كان لإعادة البناء البيريسترويكا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي ثم تفكك المعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوڤيتي (العظيم) كما كانوا يقولون يومئذٍ مردوده العقدي والسياسي السالب على الأحزاب الشيوعية ومكوناتها في العالم، فانزوت وخفت صوتها بل بدأت في البحث عن بدائل بما فيها الاسم والهوية. وذلك بتقديرنا شيء طبيعي وسنة الحياة أياً كانت المغالطات والمماحكات من البعض لا ريب. ومن يرقب التطورات الجارية في الجمهورية العربية السورية اليوم وحزب البعث العربي الاشتراكي قد وصل بالبلاد وشعبها إلى هذا الحال والحزب في الخارج دعك من الداخل في حالة صمت وسكون مريب لابد أن يقول ان ذلك سيؤدي الى زوال المعتقد والفكرة بزوال دولة الحزب هناك وهو على هذا الحال.. لقد كان حزب البعث العربي الاشتراكي في السابق ناشطاً في الساحة السياسية العربية وله صوته العالي وان لم تكن له جماهيرية تصل به الى سدة التشريع والرقابة..! واليوم مع تطور الأوضاع وتصاعدها سلباً في سوريا والحزب في حالة صمت مريب مؤشرات تقول بأنه قد انتهى إلى اسوأ مما انتهى إليه اليسار الشيوعي. فالحال هناك هو الحال اليوم مع الفارق الذي يقول بأن الأحزاب الشيوعية وتوابعها قد كان لها يومئذٍ صوتها وهي تلتئم في ذلك الوقت المبكر في احدى عواصم دول أوروبا الشرقية لتفحص وتدرس المتغيرات. وعلى خلاف ذلك فإن حزب البعث لم يرفع أصبعه يوماً واحداً بالاحتجاج أو عدم الموافقة على ما يجري في سوريا مما جعل الجيش النظامي في الداخل ينشق وينحاز إلى الجيش الحر المعارض اسوة بجماهير سورية داخلية وخارجية كبيرة اعترضت على سياسات النظام الحاكم وتدابيره القاسية التي اتخذها ضد شعبه ومن ثم أطاحت بكل مقومات الدولة ومن أهمها الوحدة الوطنية والمقومات الأخرى الدفاعية والأمنية. هنا في السودان أو في أي مكان آخر لم يخرج حزب البعث في تظاهرة سياسية أو إعلامية ضد ما يجري في الجمهورية العربية السورية التي كانت أنموذجاً للحزب في الحكم يحاول أنصاره وقياداته تطبيقه في بلادهم أو التعبير عنه والنطق به والحراك باسمه. فالعقيدة البعثية فيما يبدو غير قابلة للنقد أو كشف الحال عندما يكون ذلك لابد منه. إن حزب البعث العربي الاشتراكي والحال كذلك يعد في حالة (موات سريري) إن لم نقل حقيقي..! ذلك أن المتغيرات في سوريا التي هزت العالم والعالم العربي ودول الجوار وشعوبهما بصفة خاصة قد سكبت عليه ماءً بارداً لا يستطيع منه فكاكاً أو حراكاً. وهذا في ظل ما أوردنا ليس رجماً بالغيب أو انتهاز فرص..!. الأسد وحزبه ونظامه الحاكم لعقود طويلة وموروثه سيرحل لا محالة وكيفما كان الحال الذي لا يبدو أنه سيكون هيناً كرحيل بن علي أو حسني مبارك أو علي عبد الله صالح، فالأسد وقد فعل ما فعل لم يمش على ذلك الطريق وانما اختار طريقاً هو الأسوأ سياسياً وأمنياً وأخلاقياً وهو طريق الإبادة الجماعية وحرق الموارد من مادية وبشرية وخلافها. عام ونصف أو أكثر مضى على ما يجري حتى وصل الحال إلى ما وصل إليه وقد هزّ ذلك كما قلنا الجميع إلا حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان وغير السودان والإتحاد الروسي بطبيعة الحال وحزب الشيخ نصر الله في لبنان.. وعلى ذكر الشيخ نصر الله وحزب الله وقد كان لهما موقعهما من الأمة الإسلامية والعربية في المنطقة نقول ان الرجل (لم يحسبها صح..!) كما يقول الاخوة المصريون فقد أصابه مما يجري في سوريا الكثير مما هو سالب وله مردوده السيء. ذلك أنه منحاز إلى الرئيس بشار ونظامه بالكامل.. فالذي هز العالم وحرّك من كان ساكناً لم يهز الشيخ نصر الله أو يحركه وهذا أيضاً خطأ سياسي وأمني ومعتقدي. فالأسد بما فعل كان له موقف ضد المسلمين في بلده وكان بذلك أيضاً قد قدم لاسرائيل هدية هي أن سوريا التي كان لها موقعها وموقفها من الصراع العربي الاسرائيلي قد خرجت الآن من تلك المنظومة من حيث الامكانات والموارد وسينعكس ذلك سلباً على الشيخ نصر الله وحزبه (حزب الله) لا محالة. إذ كل مجد الشيخ نصر الله ومكاسبه الداخلية والخارجية قد كانت بالموقف الصارم ضد اسرائيل والنصر عليها في حرب يوليو تموز 2006م ووقوف الكثيرين إلى جانبه بعيداً عن الانتماء الطائفي والعرقي الذي يعرف عن الشيخ نصر الله وجماعته ذات المذهب الشيعي. إن رحيل الأسد وهو تبعاً للمعطيات وشيك لا يعني رحيل الأسد وحده وانما رحيل حزب البعث العربي الاشتراكي فكراً ومعتقداً وحراكاً وحضوراً على الساحة العربية. ولعل ذلك ما يلحظه المراقب الآن. فالحزب لم يعرف مذهب (الرأي الآخر) داخل الحزب.. ولم يتحرك يوماً على نحوٍ يعبر عن ذلك. فقد ضجت وعجت الفترة الاخيرة في مجتمعنا الحزبي والسياسي السوداني بالمذكرات الاحتجاجية والاعتراضية إلا أننا لم نسمع شيئاً من ذلك في حزب البعث العربي الاشتراكي لأن الحزب مع الاعتذار (ميت) ولا يعرف الانبعاث إن جاز التعبير.. فمن لم يهزه أو يحركه ما جرى ويجري في الجمهورية العربية السورية لابد أن يكون ميتاً حقاً. فالجامعة العربية بما عرف عنها من حراك ضعيف في كثير من الأحيان قد هزها الحال في سوريا فاتخذت مواقف تشكر عليها وتذكر لها أسوة بمنظمات عالمية اقليمية أخرى. وآخرها الطلب إلى الأسد بالرحيل السلمي الآمن.. تداركاً لما جرى وقد يجري. ولكن من يقل لحزب البعث العربي الاشتراكي في السودان (البغلة في الإبريق..!) قبل أن يرحل هو الآخر مقتدياً بالأسد..؟!.