أعلن وزير العدل محمد بشارة دوسة أمام البرلمان الأثنين الماضي الشروع في تفعيل النص القانوني «من أين لك هذا»، اعتبارا من غد الخميس ،واتبع وعده بخطوة أراد منها تأكيد أهتمامه بذلك فتعهد بنقل مكتبه لمباني الادارة العامة للثراء الحرام، وأهاب بالشعب السوداني بالتبليغ عن أية قضايا أو شبهات لثراء حرام، «لتبدأ رحلة استعادة المال العام» حسب الوزير. دوسة توعد باستدعاء كل من تدور حوله شبهات بثراء حرام ومواجهته بالسؤال القانوني «من أين لك هذا ؟» ، مؤكدا أن أي شخص لا يتمكن من الاجابة عن السؤال سيطلب منه التحلل ،وفي حالة رفضه سيحال للمحاكمة. حسنا فعل وزير العدل باعتزامه تفعيل قانون الثراء الحرام ولكن لماذا الحماسة في هذا التوقيت،فقد ظل الوزير في منصبه منذ أكثر من عامين فماذا فعل؟،نيابة الثراء الحرام موجودة وتعمل بطريقة روتينية،ولم نسمع أنها استخدمت «من أين لك هذا» مع اي موظف عام،فهل كانت معطلة أم أن هناك أسبابا موضوعية تحول دون استخدامها. والمسؤول الفاعل ينبغي أن يعمل عبر أجهزته،ويقاس نجاحه في مهامه بكفاءة الأجهزة والادارات التابعة له،واذا اضطر الى مباشرة العمل التنفيذي بنفسه فهذا يعني قناعته بأن أجهزته لا تقوم بواجبها كما ينبغي،ولم نر مدربا نزل الملعب مع لاعبيه ،لذا فإن اعلان الوزير أقرب ما يكون الى خطاب سياسي منه الى توجه قانوني،وفي مواسم التعديلات الوزارية ينشط الوزراء لاقناع قيادتهم بأن همتهم لم تفتر وعزيمتهم ماضية،ونخشى أن ينتهي حديث الوزير بانتهاء مناسبته. ومن ضمن افادات وزير العدل أمام البرلمان أيضا أن الأغلبية من الدستوريين تقدمت بإقرارات الذمة ،واشار الي انه مطلوب ابراء آخر للذمة باعتبار أنه يتم سنويا، ورأى الوزير ان اي تراجع عن ذلك المبدأ يعني فشل وزارة العدل. وزير العدل أمهل في أبريل الماضي، شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية والقيادات العسكرية والأمنية شهراً لتقديم إقرارات الذمة، لإدارة مكافحة الفساد الحرام والمشبوه ،متوعداً المسؤولين بمواجهة عقوبة السجن ستة أشهر أو الغرامة المالية إذا لم يمتثلوا للقرار. وانتهت المهلة في مايو الماضي، ولم نسمع من وزارة العدل أن موظفاً أو مسؤولاً قد امتنع عن تقديم الإقرار. وما الحكمة من إضفاء السرية ،التي ينص عليها القانون، على البيانات التي تحتويها إقرارات الذمة، بخلاف ما هو معمول به في دول العالم الأخرى، ومن شأن هذه السرية أن تفرغ القانون من الهدف الذي شرع من أجله. وثمة خبراء يعتقدون أن قانون مكافحة الثراء الحرام به «ثغرات للتلاعب»، فإنه لا يمكن أن تقدم إقرارات للذمة يراجعها موظفون تابعون لهؤلاء المسؤولين، حيث إن تلك الإقرارات لابد أن تقدم إلى جهة مستقلة لمكافحة الثراء الحرام والمشبوه، كما لابد أن تقدم الإقرارات علناً حيث إنها تقدم لجمهور الناخبين باعتبار أن المقصود من إقرارات الذمة الشفافية وليس السرية. رئيس الجمهورية تعامل بشفافية في الإعلان عن أملاكه،ونرجو أن يقتدي به المسؤولون ويحددون أملاكهم علناً، ونأمل أن يبادر بذلك وزير العدل وأعضاء لجنة فرز إقرارات الذمة وكبار رجال الدولة والحكم، حتى تكون سنة حسنة ،وقتلاً للشائعات ودحضاً للمعلومات الرائجة عن تضخم أملاك بعض المسؤولين وكبار المواظفين خلال فترة تقلدهم مناصبهم. العبرة ليست بوجود أجهزة عدلية وإنما فاعليتها واستقلالها وبعدها عن التأثير والتدخل السياسي،ولذا فالحاجة الى جسم مستقل ضرورة لطمأنة الرأي العام أن هناك آلية قومية ليست ملونة سياسياً،وعلى رأسها شخصيات مستقلة مشهود لها بالنزاهة والاستقامة. نهدي الى وزير العدل قبل أن ينقل مكتبه الى نيابة الثراء الحرام هذه القصة،فقد أوقف الخليفة الراشد سيدنا عمر رضي الله عنه موظفاً في بيت مال المسلمين «وزارة المالية» بعد فترة قصيرة من خدمته،وحقق معه ولم يجد شيئاً عليه لكنه فصله بعد ما لاحظ أنه بات يأتي لعمله بلباس جديد لم يعهده عنده، وقال لمن سأله عن سبب عزله للموظف، إن الدنانير أبت إلا أن تطل برأسها،فكم عمارة وشركات وأموال أطلت برأسها يا صديقي دوسة؟.