كانت مخاوف كثيرة تنتابني قبيل إجراء الإنتخابات في السودان،وكان غيري من سودانيي الداخل يخشون وقوع أعمال شغب وفيضي ، لا تحمد عقباها. كانت الأوضاع في البلاد مهزوزة ،وظهرت مخاوف من أن يؤدي إنسحاب ومقاطعة بعض القوى السياسية للعملية الإنتخابية إلى أثنين أسود دام ، شبيه بذلك الذي أعقب مقتل الدكتور جون قرنق ،في حادث الطائرة المشؤوم عام 2005 ، ولا يزال ذلك اليوم وما شهده من أعمال تخريب واسعة وقتل وإحراق لممتلكات المواطنين في الشمال ،محفيرا بعمق في نفيس الناس ، فتحسبا لحدوث مثل تلك الأعمال التي روج لها سياسيون ماكرون ووسائل إعلام ماكرة ، نشرت الشرطة السودانية مائة ألف من عناصرها المدربة تدريبا عاليا ليوم كريهة وسداد ثغر ، في عملية تأمين غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث ، وسعت بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية وتحديدا ال BBC لإحداث نوع من البلبلة في نفيس المواطنين قبيل بدء عمليات الاقتراع ، من خلال الإيحاء بأن أحداث عنف قد تقع خلال العملية الإنتخابية ، أو بعد ظهور النتائج ،ليس هذا فحسب بل سعي مراسلوها الى استنطاق بعض المعارضين كي يصرحوا بأن هناك خروقا كبيرة وتزويرا واسعا يصاحب العملية الإنتخابية ، بهدف شحن الشارع ،لكن كان وعي المواطنين كبيرا ، فجرت الإنتخابات في أجواء صحية للغاية وتمكن أكثر من 60% من جملة المسجلين من الإدلاء بأصواتهم ، في أول انتخابات ديمقراطية تجري في السودان ، بعد حوالي ربع قرن من الزمان ، إنتاشت سهام غادرة عديدة وجهها أولئك المعارضون للمفويضية القومية للانتخابات ، وكعادتهم لجأ المنسحبون والمقاطعون ، الي الأبواق الإعلامية العالمية التي لديها ( أكثر من 150مراسلا معتمدا في الخرطوم )،لمزيد من تشويه صورة المؤتمر الوطني ، والتأثير علي المواطن حتي يقاطع هو الأخر العملية الانتخابية ، وأوفدت العديد من شبكات التلفزة العالمية ووكالات الأنباء الدولية فرقا من أبرز إعلامييها من السودانيين وغيرهم ، لتغطية فعاليات الانتخابات ،وبثت بعض تلك الوسائل الإعلامية شائعات مغرضة ، منها : ( أن الخرطوم أصبحت شبه خالية ، بسبب مغادرة العديد من المواطنين وأسرهم الي الولايات، خوفا علي أرواحهم ،ومنها أن السلطات فرضت حظرا للتجول في العاصمة ،ومنها أن مخربين دخلوا الي البلاد لأحداث فوضي ، ومنها وقوع أعمال شغب وقتل في الحاج يوسف ) سرعان ماتبين للمواطنين أن كل ذلك ليس سوي شائعات ،ودعاية سوداء ، حاول بعض من فاتهم قطار الإنتخابات الترويج لها ،لكن رغم ذلك جرت عمليات الاقتراع والفرز بصورة طيبة ، جعلت بعثة الإتحاد الأوربي تصرح بأن العملية الإنتخابية تمضي بصورة سلسلة ، وقد أغاظ تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي أوضح من خلاله سير عمليات العد والفرز والاقتراع بصورة طيبة ، السيد الصادق المهدي مرشح حزب الأمة القومي المنسحب من السباق الرئاسي فهاجم كارتر ووصفه بأنه يجامل المؤتمر الوطني ، وأنه ليس محايدا ،ويستغرب المرء من سياسي مخضرم كالإمام الصادق أن يهاجم مركز كارتر المتخصص في مثل هذا النوع من الانتخابات ، التي تجري في كافة أنحاء العالم ، سيما لو علمنا أن بعض أعضاء بعثته المعنية بمراقبة الانتخابات السودانية ، لديهم أكثر من ربع قرن في مراقبة انتخابات شبيهة في إنحاء العالم ،ويزداد عجب المرء عندما يعلم أن انتخابات السودان الحالية تأتي بعد 24 عاما من آخر انتخابات ديمقراطية حملت المهدي الي سدة الحكم ، لكن رغم ذلك نستطيع أن نتفهم دواعي غضب السيد الصادق ،الذى كان يمني النفس بعودة أخري الي سدة الرئاسة ، من خلال صناديق الاقتراع التي طالما تغني لها وبها كثيرا دون استعداد كبير لخوض غمارها . ويأسف المرء كثيرا أن يكون من جملة ال90% من المطالب التي طالب بها حزبه للمضي قدما في المشاركة في الانتخابات ، قبل المقاطعة : تسلمه عدا ونقدا مبلغ أربعة مليارات جنيه سوداني من المؤتمر الوطني ، ثم يصرح بأن المبلغ تعويض وليس تبرعا من المؤتمر الوطني لخوض الانتخابات ، فالمؤتمر الوطني الذي كثيرا ما اتهمه المهدي بشراء الذمم والإفساد ، هاهو يسقي المهدي من ذات الكأس ،بتلويث يديه. كنا سوف نقدر للمهدي أخلاقه وحرصه علي المال العام ، لو رفضه بالطريقة التي منحها إياه المؤتمر الوطني (حتي أن زميلنا الاستاذ عثمان ميرغني الذى نقلت صحيفته خبر الصفقة( التعويض) حسب المهدي و(التبرع )حسب المؤتمر الوطني ) ( ظن أن مبلغا كهذا لابد أن يكون قد نقل في جوالات عديدة وعلي ظهر بوكس ) ونحن هنا لا نتحدث عن حق للمهدي وغيره في مال الدولة ، ولا نعترض علي تعويض يمنح لحزبه ، فقد كان من أولي إنجازات حكومته الديمقراطية الثالثة ، تعويضات اقتطعت من خزينة الدولة لحزبه وللدكتور المرحوم عز الدين علي عامر قطب الحزب الشيوعي وعضو البرلمان وقتئذ ، ( سميت بتعويضات ال المهدي ) كان بإمكان المهدي أن يعترض علي توقيت وطريقة الدفع ،حتي تكون مقاطعته شريفة ونزيهة ، فالذي يأخذ حقوقه من الدولة بمثل تلك الطريقة المشبوهة ، لن يكون أمينا علي المال العام إن وصل الي سدة الرئاسة ، ولن يقنع أحدا بأن التعويض كان من ضمن مطالب الحزب المكتوبة للاستمرار في السباق .اللهم الا إن كانت صفقة بليل بين الطرفين . القوى السياسية الشمالية والحركة الشعبية قالت بصريح العبارة مرارا وتكرارا قبل بدء العملية الانتخابية إنها مزورة ، وإنها ملغومة وإنها غير نزيهة ،وقالوا إن أمريكا لاعتبارات تخصها ، وأهمها الوصول بسلام الي محطة استفتاء الجنوب شتاء 2011 بهدف فصل جنوب البلاد عن شمالها حتي سخر منها المشير البشير ذات يوم خلال حملته الانتخابية ،وحمد الله بأن أصبحت أمريكا العدو الأول للمؤتمر الوطني (مؤتمرا وطنيا ) ثم اتهموا المراقبين الاوربيين ومركز كارتر ، وبعثة الاتحاد الأفريقي ، بأنها غير محايدة وتجامل المؤتمر الوطني ، لكن الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه أنهم لم يتهموا المؤتمر الوطني، بأنه قدم رشي أو تبرعات أو حوافز لأكثر من (150) مراقبا من الاتحاد الأوربي ، و(130) مراقبا من مركز كارتر ، و غيرهم من المراقبين الأفارقة والعرب والآسيويين ومراقبي الداخل ،وأكثر من( 107ألف) موظف يتبعون للمفوضية القومية للانتخابات ، بذلوا قصارى جهودهم من خلال( 17 ألف) مركز اقتراع علي مستوي الدولة حتي تجري الانتخابات بهدوء ، وقد أفلحوا في مهمتهم ،وبذلت مفوضية سنة أولي كما أطلق عليها الزميل د/ البوني من خلال انتخابات سنة أولي، هي الأخرى جهودا كبيرة كان يتوجب علي القوى السياسية أن تشكرها عليها ، بدلا من اتهامها ونعتها بأقذع الأوصاف . حقائق وأرقام : تمت طباعة( 197 مليون) بطاقة اقتراع ، في كل من بريطانيا وجنوب أفريقيا ومطابع العملة السودانية . المفوضية أقرت بأخطاء ترقي لإعادة الانتخابات في( 17 دائرة قومية) و(16 دائرة ولائية ) من جملة (749دائرة) جرت الانتخابات في( 19 ) دولة خارج السودان ، فاز( 23 ) مرشحا من منتسبي الحركة الشعبية بالتزكية، في دوائر قومية وولائية بالجنوب ، أبرزهم أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني . في انتخابات عام 1953 سمح لعدد( 15 امراة فقط) بالتصويت بينما يتوقع دخول ما بين( 140 الي150 امراة البرلمان الوطني) وتجاوزت نسبة النساء ال60% من جملة الذين أدلوا بأصواتهم، وهذا يؤكد أن النساء في هذا العهد حصلن علي قدر كبير جدا من حقوقهن ،تجاوزت نسبة التسجيل للانتخابات ال88% وكانت نسبة التصويت عالية رغم انسحاب حزب الامة والشيوعي والحركة الشعبية في الشمال . قتل مرشح واحد للمؤتمر الوطني قبل بدء العملية الانتخابية في الشمال، بينما قتل تسعة آخرون يتبعون لذات الحزب في الجنوب ، ولم يعرف إن كان قتلهم علي خلفية الانتخابات ، أم لنزاع وشجار عائلي او قبلي؟ لم يتقدم أي من وكلاء الأحزاب بشكاوي خلال عمليات الفرز. كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر