الصورة النمطية عن أفريقيا لدى الغرب اعلاما ومؤسسات تفكير وبعض ساسته المنغلقين لا تزال هي رجل العالم المريض،يسيطر عليها ثالوث الفقر والجهل والمرض ،وأطفال يتضورون جوعا، وذباب يغطي أعينهم، وشباب مصابون بنحول مؤلم يرتدون ملابس رثة، ويحدقون بحقد في الكاميرا داخل مخيمات اللجوء، وجثث حيوانات نافقة على جنبات الطرق الترابية. بعض شاشات التلفزة العالمية صارت لديها تلك الصور البائسة جاهزة في إرشيفهم ،وكلما تحدثوا في أخبار وبرامج عن القارة السمراء،إلا وجاءت مرافقة لها،مما شكل صورة ذهنية لدى الرأي العام على الأقل الغربي الذي يجهل القارة وشعبها وفي مخيلته أنها مرتبطة بالتخلف. الحقيقة التي لم تستطع بعد فرض نفسها ان هذه القارة تشهد تقدما هائلا لا يلقى صدى في المنظور الغربي والأوروبي، وان أفريقيا جديدة بدأت في النمو والتطور والظهور على المستوى العالمي. ثمة دول أفريقيا ترمز إلى البون الشاسع بين النظرة الغربية والصورة النمطية عن القارة السمراء، ومظاهر التقدم والتطور التي تشهدها دول القارة الأفريقية على أرض الواقع، فمثال واحد من أفريقيا قد لا يعكس حضارة قارة متعددة الأعراق ومتنوعة الثقافات والثروات، أو تعكس تطلعات ومشاكل شعوبها على حد سواء، ولكن الصورة في أفريقيا تبقى مختلفة تماما عن تلك التي في أذهان القارة العجوز «أوروربا» بشكل عام. جنوب إفريقيا تخلصت منذ أقل من عقدين من نظام الفصل العنصري إلا انها نجحت خلال سنوات قليلة في تحقيق طفرة اقتصادية واجتماعية كبيرة لدرجة أن اقتصادها أصبح أكبر من مثيله في ماليزيا،« وهو بكل المقاييس أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية». وحسب تقدير الأممالمتحدة تأتي جنوب إفريقيا في المرتبة ال25 من حيث مستوى مجموع الإنتاج القومي و تتجاوز قيمة صادراتها الصناعية والزراعية 80 مليار دولار سنويا، وهي تسعي لتكون من الدول المتقدمة في الصناعات ذات التقنية العالية مثل الفضاء والصناعات الحيوية بعد أن وجدت أن المنافسة غير مجدية مع دول شرق آسيا في مجال الصناعات الاستهلاكية. إثيوبيا تعتبر من أبرز الدول المنتجة للثروة الحيوانية، وباتت حديثا ثاني دولة تستورد طائرات بوينغ 787 الجديدة لنقل الركاب، وحجم اقتصاد البلاد نما بمقدار الضعف خلال القرن الحالي، وما فتئ ينمو بمعدل 7.5% سنويا. كما أن غانا تعتبر من بين أعلى عشر دول في العالم من حيث النمو الاقتصادي، وقد سجل اقتصادها نموا بمعدل 14% العام الماضي، والديمقراطية فيها تعتبر مثلا رائعا يحتذى. وموزمبيق بدأت تنهض من جديد كطائر الفينيق، وذلك في أعقاب الحرب الأهلية التي عصفت طويلا بالبلاد، ونيجيريا باتت القوة العظمى المحتملة في القارة السمراء. وهناك المارد الجديد أنجولا صاحب ثالث أكبر اقتصاد وثانى أكبر منتج للنفط « مليون وسبعمائة ألف برميل فى اليوم» فى إفريقيا جنوب الصحراء، وإمكانيات زراعية وثروة سمكية هائلة ومعادن نفيسة مثل الماس ،الأمر الذي دفع الصين لارسال نحو ربع مليون من مواطنيها للإقامة والعمل فى مشاريع مختلفة. أنجولا مثل السودان،حيث اندلعت فيها حرب أهلية استمرت 27 عاما بين حزب الحركة الشعبية لتحرير أنجولا الحاكم وبين الحزب المعارض له ، حزب الاتحاد الوطنى لاستقلال أنجولا بزعامة جوناس سافيمبى الذى قتلته قوات الحزب الحاكم فى فبراير عام 2002 وانتهت بذلك الحرب الأهلية فى تلك البلاد. لا أحد ينكر أن هناك بعض مظاهر الفقر والبؤس في أفريقيا، ولكنها آخذة في التضاؤل والإنحسار، وذلك في ظل الاقتصادات الأفريقية الناشئة. لكن بعض وسائل الاعلام الغربية وحليفاتها في المنطقة العربية ما فتئت تبرز صور الموت والدمار والتشرد والبؤس في بعض المناطق المضطربة في أفريقيا، متجاهلة الصور الأخرى المشرقة في القارة التي تضم 54 بلدا. لو نظر المرء إلى حزمة دول أفريقية مجتمعة، لوجد أنها تطورت ونمت بشكل أسرع في العقد الماضي، وذلك بالمقارنة مع ما شهدته دول آسيا الشرقية من تطور ونمو،وبما تمتلكه من ثروات نفطية والمواد الخام التي تمتلكها فإن أفريقيا على وشك الإقلاع الاقتصادي الذي يشبه ما تشهده الصين أو الهند على حد كبير. السودان للأسف بحروبه التي لا تنتهي، ظل خلال الأعوام الأخيرة مادة خصبة لوسائل الاعلام الغربية التي استثمرت مخيمات النازحين في دارفور واللاجئين في تشاد،ثم أخيرا الأوضاع الانسانية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ولاجئي الولايتين في دولة الجنوب وأثيوبيا لتقول انه دولة عاجزة عن معالجة مشاكلها بصورة سلمية. رغم بعض المظاهر المحزنة ،ثمة أفريقيا جديدة ناشئة بدأت في التشكل والظهور، وهي أفريقيا متسلحة بالعلم والتكنولوجيا ومحتضنة للعولمة، وبدأت تهز وتكسر أغلال الاستعمار وأغلال الحرب الباردة، بل وكل العوامل التي حدت من تطورها وتنميتها في وقت مضى.