قال الشاعر المخضرم حبيب بن أوس بن الحارث الطائى المشهور بأبى تمام يرثى محمد بن حميد الطوسى فى قصيدته التى سارت بها الركبان وتناقلتها الألسٌن : كذا فليجل الخطبٌ وليفدح الامرٌ فليس لعينٍ لم يفض ماءها عٌذر تُوفيت الأمالٌ بعد محمد واصبح فى شُغلٍ عن السفَرِ السُفُر كان محمد بن حميد الطوسى رجلا واحدا استحق كل هذا المدح بتكاثر صفاته الحميدة و السودان فى الايام الفائتة ودع كوكبة من الاخيار مضوا متتابعين كالاقمار فى موكب حزين ادموا به قلوب الرجال والنساء على السواء، اسالوا دموع العين مدرارا فاصبح كل فرد فى جنوب كردفان بل فى السودان يتأمل موكب الراحلين ويقول لعينيه الدامعتين : بكاؤكما يشفى وإن كان لا يجدى فجودا فقد مضى نظيركما عندى استحق عام 2012 أن نطلق عليه نحن فى جنوب كردفان عام الحزن فبعد التقتيل والتشريد وتخريب الديار التى تعرضت له الولاية بسبب التمرد الاخير وبعد إخلاء مدن وقرى كاملة من سكانها ، ذاق كل بيت فى جنوب كردفان طعم الموت والتشرد والحرمان وضنك العيش حتى ان اهل الماشية ضاقوا ذرعا بماشيتهم واهل الزراعة هجروا زراعتهم واصبحت جنوب كردفان طاردة مع ما يرقد فى باطنها وسطح ارضها من كنوز ، لكن الاشد الما والاعمق اثرا على نفوس الناس هو رحيل كوكبة من الاخيار من ابناء الولاية وابناء السودان الذين يحملون هموم الولاية ، فقبل أن يهدأ روعنا من فقد الشهيد القامة رئيس المجلس التشريعى بالولاية الاستاذ ابراهيم بلندية الخطيب المفوه والقيادى الشجاع ذو النظرة الثاقبة وصحبه الكرام د0 فيصل الرجل الصادق والخبير الاستراتيجى والاستاذ مطر وصحبهما الكرام فى حادثة الغدر الرخيصة فى طريق هبيلا الدلنج قبل ان يهدأ روعنا وقبل ان نغسل اعيننا من الدموع نقلت لنا الاخبار فجر يوم العيد المبارك فجيعة اخرى برحيل مجموعة من الاخيار فى طائرة تالودى التى تضم كوكبة من الاقمار فيها من ابناء الولاية مكى بلايل وحامد الاغبش وعيسى ضيف الله ومحجوب توتو وفى صحبتهم مجموعة من اخيار ابناء السودان ظلوا يشاركون ابناء الولاية السراء والضراء منهم غازى الصادق واللواء ابو قرون والجعفرى وطارق والدكتور على الجيلانى والشيخ محمد البخيت البشير وموكب طويل من الاخيار لكل منهم طعم ورائحة وقصة حتى ان خطباء التابين احتاروا على من يركزون الحديث و ماذا سيسردون من محاسن ، تذكرت وانا اتأمل قافلة الراحلين قول الشاعر نزار قبانى حين قال ان الذى يدخل بستان من الزهر يصعب عليه ان يقطف زهرة ويقول هذه انضر الزهرات واجملها ، و قبل ان تجف مآقى الباكين على شهداء طائرة تالودى وقبل ان نفيق من هول صدمتها ونحن فى حفل تابين الشهيد حامد الاغبش بالمجلس الوطنى نقلت لنا الاخبار الواردة من بلاد الترك رحيل الرجل الامة دمث الاخلاق كريم السجايا لين العريكة ذرب اللسان ثاقب الفكر الصبور الوقور الشكور ضوء القبيلة اخو الاخوان الامير عبدالرحمن كمبال المشهور بالصادق الذى وصفه احد الشعراء المحليين بكلمة جامعة هى (ود الاصالة ) ومضى هذا الشاعر يعدد صفاته الحسنة و يتغنى بها قائلا :الامير دود العدارة المابدور الحقارة ، تكَّاى لجنى الجعارة هدَّاى للبن البكارى بيدى من غير شارة ، رحل الامير كمبال بعد صراع مع المرض تنقل بسببه فى مستشفيات الخرطوم و القاهرة واستنبول التى صعدت فيها روحه لبارئها وترك لنا احزانا فوق الإحتمال. رحل عبد الرحمن وهو فى قمة نضجه وقدرته على المساهمة فى مواجهة المعضلات العديدة التى تواجه التعايش فى مجتمعات جنوب كردفان ، فى يناير من عام 2011م وبعد ان اختار الاخوة الجنوبيون خيار الانفصال دعوناه ضمن آخرين منهم الشهيد مكى على بلايل ليتدارسوا معنا فى مركز دراسات التماس مآلات الاوضاع فى مناطق التماس بعد الانفصال . قدم الشهيد مكى على بلايل قراءة عن الوضع الدستوري لولاية جنوب كردفان ومراحل تطبيق الاتفاقية حيث حذر مكى من ان الانفصال سيخلق تعقيدات جديدة فى جنوب كردفان والنيل الازرق وربما يتعذر إكمال تطبيق الإتفاقية ، قدم الراحل الامير عبد الرحمن كمبال رؤية عن العلاقات الإجتماعية فى منطقة التماس بين شمال السودان ودولة الجنوب مفتتحا ورقته بسؤالين: (1) هل تصلح علاقات الماضي والحاضر أساساً لقيام علاقات إجتماعية قوية بعد الانفصال (2) ماهى أهم المؤثرات سلباً وإيجاباً في مستقبل العلاقات المنتظرة؟ رصد عبد الرحمن بعين الخبير تاريخ العلاقات بين قبائل منطقة التماس وقدم توصيات لاستغلال هذه العلاقات لصناعة الجوار الطيب بين الشمال والجنوب، لكن كمبال وهو ابن الولاية الذى يجمع مختلف المزايا و الخبرات والتى تؤهله للعب دور محورى فى مستقبل ولايته لم تستوعبه اجهزة صناعة القرار المختلفة فى ولاية فاصبح يعيش فى الايام الاخيرة ضيفا لا يشارك مثل الكثير من ابناء الولاية فى القضايا المصيرية لاهله ، رحل الامير كمبال ونحن فى مركز دراسات التماس فى اشد الحاجة اليه كباحث يرفد المركز بدراسات ناضجة مرتكزة على خبرة عملية طويلة فى مجال العمل الاجتماعى والاقتصادى رحل الامير كمبال واهله اولاد حميد واهل تقلى فى اشد الحاجة اليه لتأسيس علاقات تعايش تتجاوز ما الحقه التمرد من ضرر على هذه العلاقات رحل الامير كمبال وهو لا يملك ما يعالج به نفسه وما كان ليسافر لولا جهد الاصدقاء والاهل ونشكر السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير رئاسة الجمهورية ووزير المالية الذين زاروه فى مرضه وقدموا مايستطيعون لعلاجه. رحل عبد الرحمن وابناؤه القصر يسكنون بالايجار،موكب احزان جنوب كردفان موكب طويل ومزدحم بالاخيار فقد شيعنا ايضا قبل كمبال وبعد كمبال رجل الاعمال المحسن عابدين ابو زلازل فكانت ابو جبيهة على موعد مع رحيل اثنين من ابنائها الامير عبد الرحمن كمبال وعابدين ابو زلازل ولم تقف احزان جنوب كردفان عند هذا الحد فقد امتد الحزن الى الليرى حيث غيب الموت ابنها الشاب محمد شريف الشاب التقى النقى الذى فارق الحياة فى نفس يوم كمبال وابو زلازل ،بكى الصحفى الكبير يوسف عبد المنان الامير كمبال فى عموده المقروء فى المجهر خارج النص فلم تبقَ عين لم تذرف دمعا ولم يبقَ قلب لم ينفطر حزنا رثاه الاستاذ عمر سليمان آدم فى كلمة جعلت الآخرين تنعقد السنتهم فلا تنطق وتحمر عيونهم من الدموع انه احبتى عام الحزن اختار فيه الله احب من رأت عيوننا لتصعد ارواحهم اليه اختار من بين صفوفنا اعز من رأت عيوننا إختار الرجال صانعى النهار ،فقدت جنوب كردفان ثلة من اعز ابنائها وبدأموكب الرحيل بالشهيد ابراهيم بلندية الذى لو عرف المتمردون ما قدمه لجنوب كردفان لما نالوا منه شعرة وإن اختلف معهم فى الفكر والاسلوب و الطرح ،فقدت جنوب كردفان جزء من فلذات اكبادها ووالله لولا اخيار نتعشم ان يكون لهم دور نهضة الولاية من كبوتها لانشدنا بيت لبيد : ذهب الذين يعاش فى اكنافهم وبقيت فى خلف كجلد الأجرب اخوتى ليكن رحيل الاحباب دافعاً لتوحيد الكلمة وجماع الرأى وتولى الاصلاح بانفسنا باسم مركز دراسات التماس نعزى كل السودانيين واهل جنوب كردفان خاصة وندعوهم لمبادرة لتحقيق السلام والاستقرار.