تضطلع الدول الإفريقية بدور استراتيجي متزايد في الشؤون الدولية، وسوف تحقق الأطراف الدولية التي تستوعب ذلك وتطوِّر علاقاتها الدبلوماسية والتجارية بالدول الإفريقية ميزات كبيرة. وقد أسهم ظهور الصين كشريك رئيسي لكثير من الدول الإفريقية، في تجدّد اهتمام الغرب بالتواصل مع إفريقيا، فاضطلعت مجموعة الثماني الكبار بدور جوهري في مراعاة الاحتياجات الإنمائية للقارة، كما بدأ يتضح لمجموعة العشرين والمجتمع الدولي الأوسع، أن ثمة مصلحة استراتيجية في النهوض بالنمو والتنمية في إفريقيا. لذلك يؤكد توم كارجيل في كتابه الذي نعرضه هنا، وعنوانه "مصالحنا الاستراتيجية المشتركة... دور إفريقيا في عالم ما بعد الدول الثماني"، أنه ما لم يحدث تحول في السياسات ومدارك الرأي العام وتصوراته حولها، فإن كثيراً من شركاء إفريقيا التقليديين، لاسيما في أوروبا وأميركا الشمالية، سيفقدون التأثير العالمي والميزات التجارية لصالح قوى صاعدة ما فتئت توسع علاقتها بإفريقيا. فالقارة السمراء هي أساس سلسلة الإمداد العالمية؛ إذ إنها مَصدر استراتيجي لما نسبته نحو أربعين في المائة من المواد الخام والزراعة والمياه النقية والطاقة اللازمة للنمو العالمي، ولغاباتها المطيرة دور رئيسي في التحكم بمناخ الكرة الأرضية، كما أن سكانها، وعددهم مليار نسمة، مستهلكون تزداد أهميتهم باستمرار، هذا علاوة على وجودها في موقع استراتيجي بين المناطق الزمنية والقارات ونصفيْ الكرة. بيد أن التوجه الإنساني المسيطر لدى كثير من الدول الغربية والشركاء التقليديين؛ كما يقول المؤلف، أدى إلى تشكّل تصورات نمطية لإفريقيا تتسم على نحو متزايد بالاستخفاف والتكرار وعدم الاطلاع، مما أحبط أية مشاركة تجارية جادة. فالقوى الاقتصادية الصاعدة -خاصة في إطار مجموعة العشرين- تنظر إلى إفريقيا بوصفها مصدراً للفرص ومكاناً للاستثمار ونيل نصيب من السوق والوصول إلى الموارد. وكثيراً ما تم التعبير عن الاهتمام الصيني المستجد بإفريقيا من خلال تهديد غير مباشر للمصالح الغربية، لكن المشاركة الصينية مرحَّب بها في القارة، وكذلك الأمر بالنسبة للعدد المتزايد من القوى الناشئة؛ مثل تركيا وكوريا الجنوبية والبرازيل وماليزيا... التي أرغمت شركاء إفريقيا التقليديين على التفكير مجدداً بشأن القيمة المتبادلة من وراء الاستثمار في القاعدة المتنامية للمستهلكين والمهارات المتوفرة في القارة. لكن المؤلف ينتقد الشركاء الجدد للقارة، قائلا إنهم يتشدقون بخطاب حول "عموم المنفعة على الجميع" أو "التعاون بين دول الجنوب"، بينما يكررون في الواقع أسوأ تجاوزات الاستغلال الاستعماري، بشكليه القديم والجديد، هذا رغم ما اطلعت وتطلع به مجموعة الدول الثماني من دور في الدفع نحو مراعاة الجوانب الاستراتيجية، والتنسيق والتشاور فيما يخص احتياجات إفريقيا الإنمائية. وهو توجه انبثق من الإخفاقات التي شهدتها فترة التسعينيات، ومن رؤية وعزم عبّر عنهما خلال الأعوام الماضية قلّة من القادة الأفارقة؛ مثل الجنوب إفريقي ثابو مبيكي، والنيجيري أولوسيجون أوباسانجو، والجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، والسنغالي عبدالله واد. فقد أدركوا أن الدول الإفريقية بحاجة إلى تغيير توجهها نحو المشاركة الدولية، وإلى تجديد أجنداتها المحلية، فعملوا على بناء توافق في الآراء حول ذلك. وثمة اليوم إجماع على الحاجة إلى استحداث نظام من الالتزامات والحوافز المتبادلة بين الحكومات الإفريقية وشركائها الدوليين؛ لتعزيز الحكم الرشيد والإصلاح الديمقراطي، مقابل الدعم المالي والتأييد السياسي اللازم لانتزاع الدول الإفريقية من براثن الفقر. لكن هذه المطالب أو الاشتراطات من جانب مجموعة الثماني، لا يمكن أن تخفي حقيقة أن الميزات التي كانت لدى كثير من القوى الاستعمارية السابقة، من حيث الخبرات والروابط التجارية والتقارب الثقافي مع إفريقيا، تقلّ الآن كثيراً عما يَفترض معظم صانعي السياسات. وهناك كثير من دول مجموعة الثماني ما يزال مكبلاً بتوجه نحو إفريقيا بوصفها فضاءً موحداً من خلال تصورات محملة بالشواغل الإنسانية. لكن بالمقابل يلاحظ المؤلف أن قوى مثل البرازيل والصين وماليزيا، أقل تأثراً بالعراقيل التي تمثلها تلك التصورات، وهي تنخرط في مجموعة من العلاقات المفيدة على نحو متبادل وعام. وإلى ذلك، يرى توم كارجيل أن الدول الغربية أصابها التعب جراء المطالبات المستمرة بتقديم العون لإفريقيا والانتقادات جرّاء التقاعس عن الوفاء بتعهداتها في هذا المجال، خصوصاً في ظل الأزمة المالية العالمية الأخيرة؛ لذا فإن ثمة حاجة لطمأنة مواطني هذه الدول إلى أن المعونات ناجحة وأن النمو سيتحقق في إفريقيا وسيعود بمنافع اقتصادية حقيقية عليهم. ولكي يتحقق ذلك يؤكد المؤلف أنه يتعين على الدول الإفريقية تقوية مؤسساتها الإدارية وحكوماتها الوطنية وهيئاتها الإقليمية، وأن تواصل دمج اقتصاداتها إذا أريد لميزات الحجم الكبير أن تعمّ أكبر قدر من المستثمرين. ورغم تراجع أهمية مجموعة الثماني بالنسبة لإفريقيا، فستظل المعونة مهمة لكثير من الدول الإفريقية، كما أن ثمة أعداداً متزايدةً من الشركاء الخارجيين الذين يسعون وراء الفرص التجارية، في قارة يزيد عدد سكانها على مليار نسمة، وتزخر بموارد مهمة. محمد المنى الكتاب: مصالحنا الاستراتيجية المشتركة.... دور إفريقيا في عالم ما بعد الدول الثماني المؤلف: توم كارجيل الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012