حينما تقذف بك الأقدار بعيداً عن ءسوار الوطن، تكون في شغف وشوق لكل ما يربطك بوطنك مهما اشتد فيه شظف العيش، وفي زمن تعددت فيه القنوات الفضائية السودانية، اضحى هناك متكأ يمكن ان يعوض شيئاً ولو قليلا عن دفء الوطن.. وخلال شهر رمضان تستبق الفضائيات لحشد برامجها، حيث ترتفع نسب «الفرجة»، ورغم ذلك بقيت المساجد مكتظة بالمصلين. حينما نجد متسعا من الوقت «الضاغط في الغربة» نمسك «الريموت»، لنتجول عبر الفضاء السوداني، وعقب انتهاء صلاة التراويح في السعودية، تكون صلاة التراويح في السودان في بدايتها، حيث تنقل الفضائية السودانية الصلاة من مسجد سيدة سنهوري الذي يؤمه صاحب الصوت «الجميل» الشيخ الشاب الزين محمد احمد، غير ان القناة تعمد لقطع الصلاة قبل اكتمالها، وتقدم مباشرة «مدحة» أو إعلاناً «لمرقة دجاج»!! أما قبل الإفطار فيقدم التلفزيون السوداني «الكاميرا الخفية» مع الممثل ربيع، وهو قد نجح من قبل في عمل تلفزيوني سجله بسوريا، غير ان الذي يقدمه الآن عمل «فطير» ويتجلى ذلك حينما يمسك بضحيته ويشير الى انها الكاميرا الخفية، في محاولة يائسة لانتزاع «الضحك». أما فضائية النيل الأزرق، فهي تصر على السهر في أحد فنادق الخرطوم.. وفي ذات ليلة فرضت على مشاهديها أن يعرفوا كيف يحب بعض مذيعي القناة والديهم، حينما أمسك كل مذيع بوالده ومضى يقبل رأسه، والبعض بكى من فرط الحب.. وهو أمر «عجيب وغريب»، فهل حبنا لوالدينا يحتاج إلى أن نعرف به الآخرين بل ونقدمه على الهواء مباشرة!! أما برنامج «أغاني وأغاني» فإن لم نتابعه فقد بلغت اصداء المعترضين على زمن بثه الآفاق وكفى!. وتتفرد قناة «الشروق» كما هي عادتها من خلال حكايات سودانية، حيث مضت تنقل حياة الناس «بلا تكلف وبأقل تكلفة» بعيداً عن ضخامة الاستديوهات، ومن خلال حكايتها الضاربة في العمق السوداني، يمكن أن تقف ببساطة على كيف يحيا الناس في الريف وكيف يتواصلون ويتفاعلون.. وقد أفلحت القناة في هزيمة قصة شح «المال» لدعم الدراما السودانية، وعرت الذين يصرون على ان ضعف الدراما السودانية سببه شح المال، وهم ظلوا لعقود طويلة لا يغادرون حوش التلفزيون السوداني، ينتظرون السماء ان تمطر ذهبا وفضة!! نعم افلحت قناة «الشروق» في أن تجعل المشاهد يكاد يستنشق هواء الطبيعة في الريف، ويتلمس جدران بيوت الطين العتيقة، وهي أيضاً تتألق في برنامج «مع الود والتقدير» والذي نتمنى ان يصل الى جميع «المتعففين في بلادي». وفي القنوات السودانية الاخرى ومن خلال «المرور السريع» يتجلى أن الفكرة غائبة عن كثير من البرامج التي يتحول فيها مقدم البرنامج فجأة الى مغنٍ، والمغنية لراقصة تتمايل في فعل لا يتوافق مع حرمة الشهر الفضيل او حتى يشابه النهج الاجتماعي المحافظ. عموماً سنظل نمسك ب «الريموت» كلما سنح لنا الوقت حتى نقترب من السودان في كل فصوله.