يرقد طريح الفراش الأمير عبد الرحمن نقد الله منذ سنوات مضت ودعوات المحبين تترى ليلاً ونهاراً لينهض من سباته ليملأ أجواء الوطن مرة أخرى بالفخر والاعزاز والفداء. ان الأوطان دائماً ما تكون ولودة بمحبيها والباذلين النفس والنفيس في شأنها. لقد خشيت أن يفوت على جيلنا ما تجلى في الأمير عبد الرحمن من نفائس العشق بالوطن ومن أهوال ما ذاقه في سبيل وطنه فكان دائماً عصى المواقف في سبيل وطنه ودينه ولعل هذا الصنيع كان منطلقاً من أسرته أباً وجداً اللذين وهبا نفسيهما فداء للوطن. الأمير نقد الله الأكبر والذي تقلد هذا اللقب مع الأعاصير العاتية التي واجهت المهدية خاصة عند مواجهتها للغزو الغادر حين أصابت أعيرة المدافع ودانات الصواريخ الآلاف المحتشدة لتبيدهم وتفرق شملهم ليشهد نقد الله الدراما الأخيرة التي ألمت بأسرة الامام المهدي عليه السلام عندما حطت باخرتان مدججتان بالجند والسلاح عند شاطيء (قرية الشكابة الخليفة شريف) لتصوب رصاصها نحو آخر ثلة من الأنصار كانت تحيط بأبناء الامام المهدي عليه السلام الفاضل والبشرى وعبد الرحمن وعمهم الخليفة شريف خليفة علي الكرار ولم تكتف القوة بما أزهقت من أرواح فأخذت الخليفة شريف وأبناء الامام المهدي الفاضل والبشرى إلى ظل شجرة جميزة وحكم عليهم جميعاً ميدانياً بالاعدام ورموهم بالرصاص ولم يكتفوا بقتلهم فأخذوهم وأثقلوا بالحجارة وعبرت بهم الباخرة حتى منتصف نهر النيل الأزرق ورموا بجثامينهم إلى قاع النهر حتى لا تزار قبورهم واطمأنوا انهم قد أجهزوا على كل أبناء المهدي ونسوا ان هناك طفلاً لم يتخط الثانية عشر من عمره مازال حياً رغم اصابته في صدره وهو «الإمام عبد الرحمن». هذه الفاجعة التي تعرض لها بيت المهدي لم ترق للأمير نقد الله الأكبر ومحمد طه شقدي في مدني فأشعلت في صدورهما نيران الوطنية الحقة وألهبت فيهم كريم الخلق السوداني بعد أن شاهدوا بقية العائلة وأغلبهم من النساء يقتاتون من أوراق الشجر في حراسة مشددة بقرية «البرياب» فذهبا في شجاعة ونكران ذات إلى الحاكم العام وأقسما أمامه بأنهما لن يقبلا بما يجري لهذه الأسرة وضمنا للحاكم العام المحافظة على الأسرة وابعاد الأنصار من التحلق حولهم فاستجاب لطلبهم على أن تقيم الأسرة لدى محمد طه شقدي بجزيرة الفيل وعلى أن يقوم محمد طه شقدي بترحيل الامام عبد الرحمن «الصغير» إلى مبنى المديرية كل صباح ليكون تحت الرقابة حتى الظهر فخصص شقدي حماراً يركبه حتى المديرية ويرجع به وظل الأمير نقد الله بجانبهم يشد من أزرهم ويزرع الآمال في صدورهم ويولي الامام عبد الرحمن اهتمامه حتى امتشق عود الأنصار مرة أخرى على يديه.ولعل الأخ النور جادين لم يدرك هذه المسيرة القاصدة التي ورثها عبد الله عبد الرحمن نقد الله عن أبيه فحمل ذلك التاريخ بين يديه مفجراً مع الامام عبد الرحمن عبق المهدية مرة أخرى مسانداً له في غير طمع لمنصب أو مال مجدداً أصول الثورة المهدية حتى حكم عليه بالاعدام في أول مارس 1956 شأن ابنه عبد الرحمن الذي ذاق نفس الحكم حاملاً مجد أبيه وجده غير مشغول بمال أو جاه حتى سكنت سيرته في قلوب كل الناس خطيباً مفوهاً ومخلصاً حكيماً يده في يد اخوته فكيف مثل هذا الرجل لا يعطي حقه لقد شاهدت السيد الصادق المهدي بين يديه ساعات مرضه في زيارات خفية. إن بعض الخلافات السياسية دائماً ما تقود البعض إلى تلفيق التهم والقاء اللوم على الآخرين فإذا بالجميع يتفاجأون بأن الأمير عبد الرحمن تقدم لامامة الأنصار لقد كنت رئيساً لجلسة (الامامة) في السقاي وأعلم أن ما أسجله هو مسؤولية أمام الله والوطن والتاريخ فقد كان الصادق المهدي عازفاً عن طرق موضوع الإمامة مسبباً في ذلك ما يقابله الوطن من مسؤوليات ملقاة على عاتق الجميع إلا أن الأمير عبد الرحمن نقد الله شفاه الله كان أول المتحدثين في السقاي مقسماً كعادته في قوة وشراسة أنه لن ينصرف من المؤتمر إلا ولديه إماماً يجمع كلمة الأنصار ويحدو بهم منادياً بالصادق المهدي إماماً فكيف يدعى القائل بأنه تقدم لإمامة الأنصار لقد استغل المدعو اختفاء الأمير ليلصق به هذه التهمة ليته كان شافياً لكان رد عليه بقذائف اشتهر بها الأمير الشجاع. ان هذا الوطن تحيط به المكائد وتكيد له الأعداء وتحول دون وحدة أهله الكثير من المؤامرات والدسائس فهو في أمس الحاجة إلى قلوب صافية وضمائر حية وقيم تعلى من هامة الوطن فليتق بعض الساسة الله في وطنهم ولتخرس ادعاءاتهم المطلية بالكذب والخسران فقد وصلنا إلى نقطة نكون فيها أو لا نكون فكيف يفتح الطريق لمثل هؤلاء الذين نقرأ بين سطورهم الحقد والجور ،اننا ليس لنا إلا أن نردد في مساجدنا وفي هذا الشهر الكريم أن يشفي الأمير نقد الله ليكون سنداً للوطن وقاهراً للظلام ومؤسساً لكلمة الحق ومخرساً لألسنة الذين بدأوا في تأليف الأقاويل والاداعاءات عليه وعلى الآخرين ورحم الله ذلك الجيل الذي سبق وعلى رأسهم الأمير نقد الله وابنه عبد الله وابنه محمد الذين فتحوا طريق الوطنية الحقة.. إن أجيالنا الحالية في أمس الحاجة لمعرفة تاريخ بلادهم وأداء أجدادهم لا للفتن والأكاذيب... لقد آن الأوان لتجرد أنفسنا من القيل والقال ولتكن الهمم عالية فنحن نفتقد الأمير نقد الله المسجي حالياً في الفراش نفتقده لأنه ابن لكل السودان ومثال للشجاعة والاقدام والكرم والزهد نسأل الله أن يقيل عثرتنا فيه وأن يمسك عنه أفواه المنتحلين وليس ذلك على الله ببعيد.. وفي هذا الشهر المبارك نذكر كلمات الله التامات: «ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين». صدق الله العظيم