ما لهذا اليوم ابتدأ ثقيلا..؟!! لم يكد يكمل الليل كمال انتصافه حتى هبط الحزن كثيفا عميقا في القلب، رسالة نصية موجعة من صديقنا المشترك د. محمد الطاهر من السعودية، رحل الاستاذ عبدالمجيد محمد الامين في حادث حركة صباح امس.. كلمات كانت كافية لجعل آخر ومضات الضوء في آخر النفق تنطفيء.. أظلم القلب الآن واكمل الاسى دائرة تماسه مع العصب الحي او بعضه الذي بقي حياً...! ها هو شهر فبرائر من العام 1993م، ينبيء عن حضوره.. مُنذ يومه الاول ذاك البعيد البعيد.. كان عبدالمجيد اول الداخلين الى القلب، بل قل اول المنسربين انسراباً كما نقر الموسيقى، الى الشعور، فتى مَلُحت ملامحه، فلا يبين فيها سوى نضارة الشباب، ووسامة الصبا، وسماحة اهلنا في الجزيرة، وعنوان الوجه ابتسامة مشرقة سرعان ما تكتمل جلجلتها بضحكة مدوية، هكذا ظل عنوان عبدالمجيد الدائم ومرساله الذي لم ينقطع حتى سكوته النهائي نهار الاحد الماضي.. آه .. آه.. يا امين احمد الطاهر والنقر والابوابي ياسر وحافظ فضل .. رفاقه الذين اكملوا دراسة علوم الصحة في كلية الصحة بجامعة الخرطوم قُبيل انتقالهم سوياً للعمل في جامعة اعالي النيل اوان التأسيس او قل للدقة قبل بدء التأسيس اذ هم نواتها ضمن آخرين.. وكان عبدالمجيد الاكثر تميزاً وحضوراً بيننا نحن ثلة مساعدي التدريس في تلك الجامعة، كان انتقاء بروفسير عوض ابوزيد مختار عرّاب تلك المؤسسة وقائدها الاول يتم عن درية ودراية وفحص ونجاضة ممزوجة بالعلم.. وكان يرى في عبدالمجيد خليفته على دسك المعرفة البيئية وصحتها، لذلك ظل يشجعه دوماً على البحث ويبعثه باستمرار لكل عمل في مجاله حتى دَرب عبدالمجيد وصار شعلة من النشاط العلمي والهمة الاكاديمية والسير الواثق على خطى البحث والترقي فنال الماجستير عن جدارة وتأهب لاتمام الدكتوراة او اتمها .. واكمل نصف دينه قبل بضع سنوات.. وأتم نور وجوده الساطع وسط كل من زامله وعاشره .. زميلاً او زميلة، طالبة او طالباً وعلى مدار جامعات الخرطوم كلية الصحة، وجامعة اعالي النيل كلية الطب والعلوم الصحية، ثم اخيراً جامعة الجزيرة كلية الصحة التي انتقل للعمل فيها قبل سنوات قليلة، ومكث بالحوش.. حيث مقر تلك الكلية لفترات، وهو في كل ساحة فحلٌ صنديد.. وعقل جهبيز، بذل للوطن في اسمى المراقي وارفعها.. حقل التعليم العالي.. صال وجال، مؤسساً لمناهج علمية ومقررات دراسية وكورسات عظيمة الجدوى والنفع.. وفي كل كان له القدح المعلى، يزينه وقار وهشاشة وبشاشة وكرم اصيل وحسن خُلق ورقة مشاعر وتوهج عواطف وقلب مشرع الجنبات الداخل اليه مولود كانسان يجد عند عبدالمجيد كل الود والاحترام والحب والامتنان بسماحة لم تعرف الضيق وحلم لم يكتنفه نفور ورضا نفس لم تكدره خصومة، هكذا كان دأبه مع اصدقائه الكثر ومعارفه الاكثر وزملائه المنتشرين في كل بقاع السودان وخارجه وتلامذته البارعين.. اما مع اهل بيته ، فهو الابن البار بالوالدين، رحم الله من مضى منهما واطال عمر (الحاجة) امه التي ظل حفياً بها حنيناً تدمع عيناه ان بعد عنها لأسابيع شوقاً الى حضنها الدافيء، والى اشقائه وشقيقاته اولئك النفر الكريم من اهل البيت نسأل الله ان يلهمهم الصبر على فراقه وان كان الصبر على فقد (مجيد) مما يحتاج الى اضعاف مضاعفة من اليقين والايمان وهم على ذلك لقادرون والله المعين.. رحل عبدالمجيد، ابن قرية المريبيعة - الحصاحيصا - وهو بعد محط الآمال، وترقب المستقبل، رحل وهو في رحلة السعي لتحسين الاوضاع طلباً للرزق الحلال في بلاد الله الواسعة بعد ا ن ضاقت حلقات الحلم هنا على ارض السودان وتخطفت منابر الجامعات في دول الجوار كل خبرة وشباب من خيرة ارباب العقول من اساتذة الجامعات السودانية.. مات عبدالمجيد اثر ذلك الحادث المشؤوم على طريق مدني الخرطوم وعلى مدخل مدينة الكاملين، قبالة مقر شرطة المرور السريع.. الآن .. اكمل الليل اظلامه.. (19) سنة وعمر العلاقة مع عبدالمجيد عمر في عز شبابها، لذلك جاءت الصدمة داوية .. والفقد جلل..و.. صبي الدمعة فوق الدمعتين يا عين.. وبعد الليلة حابساها الدموع لمتين.. نسألك يا من اهديتنا تلك النسمة العذبة واللحظة اللطيفة الانسان عبدالمجيد.. نسألك يا من جعلتنا نهنأ بنعيم معرفته ووافر صداقته وجزيل إخائه.. نسألك.. يا ربنا العالم القادر ان تهيء لعبدالمجيد في مقام تبجيلك مقاماً، وفي سعة رحمتك تجاوزاً عن اخطائه وفي كريم عطفك يا رب نطمع في إلباسنا وأهله وزوجه ثوب الصبر واليقين اذ لم يبق غيرهما زاد يا رب العباد.. و ... الحزن لا يتخير الدمع ثياباً.. كي يسمى في القواميس بكاء.. والعزاء موصول للجميع في هذا الفقد العظيم..