مدخل: «1» (الصحافة هى خلاصة المخزون الادبي وزبدة المعرفة العلمية وجملة التجارب الحياتية قد صيغت في الكتابة) الدكتور المفكر سيد أحمد نقد الله مدخل: «2» ( من لا يحمل جرثومة الكتابة لا يطرق باب الصحافة) الصحفي الهرم سيد أحمد خليفة (1) الصحافة بين المهنية والإبداع والصناعة ٭ لا ادري لماذا كلما أحسست أن هناك أزمة في الصحافة السودانية كإبداع وحرفة ثم صناعة لناشر (رأسمالي) جالت في خاطري ذكرى السيدين الراحلين الصحافيين الدكتور سيد أحمد نقد الله.. والاستاذ سيد احمد خليفة؟! (التحية عبرهما للسيادة الوطنية). فهذان القلمان لهما معزة خاصة عندي.. بجانب تفردهما في شكل من اشكال الابداع الصحفي قد جمع بينهما وكل قد تفرد بلونيته الخاصة، وأسس لمدرسته.. وقد أثبت بالحق والحقيقة (أن الأسماء تورث الصفات). ( وأن الخبر مقدس والتعليق حر). ٭ فكل من أسعده الحظ للالتحاق بمعهد الدراسات الاضافية بجامعة الخرطوم دبلوم الاعلام والعلاقات العامة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، إلا وأختزنت ذاكرته الحية عبارة الاحترام الى مقام (المعلم المبجل) والذي لا يرتقي اليه مقام إلا الانحناء إجلالاً وتقديراً وتأكيداً للقول المأثور (من علمني حرفاً صرت له عبداً). هذا اذا كانت للعبودية مقام لا ازلال فيه، ويحق ذلك اذا ما أنصفنا استاذنا الراحل ومربي الاجيال موسوعة الصحافة الحرة المفكر السوداني الدكتور سيد احمد نقد الله.. واذكر وأنا قد عشت تجربته الثرة طالباً بالمعهد على أيامه وهو العميد يوميها والمحاضر . فقد كان دخوله الى قاعة المحاضرات.. في هيئته البسيطة هى أول الدروس المهمة وهو من يحمل من الاجازات العلمية درجة الدكتوراة.. بجانب سمته المدهش في التعامل مع الاشياء ناهيك عن طلابه!! ثم كيفية التفرد في توصيل المعلومة مهما كانت صعوبتها بل أكثر ما يميزه أنه بلا ملل يعيد لك درساً في الذاكرة في مرحلة ما مضت من بدايات التعليم والتعلم.. في مرحلة الابتدائية.. حيث تلقين قواعد ومناهج اللغة العربية.. والتنشيط الذي كان يحدثه الدكتور سيد احمد نقد الله للذاكرة للطلاب في المرحلة الجامعية.. هو مقدار للتواضع واعتزاز بمقام الاستاذ المعلم على كل المراحل في سلك التعليم العام وحتى التعليم الجامعي. ٭ بل هو تأكيد واحتياج للمراجعة لكل من طرق باب الكتابة أو امتهن الصحافة فهو بالضرورة محتاج الى كيفية« غنغنة الغين» و«قلقلة القاف» للنطق السليم وهذا هو الدرس الثاني والذي كان يقدمه سيد احمد نقد الله للطلاب خاصة طلاب الاعلام- وعلى هذا المنوال في تبسيط العلم كان لنا شرف المراجعة الدورية والكاملة لكل الدروس لتي مررنا بها والمعلومات التي طالعناها كمناهج ادبية أو حتى علمية. فهذه المدرسة المتفردة في نمط التعليم النظامي المدرسي كانت هى ومازالت عبارة عن مداخل الانتاج لصناعة الصحافة السودانية ولم يقف الدرس في محطة أخيرة بل ما زال في حراك دائم لتأسيس معرفي لمشروع الدراسات السودانية وعرضه عبر حقل الصحافة كوسيلة إتصال بسيطة وسهلة التناول.. وكيف هو على ثقة تامة بفلسفة التعليم المستمر.. وهذا ما يطابق الحديث الشريف ( تعلموا العلم من المهد الى اللحد).. أو كما قال صلى الله عليه وسلم.. لذا ففي ظل غياب مدرسة سيد احمد نقد الله الصحافية، غابت من الحقل روح المثابرة والمغامرة وحب المطالعة والبحث عن مصدر المعلومة.. لحظة غياب المراجعة لما هو مختزن في الذاكرة السابقة من أفكار معينة على الحراك، لذا ضاعت الافكار الجيدة وتولدت مدارس الصراع الفاشلة والمبتزلة من التي لا تمت الى روح الصحافة بصلة- فلا هى من اكاديمية سيد احمد نقد الله ولا من عصامية سيد احمد خليفة. ٭ ونأتي الى المدرسة العصامية في الاحتراف والابداع والقناعة المهنية مدرسة ابو السيد (الاستاذ سيد احمد خليفة) مدرسة (الوطن) الممتد مليون ميل مربع هى التعبير المتناهي للعصامية في درب الصحافة الشاق بآلية متلازمة بجرثومة الفن الصحفي- ومن هنا يأتي تقديرها وتفردها الخاص كمشروع وهو حقل زراعي ذو مواصفات لا يحسن الفلاحة فيه إلا من كان تربالاً بحق وحقيقة.. يعرف كيف ينظف حقله من الشوائب ومتى يضع البذرة.. وكيف يسقي ذرعه وكيف يحافظ على مجرى الماء في الجدول بالسياسة. وكل ذلك تدعمه جرثومة الفطرة، والتي كانت ومازالت هى السند الفني والنجاح لتوفير الشجاعة والمبادرة لصد نوازل الزمن ومحدثاته- من شاكلة صيف الحسد وزمهرير الغيرة في فصول الصراعات المتعددة الرياح والعواصف الفكرية والسياسية.. وفي ظل تلك الامواج المتلاطمة كانت مدرسة سيد احمد خليفة الصحفية قد أخذت حيزها ومكانها في وجود لامس قسوة الظلم والمعاناة في أبشع صورها من توقيف وأسر ومنافي وهجرة قسرية وتلك هى السكك التي عبر بها استاذنا سيد احمد خليفة حتى وصل الى ما وصل اليه من نجاح في مهنة المتاعب ووجع القلب الذي اصابه وهو يتحسس تلك الطرق الوعرة وعرج به قطار الهم الى أدغال القرن الافريقي.. حيث حياة الغابات والوحوش وحيث لا ضوء إلا لمبة المسرجة وتلك صورة قد تدخله الارقام القياسية العالمية اذا كان هناك إنصاف حقيقي لمقام العصامية في عالم اليوم- فكيف لمن أفترش الارض طاولة للكتابة حيث لا مكتب إلا الثرى ولا مأوى إلا عيدان الشُعب الناشفة ولا ساتر إلا بساطات البروش والخيش وبالرغم من ذلك هناك محرر يرصد الاخبار من مصادرها الحية ليمد بها الصحافة لتنشر مادتها.. فلله درك الكل واستاذي ابو السيد وما الذي كنا نرجاه غير النجاح في حقل مهنة المتابع من انسان بكل هذا القدر من صناعة الابداع والتحمل.. طالما انه وكما قال ( قد ولد وهو يحمل جرثومة الصحفي). (2) الصحافة والصراع في مدارس الفشل اليوم ٭ أمامنا العديد من المدارس الاخرى في هذا الحقل المتعب وإن كان لابد من ذكر بعض الاسماء فهناك مدرسة الايام ومدرسة الصحافة الاستاذ محجوب محمد صالح والاستاذ المرحوم عبد الرحمن مختار.. ثم المدارس الاكاديمية في عمل الصحافة كعلم البروفيسور علي محمد شمو والدكتور الطيب حاج عطية.. ثم مروراً بمدرسة الصحافة النسائية ذات الجرأة وصدق المعلومة استاذة آمال عباس العجب، وبخيتة أمين وأخريات كُثر. ثم مدرسة المهنية العالية بالعمل والسمو الاخلاقي استاذنا فيصل محمد صالح واستاذنا الدكتور مرتضى الغالي رد الله غربته.. فكل هؤلاء الدرر اذا ما قسمنا ما وضعوه من بصمات جيدة ومفيدة لاستطعنا أن نوفر الى جيل اليوم المتصارع في الفشل والخيبات الشخصية وبعيداً تماماً عن حقل الصحافة ومفهوم شرف الخصومة من اخلاقيات المهنة العالية لا توازيها أو تضاهيها إلا إهرامات الصحافة المصرية في ايام مهنية الدكتور طه حسين والاستاذ محمود العقاد.. وكتابة محمد حسنين هيكل للكلمة الواحدة في صحيفة الشرق الاوسط بالدولار. هذا اذا جعلنا من الصحافة صناعة وعائداً ربحياً مجزٍ. ٭ والشيء المؤسف اليوم ان الصحافة كحرفة وكفن، قد صارت مرهونة الى النزعات الذاتية والصراعات الشخصية (والنبش) في قبر التاريخ بحثاً عن أسلحة يستطيع البعض بها الانتصار للذات (بشر الغسيل القذر) والعياذ بالله- حتى يؤكد كل واحد منهم انه صاحب بلا منافس طالما انه قد وحد السند وسط أهل السلطة الحاكمة- ليصبح هو لسان حال فلان وكل من يقترب منه او (يهبشو) يكون قد تجاوز الخط الاحمر حيث الحصانة هنا للسوبرمان من شاكلة (نعامة المك المافي حد بقول ليها تَك) وهكذا ابتليت الصحافة السودانية بأزمة المحاباة وضاعت في شبر من أضابير الصراع الذاتي وغير الموضوعي بعيداً عن كل القيم الجميلة والنبيلة والتي بنى عليها ساس الصحافة السودانية والذي وضعه (ابو الصحافة) الاستاذ حسين شريف في مطالع القرن العشرين وكيف كان بعباراته النارية الخالدة والساحرة قد بث الحياة في جسد الصحافة السودانية.. وكذا قد سار على دربه معاوية نور، عرفات محمد عبد الله، والتجاني يوسف بشير وغيره.. وكان الصراع صراعاً شريفاً بحق وحقيقة.. لذا حق لكل المبدعين اليوم في مجال الكتابة الصحفية التحسر والترديد بكل الاسى على مقولة عبقري الصحافة والرواية الاستاذ الاعلامي الشامل الطيب صالح (من أين أتو هؤلاء)؟! بعد ان ابتزلوا مفهوم المهنية وقتلوا جرثومة الابداع، لذا آن لنا ان نذرف الدمع الهتون حزناً على رحيل وغياب القدوة الحسنة.. وما أمامنا إلا أن نلامس لُب الجرح الغائر من اجل توفير مطهر النظافة الصحي لنضع في مكانه (الملح) ليمتص (الورم) الذي أصاب جسم الصحافة المهنية والكتابة بالحرية بعيداً عن (كُبب الازمات الصحفية) من التي طرقت هذا الباب بكل ما تحمل من (ذهنيات غافلة) في المعنى والمبنى- لتصبح هى القيِّمة على أمر صحافة اليوم في السودان- علماً بأنها هى جل العلل المطلوب الخلاص منها اليوم قبل الغد- هذا اذا كنا حقيقة ساعين الى اعادة مجد السلطة الرابعة.. أما وضع كل البيض في سلة الناشر من اجل نجاح صناعة الصحافة.. يعتبر هو التأكيد على فشل المهنة وفقر الصحافة الى الكاتب المحترف. ٭ هامش: - على الدولة أن تعمل على توفير معينات العمل لمدخلات الصحافة.. من توفير للورق والاحبار وماكينات الطباعة.. لتقف الصحافة في صف وصفائها الاخريات من السلطات القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية فشتان ما بين تلكم المؤسسات ذات الابراج الهرمية العالية ومؤسسة الصحافة المحتاجة لأبسط مقومات النشاط الحر والصناعة؟! ولماذا التميز في كل شيء لاصحاب السلطات من التشريعيين والقضائيين والتنفيذيين والحرمان لأصحاب السلطة الرابعة من الصحافيين.. لماذا.. لماذا؟! أين العدل؟!.