وودتُ لو أن فى هذه البلاد مؤسسات فعالة لاجراء قياس الرأى العام، إذن لتبين لها مقدار السخط الشعبى وردة الفعل السلبية تجاه الشح والتعسير والخشونة التى أعلنت بها عطلة عيد الفطر المبارك هذا العام. اقتصرت الإجازة على أيام الأحد والإثنين والثلاثاء «على أن يزاول العاملون» العمل يوم الأربعاء... لماذا؟ فى الحقيقة لم يكن ثمة من عمل يوم الأربعاء لأن نشرة عطلة الإجازة كانت تعاكس تيار المجتمع ... فالنشرة ألزمت العاملين بالدولة بالحضور للعمل والمجتمع والسوق فى إجازة لا تهمه نشرات الموظفين هذه. قال لى موظف: «لم يكن هنالك عمل يوم الأربعاء ولا يوم الخميس ولا يحزنون ... جئنا للمكاتب تحت نير الإكراه الوظيفى لينفذوا فينا قدرة القوي على الضعيف فقط»!! حتى السوق كان مغلقاً، ووجد العاملون المكرهون على الحضور صعوبة حقيقية فى الحصول حتى على فول الفطور وعلى حافلة المواصلات. يقول بعض العاملين: «نفشونا» من متعة البقاء مع الأهل وألجأونا إلى السفر يوم الثلاثاء للاشئ ... فالمكاتب فارغة ولا جمهور نتعامل معه، وبدلاً من الأنس الطبيعى أيام العيد مع الأسرة والأهل فى الأوطان الصغيرة اضطررنا إلى المجيء لأماكن العمل لا لنعمل بل لنسمر مع زملائنا المغلوبين على أمرهم مثلنا! حق العاملين فى إجازتي العيد هو: أربعة أيام لعيد الفطر وخمسة للأضحي. وبناءً على ذلك فإنه كان من المفروض أن تكون الإجازة هى: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء، لأن الجمعة والسبت التى قبل يوم الأحد الإجازة هى عطلة روتينية من العمل لا تحسب بأي حال من الأحوال فى عطلة العيد. وكان المفروض لو كان القرار منصفاً أن يكون «النقاش» حول يوم الخميس يعطى إجازة أو يمنع، لكن إقحام يوم الأربعاء فى العمل تعسف غير مبرّر. ويبدو أن متخذ قرار أن تكون الأربعاء يوم عمل شخص حاذق يعرف كل ذلك، فهرب من جعل الخميس «وحده» مجال النزاع، فرأى أن يضيف إليه الأربعاء حتى يصعب على متخذ القرار الأعلى إضافة الخميس للإجازة، بل جعله مضطراً إلى إضافة يومين لو شاء أن يردم «الكوبرى» ليصل به الى الجمعة، وهذا الإداري الحاذق يعرف أن متخذ القرار الأعلى قد لا يتردد فى إضافة يوم واحد للإجازة، ولكنه سيتردد فى إضافة يومين.. ولو استشارت هذا الإداري أية جهة عليا في تعديل الإجازة لكان رده جاهزاً: «إن إضافة يومين كاملين للعطلة سيكلف الدولة كذا وكذا من مليارات الدولارات، وسيعطل كذا وكذا من المصالح، وسيؤثر على ميزان المدفوعات بكذا، وعلى «الناشونال قروث ريت» بكذا». قد يسألني سائل: لماذا تصورت إدارياً من هذا القبيل الذى وصفته «لا بداً» وما هى مصلحته فى إشقاء الناس ونزعهم من بيوتهم فى العيد إلى المكاتب الخالية نزعاً؟ أقول في الإجابة على ذلك أنني مارست في حياتي العامة أنماطاً من هؤلاء الإداريين عبدة «اللوائح والقوانين» الذين يدورون حول ذلك دوران عابد الوثن حول وثنه فى وجد وعشق يحسدهم عليه مجنون ليلى. فهم لا يرون أن اللوائح والقوانين قد صممت لإسعاد البشر، بل البشر قد صمموا «لتطبيق القوانين»!! ومن عجب أن متعسفة الإداريين هؤلاء غالباً ما ينجحون فى تحقيق أهدافهم، لأنهم لا يتكلمون إلا وهم يحملون «كتاب قوانينهم الصارمة» بشمالهم وعينهم على «الضبط والربط» وفى يمينهم «كرباج» العقوبات لكل «مفرط ومتساهل ومتلاعب»!! سخر شاب ممن قابلتهم فى العيد من الطريقة التى قررت بها إجازة العيد، فقال: إنهم غالباً ما يكونون قد استشاروا عجوزاً متنفذاً فقد متعة البقاء بالبيت، ومكان العمل عنده هو مكان المتعة حيث تشنف أذنيه لفظة «يا ريس.. يا ريس» التى يحبها، وهنالك الخدمة النظيفة والكلمات الرقيقة والطاعة العمياء والرطوبة الألف!! ذهب آخرون إلى أن تقليص الإجازة غالباً ما اتخذه إداريون ارتبطت حياتهم كلياً بالخرطوم لا يسافرون خارجها فى العيد لأهل لأنهم لا أهل لهم خارجها. ليتنا كسبنا الإنسان وخسرنا القانون، فالإنسان عندنا فقير وبائس ودخله لا يكفيه، فإذا لاحت بارقة تعويضه شيء من السعادة براحة يوم أو يومين إضافيين لماذا نلاحقه هذه الملاحقه الشرسةُ غير المبرّرة؟ فى السعودية يعطون العاملين عشرة أيام عطلة للفطر وخمسة عشر للأضحي، وهم مع ذلك أغنياء موسرون. أم أن الإداريين الحاذقين خافوا على صحة الموظفين من البقاء فى بيوتهم التى تكتنفها أكوام القمامة غير المزالة ومياه الامطارالراكدة وتحوم حولها أسراب الذباب نهاراً وأسراب البعوض ليلاً، فراوا أن يجروهم إلى مكاتب الحكومة الأنظف نسبياً شفقة بهم ورحمة وعطفاً.