نهاية الانتخابات ،اغلاق الصناديق وفتحها مرة أخرى من قبل لجان الفرز لتحديد الفائزين او من يحق لهم تحديد مسار الوطن في مستقبل ايامه ،المستقبل الذي تحيط به مجموعة من التحديات ترسم بدورها خارطة جديدة قد تكون هي التي وجد فيها الوطن منذ رفع راية استقلاله او قد تكون جديدة في تفاصيلها وحدودها وحتى المقيمين فيها. سيناريوهات متشابكة ومتداخلة وغامضة سيتشكل على اساسها الواقع السياسي بالسودان في اعقاب الانتخابات وهو ماحدده مجموعة من المراقبين المحايدين للعملية الانتخابية والتابعين لمركز سالمة لمصادر ودراسات ودراسات المرأة، وتبدو اول هذه الاحتمالات واكثرها قربا للواقع بقاء النظام السياسي في حالة الجمود مع عدم قدرة ورغبة في انجاز اصلاحات حقيقية سياسية واقتصادية في بنيته، الاحتمال الثاني حدوث قدر محدود ومقيد من التحسينات مع الحفاظ على البنية الاساسية ووظائفه التي لا تسمح باي قدر من التغيرات الحقيقية ، والاحتمال الاخير هو ان يتم انجاز تغيرات واصلاحات حقيقية مع وضع قوانين متدرجة تحمي مصالح القوى الحاكمة وهو الامر الذي يعني بداية دورة جديدة من الصراع السياسي الداخلي . السيناريوهات التي رسمها المراقبون التابعون لمركز سالمة ترتبط ارتباطا وثيقا بعدد من المتغيرات على الساحة السياسية والتي ستحدد بشكل قطعي كل مآلات المستقبل في سودان مابعد الانتخابات ويأتي على رأسها بالطبع واكثرها اهمية مسألة التصويت على حق تقرير المصير بالجنوب ووضوح الرؤية حول خياري الوحدة والانفصال والثاني هو الامر المتعلق باتساع هامش الحريات وترسيخ قيم المشاركة والعدالة والثالث زيادة المشاركة المجتمعية في صنع السياسات الاقتصادية والتنموية وهي مايمثل الحصيلة العملية لمجمل ماسبق من مراحل واستحقاقات. وفي ظل زيادة المخاوف من اعادة انتاج الازمة السودانية بشكل جديد ومغاير في ظل المعطيات الماثلة الآن وخصوصا التراجع الواضح الذي برز في صفوف الحركة الاجتماعية والسياسية في تجربة الانتخابات الحالية. وتم في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمباني المركز بالخرطوم تناول عملية تقييمية للانتخابات عموما وتوضيح اماكن الخلل حسب ماتبدي لمراقبيه الذين انتشروا في مراكز متعددة في ولايات الخرطوم والجزيرة ونهر النيل وجنوب دارفور وشمال كردفان، باعتبارهم احدى منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان والتي تمثل الانتخابات احدعواملها الرئيسة وتمثل كذلك ركيزة من ركايز الاستقرار السياسي ومحورا هاما لتطور النسق الاصلاحي وتعتبر نزاهتها محفزا رئيسيا لتماسك المجتمع . ومع اقتراب عملية الانتخابات من نهايتها المفترضة فبلابد من الاشارة لعدد من النقاط المهمة والتي كان لها تأثير كبير على مسارها وسيحدد مسارات الاحداث اللاحقة وسيناريوهات المستقبل للبلاد وهو الامر الذي سيتم تناوله من كافة الجوانب التي وافقت العملية الانتخابية او المؤثرات الفعلية على خيارات الناخبين والتي تمثلت في المناخ السياسي السابق للعملية، فقد افضت المواقف المتضاربة لقوى المعارضة مشاركة ومقاطعة لخلق حالة من الارتباك وسط قواعدها وفي الشارع العام الذي عاش حالة من الترقب الحذر وهو ماقلل من طموح عدد كبير من القوى الاجتماعية الحية ومساهمتها في احداث تغيير على الواقع وغياب هذه القوى من المشاركة افرغ العملية من مضمونها وغاب التنافس الامر الذي برز وبشكل واضح من خلال النتائج الاولية التي تم الاعلان عنها .العامل الآخر كان هو عامل الضعف البائن في استعدادات المفوضية القومية فالفوضى وكثرة الاخطاء كانت الملمح العام الذي ميز العملية ومن خلال مراقبتنا تبين لنا عدم المتابعة والاشراف من قبل المفوضية وكل الامر تحت تصرف الموظفين والذين لم يخضعوا لتدريب كافٍ يمكنهم من ادارة العملية بشكل سليم، وحدثت مجموعة من التجاوزات تمثل عدم الالتزام ببداية الاقتراع في بعض المراكز والاخطاء الفادحة وتبديل الدفاتر وسقوط اسماء المرشحين وكل هذه المشاكل حدثت بسبب عدم إلمام الموظفين بالقانون ،ويضاف لذلك بعض الاخطاء الظرفية والزمانية المرتبطة بسير الاقتراع والفرز وهو مايعني ان المفوضية تعتبر المسؤول الاول عن هذه الاخفاقات ولكن لايمكننا القول بان حالات تزوير قد حدثت في العملية وانما حالات الاخطاء الواسعة هي ما أثر على مسارها .وانطلاقا من دورنا الرقابي يمكننا القول ان ماحدث من تجاوزات قد لايرتقي الى مستوى الاتهامات بالتزوير او الفساد الانتخابي وعلى الرغم من وجود حالات كان يجب التعامل معها باعتبارها جرائم انتخابية ولكن الامر تم التعامل معه في اطار الثقافة السودانية وباركوها ياجماعة يضاف لهذه العوامل عامل على درجة بالغة من الاهمية وهو العامل المتعلق بفرق الرقابة الدولية وتصريحاتها المتعجلة حول نزاهة وشفافية العملية الانتخابية وخلوها من العيوب والتجاوزات دون الوصول للحقائق كاملة في اعقاب انتهائها واعلان النتائج. وكان هذا الخطأ قد تكرر في التجربة الكينية ففي الوقت الذي جزم فيه العديد من المراقبين الدوليين على سلاسة ويسر العملية ولا يوجد مايعترضها حتى انفجر الوضع وفقدت السيطرة عليه وتحول لكارثة وهو الامر الذي كان يحتم عليهم المزيد من التدقيق قبل اعلان الاحكام والرجوع لتقارير الجهات المحلية الامر الذي لم يحدث وبدأت تقارير المراكز الاجنبية تبشر بنزاهة وحيادية الانتخابات والمتابع لتصريحات كارتر يجد انها اتخذت من اجتماعاتها مع لجان المفوضية مصدرا اساسيا وكان تواجدها الميداني ضعيفا وهو الامر الذي يدعو للريبة والشكك في خطوات تلك الجهات وغموض مواقفها يؤكد على غياب اي شكل من المهنية في عملية الرقابة الانتخابية ،وهو الامر الذي ربما يؤكد على صحة الافتراضات القائلة بوجود اشياء اخرى من جانب هذا المركز مالم يحدث تبديل وايجاد تفسير موضوعي لهذه المواقف التي اتخذها مركز كارتر وهو مايتطلب اتخاذ موقف واضح من قبل المنظمات الوطنية فيما حدث من مؤسسات الرقابة الدولية من مواقف ،الامر الذي بدأنا خطواته ولم تتضح فيه الرؤية بعد. ومن ناحية اخرى فان اهم مايمكن الاشارة له ان التجربة الانتخابية دللت وكشفت بوضوح على ضعف الارادة السياسية للعديد من القوى السياسية التي اختارت الانزواء بعيدا عن الحراك السياسي الايجابي والمشاركة الفاعلة في عمليات تحديد مسارات الواقع السياسي ورسم خطى المستقبل الوطني ودللت كذلك على النقص الكبير في التعبئة المجتمعية لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية من خلال اتساع الهوة مابين الهرم والقاعدة في المؤسسات الحزبية وهو مايبدو ماثلا من خلال الخارطة السياسية في مقبل الايام وهو مايعني ان المعادلة السياسية لن تشهد تبدلا كبيرا وربما تظل على وضعها الماثل منذ عشر سنوات دون تعديل يذكر ،وربما وجدت بعض الفروقات في طبيعة التحالفات والتي تحدد حسب صاحب الاغلبية في الموسسات التشريعية وهو مايعني ان مجمل السيناريوهات ستقوم على اساس التناقضات القائمة مابين اطراف العملية السياسية وهو مايحدد احتمالات المستقبل وسيناريوهات القادم التي حددت من خلال فرضية الرغبة في التغير من قبل القوى المسيطرة سابقا والتي بدأت النتائج تظهر عودة المؤتمرمرة اخرى للامساك بمقاليد الامور وفق الشرعية الانتخابية ،وهو مايعني ان رسم سياسات وسيناريوهات المستقبل سيكون في يده وبعيدا عن مرمى القوى التي وصفها التقرير المحايد بانها ضعيفة في التأثير مع تداخل العوامل الاخرى ذات التأثير الفاعل، ويأتي على رأسها حق تقرير المصير وحلحلة قضية دارفور باعتبارها اهم استحقاقات تواجه تلك الحكومة وهو مايحدد اتجاهاتها نحو القوى الأخرى من عدمها وعملية تشكيل حكومة عريضة ذات تمثيل عالي ام الامساك وترك خيوط اللعبة عند جهة واحدة تحدد مسار الوطن وسيناريوهاته المستقبلية.