بتاريخ 28 سبتمبر 2011م أعلن د. عبد الباقى جيلانى وزير المعادن السابق، عن تسلمه لتقرير المسح الجيولوجى الاول لطبقات الفحم الحجرى فى مناطق الشريان والمقل والحجير بشمال السودان، ووجه الجيلانى إدارة وحدة الفوسفات والأسمدة باعداد خطة متكاملة لاستكمال الاستكشاف، وقال الوزير انه فى حال اكتمال المسوحات ودراسات الجدوى فإن الامر يسهم فى صناعة الحديد والفولاذ والادوية والاصباغ والاسمدة والورق. بداية القصة أنه أثناء حفر بئر ارتوازية فى منطقة المقل والحجير تابعة لمشروع زراعى، وعندما بدأت الحفارة فى ضخ المياه لنظافة البئر، كانت المفاجأة ان الهواء المضغوط بواسطة «الكمبريسر» ضخ كميات من الفحم الحجرى، وتم تسليم عينات من هذا الفحم لادارة الفوسفات والمناجم بوزارة المعادن، وقام الدكتور متوكل رئيس الوحدة بزيارة المنطقة مترئساً وفداً من قيادات الوزارة ذات الصلة بالموضوع، وقامت الوزارة بفحص وتحليل عينة الفحم فى معاملها فى ديسمبر من نفس العام، وكانت نتيجة الفحص المعملي أن الفحم المكتشف يصنف من النوع المتوسط، بالرغم من تحفظ الفنيين على الطريقة التى اخذت بها العينة، حيث يتوقع ان تكون النتيجة اقرب للواقع اذا تم اخذ العينة بطريقة صحيحة (core drilling)، ومن ثم تحديد سمك وعمق طبقات الفحم، وما اذا كانت الكميات ذات قيمة اقتصادية ويمكن استثمارها، وخضعت العينة الى تحليل جيوكيميائى فى معمل جامعة الخرطوم، وجاءت النتيجة مؤكدة ما خرجت به التحاليل التى قامت بها الوزارة فى معاملها، وشاركت جهات عديدة داخل وخارج وزارة المعادن ومختصون فى التاريخ وعلوم الارض من داخل السودان وخارجه فى تأكيد وتقدير عمر المنطقة التى وجد فيها الفحم «المقل والحجير» بأكثر من 400 مليون سنة، مما يؤكد ان الشواهد والفحم الذى استخرج من هذه الاعماق قد يكون مؤشراً لوجود الغاز على اقل تقدير ان لم يكن هناك وجود نفطى، ومنذ عام مضى وكل هذه الحقائق امام الوزارة ولم تحرك ساكناً، وخلال هذه الفترة تقدم اصحاب الارض الذين تم الاكتشاف على يديهم بطلب للوزارة للترخيص لهم للقيام باعمال التعدين فى المنطقة، بواسطة واحدة من كبريات الشركات السودانية العاملة فى هذا المجال، وهى تتمتع فوق مقدرتها المالية وجديتها بوجود خبراء سودانيين وجنوب إفريقيين، بالاضافة الى بريطانيين يعملون لديها، هذا بعد ان اوفت بكل متطلبات التسجيل بما فى ذلك سداد الرسوم وتعهدها بأن تتكفل بكل نفقات الاستكشاف والتعدين، كان الفهم السائد زمناً طويلاً أن الفحم لا يمكن أن يوجد فى السودان الشمالى، كما كان الاعتقاد ايضاً سائداً باستحالة وجود البترول، وأن مناجم الذهب فى بنى شنقول وأرياب، ولم تحتو الخرائط الجيولوجية للوزارة على أية مناطق لوجود الفحم الحجرى بالرغم من أن اولى الشواهد سجلت فى منطقة دنقلا منذ عام 1911م، وبعد ذلك فى عام 1955م، وكان الاوجب ان يشتمل تصريح السيد الوزير وقتها بالاضافة الى المجالات التى عددها، على ان الفحم الحجرى هو مولد للطاقة الحرارية والكهربائية، ومن الممكن أن تغطى المحطات الحرارية التى تعمل بالفحم حاجة البلاد من الطاقة فى وقت وجيز، بدلاً من الانحياز للتوليد المائى والتغاضى عن المخاطر البيئية والاجتماعية المتعلقة بحركة وتهجير السكان، هذا فضلاً عن التكلفة الانسانية والمالية الباهظة، والفحم الحجرى فوق هذا يعتبر من ارخص مصادر توليد الطاقة، اضافة الى الصناعات الثقيلة والتحويلية المهمة، وهذا الاهمال الذى وجده الفحم الحجرى حتى الآن من وزارة المعادن يصعب فهمه، خاصة أن البلاد فقدت مورد البترول باعتباره محركاً للطاقة، ومدراً للعملات الحرة، والاعتقاد ان وزاراتنا تعمل كل منها فى جزيرة معزولة، وأن الحكومة تفتقر الى وجود استراتيجية فى مجال انتاج واستثمار الطاقة، وان وزارات الطاقة والسدود لا شأن لها فى أمر كهذا، هذا فضلاً عن غياب وزارة التقانة والجامعات ومراكز البحث، وعدم وجود شراكة بين هذه الجهات لأجل خلق استراتيجية لتوليد وتوفير الطاقة وكشف واستثمار مواردها، هذا فضلاً عن الدلالات الجيواستراتيجية والسياسية لاستخراج واستغلال الفحم الحجرى، والقرار الاسهل الذى يدفع تكاليفه المواطن هو زيادة أسعار المحروقات، وبهكذا سياسات تهدر خزينة الدولة مداخيل مهمة، وتفقد البلاد استثمارات ضخمة كانت كفيلة بتحريك الأوضاع الاقتصادية، وليستمر جرى ولهاث وزارة المعادن وراء جرامات من الذهب في طول البلاد وعرضها.