتعصف بها وهذا فى ذاته خطأ لم نتدبره بذات العمق الذى وصلنا إليه لاحقاً عندما تراكمت العوامل المؤثرة فى حركة الإقتصاد وقادت الى ما نحن فيه من عجز فى الموازنة وضعف الايرادات مقابل الصرف الذى خلف العجز الداخلى والخارجى فى الميزان التجارى، ولم يشفع لنا انتماؤنا للكتلة الشرقية فى مداراتها لهذا الأمر حتى نتمكن من الوقوف والسير فى طريق الإصلاحات الممكنة وغير الممكنة على هدى تمسكنا بالوجهة الآحادية ، خطر نجده فى كل النظريات الإقتصادية وفلسفة الإنتاج التى تهدف اولاً الى التنويع والتكثيف تفادياً لثورات الطبيعة وإمساكها فى جانب ليكون البديل حاضراً لسد الفجوة وعملية الإحلال حتى لا يهتز الهيكل ويفقد توازنه فى لحظة واحدة يكون الأمر قد خرج عن السيطرة إلا بمعالجات قد تقسو فى كثير الأحيان على من هم هدف لها أى جمهور المستهلكين الذين يتحملون تبعات كل ذلك حتى لو غدت الأولويات معياراً للصرف على بنود دون سواها، فإن الأمر لا يعدو ان يكون خفضاً لدخولهم بذات نسب الزيادات التى تطرأ على أسعار السلع والخدمات الضرورية واللازمة لإشباع حاجاتهم منها . قد كانت النصيحة من صندوق النقد الدولى ( IMF) بسحب الدعم عن السلع كأمر من البداهة فى ظل تحرير الاقتصاد والإلتزام بضوابطه التى تواضع العالم عليها وكان يمكن ان يتم ذلك بالتدرج للوصول الى نقطة اللاعودة لهذه الدعومات وترويض المواطن على جرعات قليلة لا يحس بها حتى تصل الأمور الى منتهاها بشئ من المعقولية فى حق هذه المعالجات بالبطء الذى لا يفرض استفهاماً لكل هذا الانتظار حتى تُطبق الأمور بعضها بعضاً وتبدو الصورة كارثية فى نظر الكثيرين ويلتمس لها العذر آخرون وهى عادة أراء تتباين بحسب مصلحة كل فرد وتقديره للأشياء من زوايا أصلاً مختلفة تتسع كل واحدة دون ان تسع أخريات. ويبقى من بعد ذلك السؤال المفتاحى لماذا كل هذه الحزمة وفى هذا التوقيت تحديداً ؟ ولطالما أنها حزمة فهى ترمى الى تراكم الفعل حتى وصلت الأمور الى هذا التشعب الذى قاد لحزم كافة الحلول فى وعاء ربما يضيق بها ولكنها أصبحت بالضرورة لازمة أوجدتها أفرازات الفعل المتراكم وأصبح دورها فى العلاج حتمياً غير أنها لا تخلو من الإفرازات والأثر الباقى على شرائح ربما كانت المفاجأة قد ألجمتها، لان سبل الكسب عندها محسوبة وأوجه الصرف معروفة ولا تدرك من أمر التضخم وتحريك سعر الصرف والسوق الموازي وغيرها من المصطلحات إلا هذه الحفنة من الجنيهات يتم بعثرتها على بنود محدودة نهاية كل شهر، لا يهم إن كانت كافية أم غير ذلك ولكن تدبير الامر عند كريم مقتدر خلافاً لحسابات الموازنة العامة التى تأخذ بكل هذه المفردات وغيرها كمعيار للعجز والإصلاح . قليل من كان ينادى بتخصيص موارد النفط لتقوية البنية التحتية التى تشمل أبرزها عناصر الجذب للإستثمارات الخارجية خاصة فى مجالات الانتاج الزراعى بشقيه النباتى والحيوانى والصناعات التحويلية بحسبانها ضرورة لتحقيق قيمة مضافة لهذه المنتجات وتهيئتها للصادر بديلاً من الخام الذى ظل ردحاً من الوقت سيداً لصادراتنا بكل ما تحمل من عدم المرونة السعرية فيها وليس أدلَّ على ذلك من النقص فى زيوت الطعام التى ظلت الفجوة مرحلة من عام لآخر بجانب القمح والسكر والأدوية وهى المرتكزات التى أنبنى عليها البرنامج الثلاثى بالإكتفاء الذاتى منها فى دائرة إحلال الواردات فيما عمد الى تشجيع الصادرات من الثروة الحيوانية والصمغ العربى والقطن والذهب أى أن محور الارتكاز لهذا البرنامج بشقيه بإستثناء الذهب يقوم على ركائز القطاع الزراعى بشقيه فيما ظلت انتاجية هذا القطاع لا تكفى الحاجة منها داخلياً لأسباب على إطلاقها صعوبة تمويل هذا القطاع وعدم استقرار السياسات الموجهة له ، بجانب انفصامه عن الصناعة لمخرجاته وأصدق دليل على ذلك مصانع النسيج العملاقة التى تحولت أماكن عرض للإلكترونيات وورش لإصلاحها بديلاً لسلعة نملك فيها ميزات مطلقة وليست نسبية كما فى بعض دول منتجة لها ومازال الجدل يحتدم حول إجازة الأصناف المحورة وراثياً لزراعتها بديلاً لما تعارف عليه المزارعون فى السابق وكل هذه الضجة بسبب ديدان اللوز التى تعثرت مكافحتها دون النظر الى البدائل من تقانات حيوية جربتها دول غيرنا كجمهورية مصر التى اعتمدت المكافحة الحيوية بديلاً للمبيدات ولم تقم بالتحوير الوراثى منهجاً للإحلال ولم تتضح بعد نتائجه وآثاره على البيئة والكائنات الحية من بينها الإنسان. إن فقدان بوصلة التخطيط السليم وايجاد البرامج التنفيذية الناجعة مع استحداث الآليات بالكفاءة المطلوبة للمتابعة والرصد والتقييم وغياب المعلومة الإحصائية ونفاذ بصيرتنا لقراءة المستقبل بعيون مفتوحة أدخلنا هذا النفق الذى بدأنا نعى معه صعوبة الأشياء والسير فى طريق لا ندرك معالمه إلا من خلال التجريب والخطأ وهذه نظرية عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة الا فى وقتها مع التطور الذى شمل كل جوانب المعرفة فأصبح التنبؤ بمآلات الأمور من الطبيعى والمألوف حدوثه ولو بنسبة إنحراف لا تؤثر كثيراً فى جوهر الحقيقة . بعض الخبراء أفصحوا عن أن الحزمة لن تعالج إلا80 % من جملة الإستهداف منها كما جاء على لسان السيد/ عبد الرحيم حمدى وبشرنا بأن المزيد قادم فى الطريق ولو بعد حين فماذا تبقى حتى نعول عليه غير الذى طالته يد المالية من ضريبة التنمية والقيمة المضافة وأرباح اعمال المصارف والاتصالات والمحروقات التى تطال كل شاردة وواردة والدولار الجمركى الذى قفز الى السعر 4,4 جنيهاً فيما إعلان بنك السودان بإضافة حوافز لحصيلة الصادرات وتحويلات المغتربين كعنصر جذب لهذه الموارد والسوق الموازى يدرس كل ذلك الى قمة الجاذبية فى استقطابه للعملات الصعبة خارج النظام المصرفى طالما أن الصرافات لا تحصل على موارد من البنك المركزى لأغراض السفر والعلاج والدراسة فيما ترك لها أمر تحويلات العمالة الأجنبية بالسعر الحر وهذه واحدة من الثغرات التى ستلجأ اليها الصرافات فى مواكبة السوق الموازى ليصبح أكثر سواداً من ذى قبل . بينما رفع سعر الضريبة للمصارف سيزيد من كلفة التمويل الى الضعف ويصبح عسيراً على القطاعات الانتاجية التى إبتليت بهذه الزيادة هى الأخرى فى محك مع تكلفة انتاجها وفرص تسويق منتجاتها مع القادم اليها من بلدان تملك سعراً موحداً للعملات الصعبة رغماً عن الأثر الممتد لهذه الإجراءات فى تقليل الواردات ولو نسبياً كجزء اقلال الطلب على الدولار، ولكن تبقى فرص جذب الاستثمارات الخارجية ضعيفة وهو أمر نحتاجه أكثر من أى وقت مضى لسد هذه الفجوة فى سلع البرنامج الثلاثى من الحبوب الزيتية والقمح والأدوية والسكر وخلق وفورات للصادر لاستدرار العملات الصعبة ولهذا كنا نتوقع أن تفرز السياسات المالية والنقدية حيزاً لهذا الجانب لما له من الأهمية البالغة فى هيكل الاقتصاد على المدى القريب كجزء من الحل يمكن ان يعبر بالبلاد الى مواقع آمنة فى جانب الفقر والبطالة وأخطرها تلك المقنعة التى تزخر بها الوزارات والمؤسسات الحكومية والتى شكلت نوعاً من الدعم يفوق المحروقات ولم تتجه الرؤية لمعالجتها فى إطار ما اعلنته الحزمة من تقليص واذا ما بقى الحال على ما هو عليه حتى بعد الدمج والإلغاء فإن الأمور ستزيد تعقيداً عما كانت عليه . الاتجاه نحو الخدمة المدنية التى ترهلت بشكل قلل من كفاءة الأداء وقاد الى البطء فى اتخاذ القرار بالسرعة والدقة المطلوبين أصبح واحدة من الهواجس المؤثرة فى تشكيل صيغ المعاملات اليومية، وحولت كثيراً من هذه المؤسسات الى إعاشية أكثر منها خدمية ولذا فإن الإلتفات اليها كواحدة من مثبطات النمو ضرورة لا فكاك منها وإلا .......!