توقع كثيرون أن يصدر التشكيل الوزاري الجديد بنفس السرعة التي اتخذها رئيس الجمهورية في إعفاء المستشارين والخبراء، ولكن مرت الايام على خطاب رئيس الجمهورية أمام البرلمان الذي أعلن فيه الاصلاحات الاقتصادية وما يتبعها من تقليص كبير في جسم الحكومة المترهل بالوزارة والمسؤولين الذين أصبحوا يمثلون عبئاً كبيراً على ميزانية الحكومة من حيث كثرة العدد ومن حيث كثرة المخصصات، الأمر الذي حدا بالحكومة لاتخاذ اجراءات من أجل تخفيف هذه الامتيازات الى الحد الأدنى، وتقليص حكومات الولايات بنفس القدر ان لم يكن أقل من ذلك، عسى أن يصلح الحال بعد أن بدأت الحكومة بنفسها في هذا الأمر حتى تقنع المواطن بهذه الاصلاحات التي كان لابد منها من أجل استعادة الإقتصاد لعافيته تدريجياً. وبعد التوجس الكبير الذي صاحب الحكومة من إعلان زيادة المحروقات والخوف من تبعات هذا الأمر، توكلت الحكومة على الحي الذي لا يموت وأعلنت زيادة المحروقات بصورة دراماتيكية قبل أن تجاز من البرلمان بصفة نهائية وبرر وزير المالية ذلك خوفاً من أن تتسرب كميات الوقود الى المخازن والمستودعات بالسعر القديم وتعود للمستهلك من جديد بالسعر الجديد. ورغم العواصف البسيطة التي تزامنت مع الإعلان . بدأت حالات القلق والتوتر تزول تدريجياً من على وجه الحكومة في مؤسساتها التنفيذية. يبدو أن الخطر الذي كانت تتوقعه الحكومة جراء هذه الاصلاحات الاقتصادية، جاء بسيطاً وغير مكلف كما ظهر الآن، لكن ربما أتى الخطر الحقيقي من التشكيل الوزاري القادم والذي تحرص الحكومة أن يكون بعدد قليل من الوزراء ووزراء الدولة بالقدر الذي يغطي الاحتياجات الأساسية، ولكن الحكومة الآن في حالة حيرة شديدة في هذا الأمر، كما يبدو لأن حالة السعادة الكبيرة التي انتابتها عند تكوين حكومة القاعدة العريضة المكونة من (17) حزباً، فان هذه السعادة تحولت اليوم الى حالة من الحيرة وهي تحاول أن تحافظ على هؤلاء الحلفاء من الاحزاب ولكن لا تستطيع أن ترضيهم جميعاً في حالة تقليص الوزراء ووزراء الدولة، والا أن هذا يعني عدم رضاء من القوى السياسية المشاركة، ورغم أن معظم الوزراء جاءوا من حركات تمرد مثل وزراء مؤتمر البجا، والاسود الحرة وحركة تحرير السودان وغيرها، فإن ابعاد هؤلاء قد يشكل معضلة للحكومة، وربما يهددون بالعودة للمربع الاول، وربما يكلف خروجهم الحكومة أكثر مما يكلفها في مناصب هؤلاء الدستورية والوزارية وقد تكون الحكومة فطنت لهذا الامر وهي دائما تصرح ان نسبة التخفيض الكبيرة تكون من حصة المؤتمر الوطني، وفي هذا الامر اشارة تطمين الى هؤلاء المشاركين من القوى السياسية الأخرى ألا تمسهم التعديلات القادمة الا بقليل. فلهذا كان السؤال لماذا تأخر التعديل الوزاري ولم يتم بذات السرعة التي اتخذ بها قرار اعفاء مستشاري رئيس الجمهورية والخبراء، هل هناك فعلا عقبات قانونية تحول دون اعلان التشكيلة الحكومية الجديدة، وما هي تلك العقبات القانونية التي ظهرت والمعلوم ان تعيين الحكومة ودمج الوزارات قرارات يصدرها رئيس الجمهورية وبمراسيم جمهورية لتصبح سارية منذ إعلانها ولا ترتبط بقانون معين، والا كان هناك تعديل لهذا القانون مع أي تعديل وزاري تقتضيه التطورات السياسية في البلاد مثل اتفاقيات السلام واتفاق الدوحة واتفاق الشرق او تعديل تقتضيه الظروف الاقتصادية مثل الحالة الراهنة، وبالتالي فإن مسألة العقبات القانونية التي تعترض اعلان التعديل الوزاري ليست هي السبب حتى وان كانت موجودة فهي ليست السبب المباشر لتأخير هذا التعديل الوزاري. ولكن يبدو أن الحكومة كانت تنتظر ردة الفعل الشعبي تجاه ما أعلنته من سياسات خاصة في رفع الدعم عن المحروقات، فعندما اطمأنت على ان الشارع السوداني مرر هذه الزيادات، حاولت ان تؤخر اعلان الحكومة الرشيقة، وبدأ الحديث يعود من جديد ربما ارتفع الامر الى (25) وزيرا و(12) وزير دولة، كما اشارت بعض الصحف أمس الاول، وهذا يعني ان المشاركة من القوى السياسية التي كانت جزءا أصيلا من حكومة القاعدة العريضة ستحتفظ بمعظم مناصبها وذلك ليس لأن اداءها كان فاعلاً في الحكومة السابقة التي جاءت عقب انفصال الجنوب، ولا لأنها تجمع الصف الوطني بل حتى لا يتسبب هؤلاء في متاعب جديدة للحكومة وهي بالتأكيد لا تنقصها المشاكل، فلهذا فهي تحاول أن تحافظ على هؤلاء في مقاعدهم ان لم تكن كاملة بنسبة (100%) لتكن حوالى (90% الى 80%) مما نالوه في حكومة القاعدة العريضة. ولكن يبقى الخوف من حصة المؤتمر الوطني الكبيرة التي ستغادر الوزارة فقليل من هؤلاء يتقبلون الامر بصدر رحب فمنهم من قضى في الوزارة عقوداً ولا يحتاج الى المزيد وذلك لكبر سنه أو اعتلال صحته او انه شعر انه ليس له جديد أو اضافة يمكن أن يقدمها للعمل العام ويفضل أن يتنحى خير له من الاستمرار، ولكن هناك الكثير من هؤلاء الوزراء يريدون الاستمرار في مناصبهم بعضهم من يقول ان بقاء الوزراء مهم جداً في المرحلة القادمة ومن يقول ان هناك الكثير من المشروعات تحتاج لأن أكون فيها ومنهم من راهن عليه السيد رئيس الجمهورية في ان يدفعوا بخطوات مهمة في اصلاح الاقتصاد مثل عوض الجاز في النفط والمتعافي في الزراعة وكمال عبد اللطيف في التعدين، وفيصل حسن ابراهيم في وزارة الثروة الحيوانية والسمكية.