اصيب الشارع السودانى بحالة من الاحباط عقب اعلان المؤتمر الوطني عن حكومة قاعدته العريضة بمصاحبة 14 حزباً وتنظيماً سياسياً صنفت انها الأكبر في تاريخ البلاد من حيث الكم، فضمت 31 وزيرا اتحاديا و 40 وزير دولة، وعددا كبيرا من المساعدين والمستشارين يفوق عدد الوزراء انفسهم، وفور اعلانها وجدت حكومة «القاعدة العريضة» انتقادات حادة خاصة من المعارضة التي وصفتها ب»المترهلة» و»المكرشة» بجانب عدم تغييرها للوجوه القديمة من حزب المؤتمر الوطني الحاكم واستعانتها ببعض رموز المعارضة كوسيلة لتجميل وجهها دون تغيير حقيقي للسياسات التي ادت الى انفصال دولة جنوب السودان وحدوث أزمات سياسية واقتصادية خانقة وحروب مستمرة في أنحاء البلاد بحسب مراقبين، وربما كانت هذه الانتقادات ما دفعت المسؤولين لتبني الدعوة لحكومة «رشيقة» أو ربما كانت هي الضرورة الملحة لترشيد الانفاق الحكومي وتقليص عدد الوزراء نتيجة للضائقة المعيشية التى تعانى منها البلاد والأزمة الاقتصادية الطاحنة. واخيرا أعلن الرئيس عمر البشير، حزمة من الاجراءات والقرارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية الماثلة، شملت رفعا تدريجيا للدعم عن المحروقات و تقليص الوزارات ووزراء الدولة والخبراء في الحكومة الاتحادية بما يزيد عن 100 منصب، وشمل التخفيض ايضاً الولايات بنحو 280 منصبا وتقليص الهيئة التشريعية علي المستوي الولائي في المجالين التنفيذي والتشريعي بنسب تتراوح بين 45 و50% علي التوالي، فى محاولة لخلق حكومة «رشيقة» تراعى الظروف الراهنة التى تمر بها البلاد. وينقسم الناس الى فريقين حول الاجراءات المزمعة بشأن هيكلة الحكومة، الفريق الأول يرى ان الحكومة تستجيب لرغبة الناس في ان يروا تغييرا حقيقيا يحد من الترهل في هيكل الدولة بما يعني ان الحكومة جادة في خفض الانفاق الحكومي وبالتالي جادة في احداث اصلاح اقتصادي، بينما يرى الفريق الثاني ان الحكومة تستجيب لضغوط اجبرتها على الخطوة وبالتالي لن تستطيع خفض انفاقها الزائد عن الحد كما يقولون. يقول القيادى بالمؤتمر الوطنى الدكتور عمر ادم رحمة ان تخفيض الدستوريين والوزراء وتقليل الصرف وترشيده سواء على المستوى الاتحادى او الولائى هو ترجمة لرغبة حقيقية لأهل السودان، ويشير رحمة في حديثه ل «الصحافة» الى ان المسألة لاتقاس بحجم المبالغ التى يتم توفيرها ولاتقاس بالأثر المباشر على الاقتصاد بقدرما هى تحقيق لرغبات أهل السودان، واوضح ان قضية الترهل هى مشكلة حقيقية ولها تبعاتها فى تسيير دولاب العمل وان التخفيض هذا يرشد الصرف بالتأكيد كتحديد سيارة واحدة للمسؤولين بدلاً عن اثنتين او ثلاث يخفض ميزانية الوقود، وقال رحمة ان الغرض فى النهاية الوصول الى حكومة رشيقة ومتناغمة تقوم بأدوار محددة بشكل يحقق الهدف المنشود، وأشار الى انه فى الفترة الماضية تم تقسيم وانشطار لبعض الوزارات كان لأهداف سياسية الا ان الضرورة تقتضى دمج هذه الوزارات من جديد بشكل يسير العمل الديوانى فى الدولة بأقل تكلفة وبما يحقق هدف الاصلاح. بينما المحلل السياسى صديق تاور ينظر الى هذا التخفيض في حجم الحكومة بزاوية مختلفة ويرى ان الاجراءات تمت بصورة شكلية نتيجة لضغوط تعرض لها الحزب الحاكم نفسه، وقال تاور ل «الصحافة» عبر الهاتف امس ان تخفيض الوزراء والمستشارين لم يأت نتيجة قناعة حقيقية من قبل المؤتمر الوطنى ولهذا لا احد يتوقع تخفيض الصرف البذخى وغير المرشد فى تسيير دولاب العمل الحكومى بالصورة المطلوبة، ووصف تاور المعالجات التى تمت بأنها لاتخرج من باب الاستهلاك الاعلامى لامتصاص الصدمة واحباط المواطنين. الا ان الخبير الاقتصادى الدكتور محمد الناير يدعم اتجاه رحمة ويقول ان الاجراءات المزمعة ستساهم بالتأكيد فى تخفيف الضغوط على الاقتصاد واشار الى ان عجز الموازنة يعالج اما بزيادة الايرادات او تخفيض الانفاق، واضاف ان تخفيض الهيكل الحكومى بالطبع يساهم فى تقليل الانفاق العام، فى المركز والولايات. السؤال المهم في ما يتعلق بالحكومة القادمة هو حول ما اذا كان تقليص الحكومة سيخلق مشاكل جديدة ستواجه الحكومة جراء الرفض المتوقع لبعض الذين لازموا الخدمة في الوزارات لسنوات عدة الذين سيصعب عليهم مفارقتها كما يتوقع مراقبون، القيادي بالمؤتمر الوطني عمر ادم رحمة يشدد على ان الحديث عن عدم الرضاء بهذه الخطوات من قبل بعض المشاركين والوزراء امر يجب ان يصحح ان وجد، وقال ان اى وزير او مستشار او مسؤول يطاله الاعفاء ويظن ان المنصب فصل عليه شخصيا ويجب ان يكون باقياً هو امر غير مقبول، فمصلحة البلاد واهل السودان عند الضرورة والمصلحة العامة يجب ان يراعيها الجميع ولا ينبغى ان لاتكون هذه المسائل خاضعة لهذا الفهم، وقال رحمة على الجميع ان يلتزموا بهذه القرارات ولاتوجد اى مساحة للاعتراض او التذمر، واكد ان الحزب الحاكم مؤمن بهذه القرارات التى خرجت عن رضا وقناعة ولذلك فهى ملزمة لكل الاعضاء وقال «لا اتوقع ان تجد هذه الاعفاءات اى معارضة من اى احد فى الحزب» ، واضاف «القضية فى النهاية قضية بلد ويجب ان ينظر اليها شركاء المؤتمر الوطنى فى الحكومة بذات الفهم لأن التخفيض سيطال الجميع». في مقابل هذا يتوقع المحلل السياسى صديق تاور ردود افعال ممن يطالهم الاعفاء من المحسوبين على الحزب الحاكم او من المشاركين فى الحكومة العريضة وقال ان هناك من دخلوا الى المؤتمر الوطنى من باب الترضيات والموازنات السياسية بدافع المناصب والمصلحة ، وأشار الى تصريحات سابقة لنائب رئيس المؤتمر نافع علي نافع التى عرفت ب «البندول» لمعالجة التذمر والتململ وقال «عندما ينقطع هذا البندول نتوقع عودة التذمر وعدم الرضاء من قبل الكثيرين» ، واشار ايضا الى ان الأحزاب المشاركة فى الحكومة دخلت من باب اقتسام «الكيكة» وليس من اجل لعب دور حقيقى فى الحكومة ، وتوقع ردود افعال غاضبة ممن يعفون من مواقعهم.