[email protected] يخطئ الكثير منا عندما يعتقد أن الأطفال الصغار لا يدركون الأشياء من حولهم، أو لا يستطيعون تقييم الأحداث، أو الأشياء، أو التصرفات، أو الأشخاص، فالأطفال لديهم آلياتهم ومقدراتهم الخاصة لتقييم ما يدور حولهم، ويعرفون ويدركون الكثير. ووفق ما ذكره أحد أطباء الأطفال الاستشاريين أن الطفل يستطيع أن يميز بدقة وجوه الاشخاص من حوله عند بلوغه شهره التاسع. وكم شدني ما قرأت أن أحد الأطفال الذي لم يتجاوز السادسة من عمره، قال لأبيه الذي يقضي جل وقته في العمل «أبي كم قيمة ساعتك بالعمل؟ رد عليه الأب مستغرباً عشرون جنيها، فأدخل الأبن يده في «جيبه» واستخرج المبلغ وأعطاه لأبيه وهو يقول، أريد أن اشترى منك ساعة لتأتي اليوم مبكرا وتتناول العشاء معنا، لأنك لا تجلس معنا على العشاء كل يوم، فاستغرب الاب من ردة فعل ابنه وذرفت عيناه بالدمع، ثم احتضنه وقال له: «دع نقودك فسأحضر اليوم لأتناول العشاء معكم» وقصة أخرى حكاها لي أحد أقاربي بديار الغربة عندما زار يوماً أقارب له، فجلس مع أطفالهم دقائق قليلة وشاركهم اللعب، ففرحوا فرحاً شديداً، وبعد فراغهم من اللعب قالوا له بعفوية «عمو أنت أحسن من أبونا، رد ليه؟ رد الأطفال بصوت واحد: «عشان أبونا ما بلعب معانا ولا بتكلم معانا، بمشي الشغل كتير، ولما يجيء بتابع الأخبار أو يقرأ الجريدة»، كلمات عفوية بسيطة ولكنها تفسر حال أطفالنا، ومدى معاناتهم بديار الغربة. هذا الأمر في غاية الخطورة، فعلينا إعادة النظر في سلوكنا نحو أطفالنا، فاللعب والمرح جزء مهم في حياة الطفل، بل جزء من تربيته، وأن أشد عقاب للطفل هو منعه من اللعب. وهذه القصة ذات دلالات ومعانٍ وأبعاد عديدة، وعلى الآباء تأملها مليَّاً، لا سيما نحن معشر المغتربين، حيث نقضي ساعات طوال في العمل، ويغفل الكثير منا اللعب مع أطفاله الصغار، بل الكثير منا يستكثر مجرد الجلوس مع أطفاله وتبادل الحديث معهم، وهي مشكلة تربوية تحتاج لوقفة. وعلينا أن نمنح أطفالنا جزءاً ولو قليلاً من «الوقت»، لأن «الوقت» أعظم هدية نقدمها لأطفالنا، بل أهم من الهدايا المادية التي نقدمها لهم، والتي نقصد بها أن نشغلهم عنا، لذا لا تستغرب عندما تجد طفلك يقوم بتحطيم لعبته التي اشتريتها له قبل دقائق فقط، لأنك منحته دمية ولم تمنحه «وقتك». وأنا شخصياً أحرص على قضاء بعض الوقت مع أطفالي، بل وأشاركهم اللعب أحياناً، فأشعر حينها بأن فرحتهم بمشاركتي لهم اللعب تفوق اللعب نفسه، لأنهم يدركون أن أباهم قد منحهم أجمل هدية وهي «الوقت»، وعلينا أن نتذكر أن الأطفال يعرفون أكثر.