في خطوة مفاجئة للمراقبين وقعت كل من دولة الجنوب واسرائيل أول اتفاقية للتعاون المائي بينهما وذلك في حفل كبير أقيم فى الكنيست قبل يومين بمشاركة كلٌّ من وزير المياه والطاقة الإسرائيلى عوزى لاندو ونظيره الجنوب سودانى أكيك بول مايوم. وكشفت الإذاعة العامة الإسرائيلية «ريشيت بيت» أن تل أبيب وجوبا وقعتا في تلك الليلة أيضًا على عدة اتفاقيات عسكرية يتم بموجبها تصدير هيئة الصناعات العسكرية الإسرائيلية لجنوب السودان أسلحة ومعدات عسكرية، بجانب مساعدتها فى تنقية المياه، ونقلها لإسرائيل. واثار نبأ توقيع الاتفاق ردود افعال بالغة الحدة في العالم العربي ، وفي دولة مصر على وجه الخصوص، فقد اعتبرت وسائل الاعلام المصرية الاتفاق بين جوبا وتل ابيب بمثابة « وضع ليد اسرائيل على مياه النيل»، فيما تخوفت رصيفاتها العربية من ان يكون ذلك التوقيع بداية لتغلغل الكيان الصهيوني في شرايين الدولة الوليدة. ورغم ان دولة اسرائيل قد اعربت، على لسان وزيرها للمياه، عن بالغ سعادتها بهذا الاتفاق، واكدت على نيتها في أن تقدم كل ما تملكه فى سبيل مساعدة جنوب السودان، معتبرة إياها من الدول الصديقة، فان الوزير الإسرائيلى اقترح على نظيره الجنوب سودانى أن يكون هناك تعاون ثنائى بين الجانبين على صعيد اخر يتم بمقتضاه نقل النفط الجنوب سودانى إلى معامل التكرير الإسرائيلية فى حيفا لتكريره هناك بجانب نقل المياه الجنوب سودانية لتل أبيب، مؤكدًا أن هذا هو السبيل الوحيد لحل أزمة نقل نفط جوبا التى تعانى منها الدولة الوليدة. وفي الخرطوم اظهر مراقبون ومتخصصون في ملف المياه بحوض النيل حذرا واضحا في التعليق على نبأ توقيع هذا الاتفاق بين جوبا وتل ابيب، فقد اشار الدكتور أحمد المفتي عضو وفد الحكومة السودانية في مفاوضات مبادرة حوض نهر النيل والخبير الدولي المرموق في مجال المياه، ان طبيعة هذه الاتفاقيات الموقعة بين اسرائيل والجنوب لم يرفع النقاب عنها، مما يجعل من تناولها بالتعميم امرا غير منطقي، ولكن المفتي أمن من حيث المبدأ على حق جنوب السودان، كدولة في حوض النيل، في استخدام المياه بالصورة المتعارف عليها دوليا، واقامة مشروعات على النيل شريطة ان لا يتسبب ذلك باضرار لدول حوض النيل السفلى « مصر والسودان»، وهو ما يتعارف عليه بالاخطار المسبقة، غير ان الخبير الدولي عاد واشار الى ان ذلك الحق لا يبلغ تحت اي ظرف من الظروف مسألة بيع المياه او نقلها خارج دول الحوض، لانه يتعارض مع القانون الدولي ويخرق كل الاتفاقيات والمواثيق الموقعة، مشددا على ان كل القوانين الدولية والعرف الدولي يمنعان حتى مؤسسات التمويل العالمية من تمويل مشروع خلافي بين دول حوض النيل، ولكل هذا فان الدكتور المفتي لا يري دواعي للقلق من اي اتفاقات تعقدها دولة الجنوب مع اسرائيل اوغيرها طالما كان هنالك اطار يحكم عملية التنفيذ، ويضمن عدم خرق المواثيق والاتفاقيات بين دول الحوض. ولا يذهب مصدر مطلع بوزارة الري بعيدا عما تفضل به المفتي، فالمصدر الحكومي يؤكد بدوره حق « جوبا» في توقيع اي اتفاقيات مع من تشاء كدولة ذات سيادة، لكنه يشير ايضا الى ان السودان « معني بان لا يضار من مثل تلك الاتفاقيات»، وخاصة ان كانت تدور حول مياه النيل، وتابع المصدر الحكومي قائلا : لا يستطيع احد ان يمنع الجنوب من اقامة علاقات مع اسرائيل، ولكن يجب التيقظ لئلا تضار بلادنا منها، وهنالك من القوانين والاعراف الدولية ما يمنع حدوث ذلك في المياه. ولكن اللافت ان المصدر الحكومي اوضح ان الحوار بين «جوبا» و» الخرطوم» حول ملف المياه متوقف في تاريخ يعود لقبل الانفصال، وذلك بسبب وضعه في ذيلية اولويات التفاوض، والتي تصدرتها الملفات العالقة. ولم يكن متوقعا من دولة الجنوب غير ان تسعى لتهدئة المواقف العربية، الناجمة عن التوقيع، ودافعت « جوبا» عن موقفها من التعاون مع اسرائيل وتوقيع الاتفاق الاخير بالاشارة الى إنه « امر عادي بينها وإسرائيل و تم بين دولتين تعترفان ببعضهما البعض». وقال القيادي في الحزب الحاكم اتيم قرنق في تصريحات للصحافة العربية «لا أعرف لماذا يتخوف العرب من علاقاتنا مع إسرائيل وهناك صف طويل من الدول العربية في تل أبيب وتقيم معها علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين إسرائيل ومصر». وتبرم اتيم قرنق من عدم ايلاء الدول العربية الاهتمام الكافي للجنوب، مشيرا الى ان الدول العربية لم تتقدم لفتح علاقات مع جنوب السودان ولم تبد أي اهتمامات به. وأضاف «بالعكس دائما ما يقف العرب مع دولة السودان في الحق والباطل ولا يسعون لخلق علاقات جيدة معنا فماذا نفعل سوى أن نسعى إلى الآخرين بما فيهم إسرائيل». ولكن المحك الحقيقي كما يشير مراقبون الذي سيواجه العلاقة بين دولتي السودان ومصر من جهة ودولة الجنوب من جهة اخرى، سيكون ان ادرجت الاتفاقيات الموقعة اخيرا بين جوبا وتل ابيب حول نقل المياه وتنقيتها في حيز التنفيذ.