«يحتجب لظروف فنية» عبارة شاع أستخدامها في الصحافة السودانية على أيام هجمة الرقابة القبلية الأمنية عليها، وقد سكّت الصحافة هذا المصطلح للاعتذار للقارئ عن غياب ما إعتاد مطالعته يومياًَ من مقالات أو أعمدة بسبب حجب ضباط الرقابة لها لتقديرات تخدم النظام وتحميه من أية إنتقادات يرى هؤلاء الضباط أن أثرها سيكون كبيراً على الرأي العام حال نشرها، وأحياناً من غير سبب سوى الحالة المزاجية للرقيب وأحياناً أُخر بسبب «التكدير» الذي يقع عليه من رؤوسائه ل «تفريطه» وإنفلات إحدى «المواد الخطرة» من بين فكي مقصه، أو ربما لأن ما تحمله من «خطورة» بين سطورها قد فات عليه، وفي ذلك قصة طريفة حدثت لي شخصياً قد أحكيها الآن أو في يوم ما بحسب الحال، المهم أن الصحافة لم تكن تستطيع تبرير إحتجاب بعض المواد أو المقالات والأعمدة بأنها غابت بأمر الرقيب ولهذا إبتدعت هذا المصطلح والذي لم يكن يغيب عن فطنة ولماحية القارئ، ولم يدرك الرقباء ذلك إلا مؤخراً فمنعوا حتى كلمة «يحتجب»، فتأمل مثل هذه السادية التي تضربك ثم تمنعك حتى من التألم، تلك كانت أسباب فنية غير حقيقية منع «التعذر» ظهور سببها الحقيقي، ولكن حقيقةً هناك أسباب فنية فعلية قد تتسبب في سقوط بعض المواد الصحفية وغيابها عن الصحيفة، أو ربما تتسبب في غياب واحتجاب الصحيفة بكاملها عن الصدور وهي في الغالب الأعم أسباب تتعلق بأمور مطبعية وأحياناً لشؤون تخص السكرتارية أو قد تكون لسبب «لوجستي» مثل إنقطاع الكهرباء، هذا أو ذاك لا بد في كل الاحوال أن تجرى إدارة الصحيفة تحقيقاً في الخلل تعقبه محاسبة ربما تطيح بأحد الرؤوس أو أكثر من رأس. أحد ظرفاء سكرتاريات تحرير الصحف أهداني مقاربة ذكية تقول إذا كانت الصحف تحتجب عن الوجود بسبب بعض الاخطاء الفنية فلماذا لا يتم حجب المفوضية ما دامت قد وقعت في ذات ما يسمى بالاخطاء الفنية، ثم لماذا يطاح بنا في السكرتاريات الفنية حين نقع في أخطاء ولو كانت بحسن نية ولا يُطاح الآن بالمفوضية القومية التي قارفت جملة مما يسمونه بالاخطاء الفنية، قلت له وعلى سبيل الدعابة إننا لا نحتاج إلى حجب المفوضية بل إلى «فك رقبة» المفوضية، أليست «NECK» في الانجليزية هي الرقبة في العربية والمختصر المفيد لاسم المفوضية الطويل هو «NEC» عند الناطقين بالانجليزية، ولا يختلف نطق الرقبة عندهم عن نطق المفوضية، و«فك الرقبة» أي «تحريرها» معروف في الفقه الاسلامي، صحيح لماذا لا يتم «حجب المفوضية» أو تسريحها وهي أصلاً وفصلاً جهة فنية ولوجستية وإدارية وكل عملها في الانتخابات يختص بكل ما هو إداري وفني ولوجستي، والآن يتم الاعتراف علناً ومن داخل المفوضية بأنها لم تخطئ في شيء سوى حزمة من الاخطاء الفنية والادارية واللوجستية، فبالله ماذا بقى للمفوضية بعد ذلك من عملها لم تخطيء فيه، هل علينا أن نأخذ عليها خطأً سياسياً عند إبداء ميولها السياسية لأحد الاحزاب، ام بعد أن نضبطها متلبسة وهي تحرِّض الناخبين للتصويت لزيد من المرشحين أو تتوعد الناخبين إن لم يصوتوا لعبيد، أو هي تخوض في ممارسات فاسدة لصالح أحد الاحزاب، ليتسنى لنا بعد ذلك القول بأن المفوضية غير جديرة بادارة الانتخابات، صحيح أنها لم تقارف أياً من هذه الموبقات ولكن الاصح أنها إقترفت ما يطعن إختصاصها الاساسي في الصميم وهو المصمم أساساً لتسيير العملية الانتخابية إدارياً وفنياً ولوجستياً، والمفوضية التي فشلت في إدارة مهمتها التي من أجلها كوّنت وكان عليها أن تستقيل من تلقاء نفسها، لم تسكت على «الشينة» بل أنكرتها وكابرت فيها، فعلّقت الاخطاء على تبدل رموز المرشحين عندما صار النمر حصان واللوري عجلة والقلب مروحة على تروس ماكينات المطابع، والتبادل الذي حدث لأوراق الاقتراع فصار كل ورق في غير مكانه حمّلته للدفارات التي حملت هذه البطاقات، وتأخير موعد بدء الاقتراع عدة ساعات نحت فيه باللائمة على إتساع مساحة السودان وكأنها لم تكتشفها إلا عندما إحتاجت لها كمبرر و... و... غير ذلك من أخطاء كلها من صميم عمل المفوضية، المطابع والدفارات ومساحة السودان منها براء وما هي في البدء والمنتهى إلا أخطاء خالصة للمفوضية كفيلة بحجبها لا لشيء إلا لهذه الاخطاء التي حاولت التقليل منها فأسمتها فنية وادارية ولوجستية» وكأنما فات عليها أن ذلك أصلاً هو مناط تكليفها وأساس عملها.