لم تسعدني الأيام بلقائه وإن كنت أقرأ له كثيرا وأعجب بما أقرأ، وأعرفه قدره كقيمة صحفية كبيرة وشخصية عامة معروفة ، حتى كان التواصل عبر جريدة الخرطوم حينما كانت تصدر من القاهرة وكنت أشارك معه في الكتابة فيها في سنوات التسعين من القرن الميلادي الماضي، ومن خلال ذلك بدأ التواصل بيننا عبر الهاتف ، هو في جدة وأنا في الدمّام، واستمر ذلك التواصل الهاتفي بعد عودته للسودان، وكنت تواقا لزيارته عندما كنت في الخرطوم لآخر مرة قبل نحو أربع سنوات ولم يتم ذلك لظروف خارجة عن إرادتي ، ولكن استمر التواصل الهاتفي بعد ذلك وإن كنت وقد قصرت بعض الشيء في ذلك في الآونة الأخيرة، رغم أنه كان يعطيني الإحساس في كل مرة أحدثه، بما أوتي من ود وسهولة الوصول إلى القلوب، بأن ما بيننا أكبر من التواصل الهاتفي . كنت أتمنى أن يسعدني مقبل الأيام بالتواصل المباشر معه ولكنه سبقنا إلى رحاب الله ، وأستطيع أن أتصور الفقد الشخصي الكبير الذي يشكله رحيل الأستاذ سيد أحمد لكل من كان حظهم أفضل من حظي وكانوا أكثر التصاقا به وأكثر قربا منه. يمثل سيد أحمد خليفة امتدادا طبيعيا لجيل العصاميين في الصحافة السودانية ، محمد الخليفة طه الريفي وعبدالله رجب ومحمد أحمد السلمابي ، عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه. كان فيه لمحة من كل واحد منهم .. قرآنية أسلوب الريفي وصوفيته وروحه الساخرة ، وموسوعية عبدالله رجب وغزارة معارفه ، وانضباط وترتيب السلمابي وأضاف إلى كل ذلك تجربة ثرية ومؤثرة من العمل في الصحافة العربية العالمية ممثلة في صحيفة "الشرق الأوسط" ، كان أثناءها مرجعا عالميا في شئون القرن الأفريقي ، وفي نفس الوقت كان قلمه مصدر جذب للقراء في أي صحيفة يكتب فيها داخل أو خارج السودان. كان رقما كبيرا في الصحافة العربية و مدرسة صحفية قائمة بذاتها. كان الراحل العظيم يهوى المعارك الصعبة التي يتخذ فيها ، بلا شعارات أو أيديولوجيات، جانب الفقراء والبؤساء ، من منطلق التزام مهني عميق وقناعات أخلاقية ثابتة. وقد جر ذلك عليه متاعب لا حصر لها من قبل أصحاب النفوذ وأهل السلطة، ولكنه كان دائما، مهما تباينت الآراء حوله، صعبا على الهزيمة أو الانكسار أو السقوط. كشف الفساد الإداري الذي تمثله واقعة "القصر العشوائي" كشف فضح مبكرا هلامية "سندس" وأباطرة العلاج وغيرهم في أيامنا هذه، ولكن قليلين من أبناء الأجيال الحديثة يعلمون أن أكبر معاركه الصحفية كانت في بدايات حياته المهنية قبل أكثر من أربعين عاما حينما تبنت جريدة الصحافة قضايا المواطنين الذي وزعت لهم أراض سكنية في الحي الذي أطلق سكانه عليه اسم الصحافة تكريما للصحيفة التي وقفت معهم ،أو حسب شهادة أستاذنا الطيب شبشة، كان هناك اتفاق مسبق بأن تتبنى صحيفة الصحافة قضية سكان الصحافة مقابل أن يطلق اسمها على الحي، وفي جميع الأحوال كان الأستاذ سيد أحمد وراء تلك الحملة الصحفية الشهيرة وأتوقع،أو أتمنى، ممن يعنيهم الأمر أن يطلقوا اسمه على أحد شوارع حي الصحافة تخليدا لذكراه وتقديرا لدوره في قيام حي الصحافة . كثيرة هي مآثر سيد أحمد خليفة التي يتحدث بها من عاصروه في جدة وكثيرة هي كذلك أياديه البيضاء على ناشئة الصحافيين داخل وخارج الحدود، ونسأل الله تعالى أن يجعل ذلك كله في ميزان حسناته، فقد كان،وما زال، عظيما من عظماء أهل السودان. رحم الله الأستاذ سيد أحمد خليفة الرجل العملاق الجميل المترع بالسماحة والبساطة وحب البسطاء. (عبدالله علقم) [email protected]