لم يقف عامة الناس كثيرا عند التشكيل الوزاري الأخير الذي أعلنه رئيس الجمهورية بغية الاستظلال بمزية التقشف الذي أملاه الظرف الاقتصادي الراهن فاختفت وزارات وأدغمت أخرى فذابت في خضم أخريات بيد أن أكثر ما لفت الأنظار وشد الأذهان وتناولته المجالس بالأخذ والرد إدماج وزارتي الثقافة والإعلام وتنصيب الدكتور أحمد بلال عثمان وزيرا لها . ليطل سؤال كبير وعريض عن سر الاحتجاج على الدمج من جهة وتنصيب الدكتور من ناحية فأهل الثقافة يرون أن إفراد وزارة مستقلة للثقافة فيه كسب وفرصة لاحتلال مناشطها مساحة معتبرة في سلم الأولويات الحكومية وأن دمجها سيهضم حق الثقافة ويقلل من إمكانية نشاطها علاوة على تذويبها وتعويم دورها جراء الإمالة إلى الإعلام والعمل على تقويته في عالم تحكمه الآلة الإعلامية أكثر من غيرها. غير أنه بقليل إمعان للنظر في مسوغات الرافضين للدمج يجد المتابع أن أمر الثقافة بالبلاد أكبر من دمجها في حنايا وزارة أخرى ذات صلة وثيقة بها والدليل على ما ذهبت إليه التجربة الأخيرة لإفراد وزارة للثقافة، ولم يقف الأمر عند ذلك بل أوكل أمر تسييرها وولايتها للأستاذ السمؤال خلف الله ذلكم الرجل من أهل الشأن الثقافي الذي لا يجارى ولا يبارى وخير شاهد على دوره الفاعل مؤسسة أروقة التي ما زالت تعافر جاهدة لإضافة لمسة ثقافية على ليالي العاصمة التي ضاعت في عتمة الهم الاقتصادي بيد أن بنظرة تقييم محايدة للفترة التي قضاها القريش متربعا على كرسي الوزارة لا يجد المتابع أدنى عنت في وسم فترة توليه عرش وزارة الثقافة بعدم القدرة على تحريك كامن الثقافة المتجمد في محطة الإمكانيات إلا من بعض الفعاليات الخجولة التي آخرها (ليالي السودان الثقافي) لم تكن كافية وشافية وراوية للجدب الثقافي وأن أكثر ما يؤخذ عليها اهتمامها بالجانب الغنائي حتى أوشك أن يرسخ في أذهان العامة أن الوزارة تختزل الثقافة في فن الغناء لدرجة أن بعض الساخرين في المدينة اعتادوا على إطلاق لفظ متعهد الحفلات على السيد الوزير، فالرأي عندي أن أمر الثقافة أكبر من دمجها أو إفرادها في الوزارة وألح من الذي يمسك بزمام الأمر فيها وسيكون الأمر عندي سيان إن تولى أمرها السمؤال أو أحمد بلال عثمان في ظل غياب الرؤية المتكاملة لرؤية الدولة للثقافة بمفهومها الشامل والمتكامل الذي يبذل ويفرد له من الميزانية ما يعين على إنزاله إلى أرض الواقع وستكون الوزارة هامشية في ظل إغفالها وغض طرف الحكومة عنها فإنه ما لم يتم تخصيص قدر معين من الموازنة محدد أوجه الصرف في إنشاء وإرساء البنى التحتية للثقافة من مسارح ودور سينما ومكتبات عامة وتشجيع للكتابة وتمكين للطباعة لن تكتب لها قائمة وإن تسنم ذراها أساطينها. لأجل هذا أقول لمن علت أصواتهم احتجاجا على تعيين أحمد بلال عثمان وإبعاد السمؤال هونوا على أنفسكم ولا تحلموا بتطور وتقدم في مضمار الثقافة ما دامت لا تقوى على التحرك قيد أنملة عن ذيلية سلم أولويات الدولة التي ترهقها الصراعات القبلية والحروبات الأهلية والخروقات الخارجية وأدعو كل الذرافين للدمع مدرارا على ذهاب القريش أن يسألوا أنفسهم ماذا فعل إبان توليه أمر الوزارة فالإجابة التي أتوقعها تدفع إلى ذهني رائع قول جميل بثينة (بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ). أما أمر الإعلام عندنا فيحتاج إلى إفراد مساحة أخرى لمناقشة قضاياه ومعضلاته التي أمسكت آلتنا الإعلامية عن التقدم والتميز على كثرة ما يفرد لها على الأقل في الشق الحكومي الذي ما زالت مؤسساته الإعلامية تسبح في يم التخلف الذهني وعدم القدرة على مواكبة التطورات الفنية في شتى ضروب فنون الإعلام الذي أكثر ما أضر به وأمسك به عن اللحاق برصفائه سياسة التعتيم والتعمية في ظل الانفتاح المعلوماتي الذي يعيشه العالم وهذا أمر آخر نتطرق له في مرة لاحقة بإذن الله . وكان الله في عون أحمد بلال عثمان الذي أرجو ألا يحاكي تعيينه وتوليه وزارة الثقافة والإعلام قصة ذلكم الرجل الذي تعارك مع (المرفعين ) وتمكن من الإمساك بأذنيه فأمن شره فحاول التخلص من (المرفعين) بالاستعانة بأحد المارين بأن يمسك بأذني المرفعين حتى يتمكن من قضاء حاجته فلما أمسك بهما ذهب الرجل بعيدا عن من استأذنه في الإمساك ملوحا بعبارة مع السلامة فهنا جن جنون الممسك أذني المرفعين وطفق ينادي عليه (يا زول تعال لمرفعينك دا فرد عليه صاحبه يا أخوي كان مرفعيني فكوا ).