بحسب إفادات مسؤولي الهيئة السودانية للمواصفات عبر تصريحات نشرت الأسبوع المنصرم، فإن السوق يعج الآن بسلع غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، وجاء ضمن تلك التصريحات «القادمة من مصر تقلقنا والواردة من الصين تشكل هاجساً كبيراً» بينما استخدام «حمير مدربة » لتهريب بضائع عبر ولاية النيل الأزرق يزيد من أعبائهم والهم الأكبر يتمثل فيما سموه «الجوكية»، وحسب فهمي من المضمون أنه تمرير بضائع غير جيدة على أنها أمتعة شخصية مثل الكريمات والمستحضرات، وحتى لا تكتمل هذه الصورة بأيدي الهيئة يطالب مسؤولوها الجهات المختصة بزيادة رواتب العاملين حتى لا يضطروا لتمرير بضائع مخالفة بطرق مفهومة للجميع، وهذه التصريحات تؤكد لنا برغم عمر الهيئة الطويل بأنه لا توجد استراتيجية واضحة لعمل الهيئة المنوط بها حماية المستهلك من سلع رديئة الصنع أو قل بعضها فاسد تماماً، فما يزال هناك تضارب في الصلاحيات بين الجمارك وعمل الهيئة ومع جهات أخرى «مجاملة» بعضها حكومي، فإلى متى يظل المستهلك البسيط يدفع ثمن هذه التجاوزات الصريحة. دولة ذات مؤسسات أمنية وعسكرية وحرس للحدود تقلقها «حمير مدربة» لتهريب السلع الفاسدة.. تخيل معي كيف يكون الأمر عند استخدام طرق أكثر عصرية من قبل المهربين.. شاحنات أو قل «طائرات تهريب» بالتأكيد سيكون الأمر أكثر تعقيداً وتصعب معه السيطرة. ومَنْ مِنْ موظفي القطاع الحكومي يكفيه راتبه حتى تطالب الهيئة دون غيرها بتحسين مخصصات العاملين فيها حتى لا يضطروا لتمرير تلك السلع الفاسدة، منطق أكثر غرابة.. فإن تم ذلك فسنتوقع إدارات عديدة لا تريد أن تقع في المحظور تطالب بتحسن أوضاعها بداية من الجمارك والشرطة.. و.. و.. في التسعينيات حضرت مؤتمر دعم ولاية النيل الأبيض بربك، وعند فتح باب التبرعات قال أحد التجار إن محله مغلق من قبل الضرائب، وقال لرئيس الجمهورية إذا فتح محلي فأنا متبرع بمليوني جنيه.. رشوة صريحة. والحديث عن «الجوكية» أمر سهل تجاوزه، لكون الكميات المدخلة بالتأكيد ليست بالحجم المقلق للهيئة ولا للمواطن، ونعلم أن بالجمارك والموانئ إدارات أمنية منوط بها ملاحقة المتهربين إن لم نكن قد وقعنا في ما تخوفت منه إدارة الهيئة. وكل ما هو مطلوب من المواصفات والمقاييس عمل خطة واضحة لعملها مدعومة بتشريعات صادرة، أو العمل على تصحيح ما صدر منها، وأن تضع نصب عينيها الأمانة الجسيمة المتعلقة بالاقتصاد الكلي وبالمنفعة الفردية للمستهلك، وما أثير لا أرى أنه يمثل لا هاجساً ولا قلقاً بقدر ما هو غاية لا تبررها الوسيلة المطروحة.