اذا صحت التسريبات الواردة من مقر الاتحاد الافريقي بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا، فإن توقيع وفدي السودان وجنوب السودان لاتفاقية بخصوص رسوم مرور النفط يعتبر ضربة البداية نحو توقيع اتفاقية سلام متكاملة الجوانب تسمح بمعالجة العديد من القضايا العالقة بين الطرفين ومن ضمنها كيفية معالجة الوضع الانساني علي الحدود بين البلدين والناجم عن اندلاع القتال بين القوات السودانية وقوات الحركة الشعبية قطاع الشمال في كل من ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق . ان تحسين الوضع الانساني في تينك المنطقتين يكفي الحكومة السودانية شرورا كثيرة فعوضاً عن استتباب الاوضاع الامنية فيهما تبعاً لاستقرار حركة المواطنين، تتلاشي بذلك مخاطر التدويل المحيطة بالمنطقتين علي خلفية الكوارث الانسانية التي شهدتها تلك المناطق عقب تفجر القتال المسلح وجريان الكثير من المياه تحت جسر الازمة . لقد رحب الجميع ببوادر الاتفاق الشامل الوشيك بين الشمال والجنوب الامر الذي يبشر بقرب انفراج الازمة الاقتصادية في البلدين والتي ساهمت في خلق مناخ غير مواتٍ، وتسببت في توتر الاوضاع الداخلية في الخرطوم وجوبا بما يشبه اقتراب مرحلة شيوع الاضطرابات المفضية الي صناعة الربيع العربي في الشمال والانقلابات الدموية في الجنوب ، وحينما نقول رحب الجميع فهذا لا يعني ان الجميع راضون عن هذا التقدم الملموس فقد انبرت جهات عديدة مغرضة لم يعجبها توصل الاطراف الي اتفاق حول النفط فطفقت تتحدث عن عدم موافقة الحكومة علي التفاوض مع قطاع الشمال وكأنها تريد قطع الطريق علي اي تقدم مضطرد في المفاوضات القادمة فيما يخص المسائل الامنية ، انه إفتئات لا يخفي علي المراقبين وهؤلاء اذا كانوا يراهنون علي مضي الحكومة في نهج الاقصاء لابناء السودان فرهانهم خاسر؛ لان الحكومة السودانية تبدو اليوم انضج من اي وقت مضي وبالتالي انتهي زمان المناورات وحان وقت حل مشاكل السودان ككل في دارفور وأبيي وجنوب كردفان والنيل الازرق وشرق السودان ، يجب ان تعالج جميع الازمات حتي لا تصبح حكومة الخرطوم مثل حمار الساقية تدور حول المفاوضات الاحادية مع كل الاطراف التي تحمل السلاح، وحينما توقع علي اتفاقيات معها يأتي النقض فتهب جهات لحمل السلاح ثانية وهكذا دواليك . لقد انتهي عهد تمييع الازمات السودانية ولم يعد الظرف يسمح بالمزيد من التسويف او الترويج لادعاءات المدعين بأن ارض السودان ملك لرهط من الناس يفعلون بها ما يشاءون، يقبلون التفاوض مع هذا ويرفضون التفاوض مع ذاك وكأنهم يملكون من الامر شيئا ، وتارة يخوفون الناس عبر رفع قميص العنصرية البغيض وتارة يزعمون انهم اولياء لله من دون الخلق فيما يقضي الالاف من النساء والاطفال والعجزة نحبهم بسبب الجوع والعطش والمرض وثمرات سياسة الارض المحروقة، ويفقد الملايين المأوي والامن والاستقرار لا لذنب جنوه سوي التصنيف الاثني والعرقي الاهوج . ان التقدم الملموس المحرز في المفاوضات بالامس الاول يجب ان يشجع ويعضد وصولاً الي توقيع اتفاقية سلام شامل مع جنوب السودان بما يقود ليس الي رفاهية قسم من سكان السودان علي حساب الاغلبية المسحوقة، ولكن بحسابات ميزان العدالة الراجح حتماً ولو كره المطففون بحيث تنقشع جبال سحب الغلاء والبلاء الذي اهلك السكان في الشمال والجنوب، ويضع الجميع من حملة السلاح اسلحتهم الثقيلة والخفيفة علي الارض من اجل مستقبل افضل لانسان السودان الذي ظل يرزح تحت نير الحكم الاستبدادي والحروب الاهلية عقوداً متطاولة دون ان يستحق ذلك الشقاء المستمر . وبغض النظر عن السعر المخفي المتفق عليه بين الجانبين لمرور النفط عبر اراضي الشمال، فإن البركة ستكون في هذا السعر لانه ساهم حتي قبل ان يدخل الي حيز التنفيذ في هبوط سعر صرف الدولار في السوق الموازي، الامر الذي يبشر بانفراج كبير في مجمل الاوضاع الاقتصادية في الشمال والجنوب علي حدٍ سواء .