بعد أربع جولات انتخابية سبقتها مقابلات نادرة جمعت بين الرئيسين البشير وسلفا من جانب و بين رئيس رواندا بول كاغامي مع نظيره من الكونغو جوزف كابيلا لحسم النزاع الحدودي من جانب آخر، وكان الحدث الابرز خروج افريقيا ليل الاحد من مأزقها وصراعها المستمر لستة اشهر خلت حول المنصب الرفيع مفوض الاتحاد الافريقي. هكذا اسدل أمس الستار على قمة الرؤساء والحكام الأفارقة التي تحمل الرقم 19 تحت شعار «تعزيز التجارة البينية» في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا. أفريقيا تبارح المأزق «انها مناضلة من اجل الحرية وليست دبلوماسية او بيروقراطية». هي كلمات وصف بها رئيس اوغندا يوري موسيفيني، مفوضة الاتحاد الافريقي المنتخبة حديثا للمنصب الرفيع وزيرة داخلية جنوب افريقية نكوسازانا دلاميني زوما، عقب اعلان فوزها وتغلبها على منافسها المفوض المنتهية ولايته جان بينغ ليل امس الاول، وكان الرؤساء الافارقة في قمة نيروبي السابقة يناير فشلوا في الفصل بين بينع ودلاميني- زوما، الامر الذي ادى الى انقسامات عميقة داخل المنظمة القارية تحديداً بين الدول الفرانكفونية فيها وتلك الانغلوفرانكفونية، ليتواضع الجميع على التمديد لبينغ موقتا ريثما تفضي الانتخابات الى نتيجة، وقبل الدخول الى اختيار مفوض جديد شهدت ارجاء مباني الاتحاد الافريقي، تحركات ماكوكية، ورجحت البعض ان يلجأ القادة الى حل وفاقي حال تعذر الفصل وهو التمديد سنتين لبينع، الا ان الانتخابات التي جرت ليل الاحد بمشاركة قادة دول الاتحاد، لم تفصل بين المتنافسين بينغ وزوما الا في جولتها الرابعة، بعد ان اسفرت الجولات الثلاث الاولى بتصدر المرشحة الجنوب افريقية دون حصولها على الاكثرية اللازمة للفوز و شهدت الانتخابات للظفر بالمقعد منافسة حادة لم يصل فيها الجميع للحسم الا بعد اربع دورات تصويت. وعرفت دلاميني كمدافعة ضد التميز العنصري، وهي طبيبة شغلت منصب وزيرة الصحة والخارجية في جنوب افريقيا قبل جلوسها على كرسي الداخلية، وكان اول المهنئين بفوزها هو زوجها السابق جاكوب زوما الذي وصف الامر قائلا ان فوزها يرتدي «اهمية كبرى لافريقيا (...) وللقارة ولقوة ووحدة النساء وقبله صرح رئيس بنين والرئيس الحالي للاتحاد الافريقي توماس بوني ياي ان «زوما ستتولى رئاسة هذه المؤسسة» ودلاميني زوما البالغة من العمر 63 عاما يعتبر فوزها بالمنصب، محطة النهاية للمأزق المستمر منذ ستة اشهر ،بعد ترشحها بالقمة الماضية ضد بينغ، لكن فوزها امس انهى المأزق الناجم عن فشل كل منهما في الفوز بغالبية الثلثين الضرورية للفوز، مما ادى الى بقاء بينغ في منصبه. ويعد حصولها على المنصب عودة افريقيا الانجليزية بعد غياب عشر سنوات وكذلك انتصارا لمجموعة افريقيا الجنوبية للتنمية» التي انشئت في 1980 وتضم 15 بلدا. وفي اول تصريح للمتحدث باسم رئيس المفوضية المهزوم قال نور الدين المازني ان الرئيس السابق للمفوضية يقر بهزيمته وتابع ان بينغ «تقبل النتائج ويتمنى النجاح لدلاميني زوما»، وزاد المازني «ان بينغ اعرب عن استعداده للتعاون معها للعمل معا من اجل وحدة القارة» وليل أمس عقب اعلان النتيجة علت الاصوات وتبادل افراد وفد جنوب افريقيا التهنئة والعناق قبل ان يخرجوا من قاعة الاجتماعات ونقل دبلوماسي افريقي ان الانتخابات استغرقت اربع جولات قبل ان تفوز دلاميني زوما ب37 صوتا اي اكثر بثلاثة اصوات من الاغلبية المطلوبة لتؤكد فوزها على بينغ لكن بعض المحللين قالوا ان جنوب افريقيا انتهكت تقليدا غير مكتوب يقضي بالا تترشح البلدان الكبرى في القارة للمنصب بل تتركه للدول الاصغر، بيد ان دلاميني زوما قللت المخاوف قبل التصويت من امكانية ان يؤدي فوزها الى انقسام في الاتحاد الافريقي. وكان القادة جددوا الثقة في نائب رئيس المفوضية الافريقية ايراستوس مويشنا الكيني ليبقى في منصبه لاربع سنوات قادمة. السودان وزوما السؤال حول اثر فوز زوما بالمنصب على قضايا السودان يبدو منطقيا بل من الواجب طرحه، فملف النزاع الحدودي مع جاره الجنوبي لازال (محلك سر) بين ايدي الجنوب افريقي ثامبو امبيكي، بجانب تصريحات سابقة نقلت عن زوما تتعلق بالمحكمة الجنائية، فهل سينتهي شهر العسل الافريقي، يقول المازني ل»الصحافة» امس ان المفوضة صديقة مقربة من الوسيط الافريقي ثامبو امبيكي واضاف هذا ما يجعل العمل منسجما لافتا الى ان المطلوب الآن من الجانبين النظر الى الثاني من اغسطس نهاية المهلة، ويضيف المحلل جاكي سيلييرز من معهد الدراسات الامنية في جنوب افريقيا ان «الفائز سيعمل مع الجميع بغض النظر عمن صوتوا له»، مؤكدا انه متفائل بان الانقسامات الناجمة عن التصويت ستزول، وتابع دلاميني زوما ستكون «مسؤولة تشمل الجميع ولن تقصي احدا فقد كانت وزيرة ناجحة للخارجية وحققت نجاحا اكبر كوزيرة للداخلية». قمة حققت المكاسب وعلى الرغم من ان ازمات القارة السمراء المتمثلة في النزاع الحدودي والعنف في عدة مناطق بجانب الازمة في الصومال زاحمت موضوع القمة الرئيسي الا ان مراقبين اجمعوا على ان قمة الافارقة المنتهية امس حققت مكاسب، بعد ان وضعت ازمات القارة تحت مجهر دقيق مع تحديد وصفات لانهاء النزاع بين دول المنظمة ليس من بينها الخيار العسكري، واضافوا ان الاجماع والمطالب الحاسمة لدول النزاع الافريقي والتلويح بالتدخل العسكري لحسم الازمة في شمال مالي كلها من الامور التي تعد مطلوبة لوضع القارة في مسار بنائها الاقتصادي والتنموي. وكان ان اختتمت أمس أعمال القمة الإفريقية بمشاركة عدد كبير من رؤساء الدول الإفريقية بعد يومين من التداول وبحث الموضوعات، وكان من أبرز الرؤساء والحكام الذين حضروا القمة اليوغندي موسفيني والتشادي إدريس ديبي والمصري محمد مرسي وجنوب السودان سلفاكير ميارديت والجنوب أفريقي جاكوب زوما والرئيس البشير والتونسي والغاني والزمبابوي والموزمبيقي والسنغالي والجزائري وبنين بينما غاب عن القمة رئيس البلد المضيف ملس زناوي ورئيسة جمهورية ملاوي جويس باندا، وكان ضيف شرف القمة أمير الكويت الصباح جابر الصباح وممثل الامين العام للامم المتحدة جون اليساون والامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي وممثل رئيس السلطة الفلسطينية محمودعباس، وممثلين لدول كل من (الصين وكوبا وهايتي وروسيا وأمريكا وألمانيا).