نظم منتدى السرد والنقد جلسة نقدية قدمت حولها رؤى حول رواية زجاجتان وعنق واحد وهي الرواية الفائزة في جائزة الطيب صالح التي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني وقد أحرزت الرواية المرتبة الأولى مشاركة مع رواية الغابة السرية ( ليلى صلاح ) قدم خلال الأمسية الأستاذ عادل سعد يوسف ورقة بعنوان الخيبات تؤسطر إنسانها في محاور النص الروائي ( زجاجتان وعنق واحد ) ... الرواية للروائي والكاتب عبدالمنعم حسن محمود ... بدأ مقدم الورقة حديثه قائلاً :- تقترح هذه المقاربة لرواية ( زجاجتان وعنق واحد ) عدداً من المحاور عبرها تحاول التعرف على ملامح الرواية مستندة لقراءة لا تملك أي إطار منهجي سوي منهج النظر في المكوِّن الروائي من حيث إنه قابل للمحاورة واستكناه عوالمة الملغزة والملتبسة ،وتتفق مع الدكتورة ناهضة ستار في أن » هذه المقاربة النصية فرضية أكثر من وصفية تجعل من النص مشروع قراءة ليس من لدن القارىء مفكك السنن فقط وإنما يبتكر النص دمقرطته الخاصة في توجيه القراءة نحو ابتكار أدوات قرائية يكون هو (أي النص) مبدع عناصرها ومكوناتها وممكناتها فيما يبقى أفق التأويل مفتوحاً لاحتمالات لانهائية مادامت الرؤية المحتملة تحترم حرية الإبداع وتؤمن أن الإبداع يؤسس ويقود ويسن ويبتكر ويرى ما لا يراه غيره ، من هنا انطلقت فرضية هذه القراءة في البحث عن ال (مهيمنات)«.1 فالرواية التي نحن بصدد مقاربتها يلحظ فيها أنها كتبت بتقنية القصة القصيرة ( والقصة القصيرة جداً ) ويتبدى هذا في المتن النصي أو ما يسمى بالنسيج اللغوي ، فالكاتب يولى عناية باللغة والتصوير حيث تكون بالغة التكثيف والاقتصاد مع الاعتماد على إنتاج الدلالة من خلال الرمز الذي يتشكل من التشكيل الصوري لشخصياتها في خيباتها ، فهي بهذا تشكل خصوصية منحى في الكتابة السردية السودانية وبذات الشكل تمتلك أنساقاً مفتوحة على التأويل . 1- محور العنونة وسياقاته التأويلية : يتحدد العنوان كنص سميوطيقى يمتلك عدداً من القدرات التأويلية الملتبسة والمشكلة من حيث إنه مرجع دال يحيل إلى سياقات خارج / داخل نصية لذلك يشكل العنوان مفارقة صادمة للقارئ ، بحيث يدفعه للتساؤل حول مغزى الإشارة ، ويتشكل من مكون الجمل الاسمية المتشاركة بحرف العطف ( زجاجتان وعنق واحد ) حيث تم حذف المسند إليه ( المبتدأ) من الجملتين الاسميتين بالتركيز على المسند ( الخبر ) ، واو العطف تفيد اشتراك ما قبلها وما بعدها في نسبة الحكم إليهما ، فتكون الجملة الثانية تابعة للجملة الأولى . وبهذه الصيغة يشكل العنوان فخاً ، يجبر القارئ على التعاطي مع رمزيته والغوص في كل أبعاده التأويلية الممكنة ، وبالتالي يغري بالتقصي حول ما ورائية انجازه كثيمة دالة تعمل على الغوص في بنية الرواية للكشف عنه ، كما يعمل على إيجاد متعاليات نصية : - المتعاليات النصّية: هي كل ما يجعل نصّاً يتعالق مع نصوص أخرى، بشكل ضمني أو مباشر. ومن أبرز صفة يختص بها العنوان كونه يمثل » أعلى اقتصاد لغوي ممكن يفرض أعلى فعالية تلقي مما يدفع إلى استثمار التأويل «2 . وفي النظر للبناء النحوي نجده ( العنوان) يتكون من جملة اسمية معطوفة على جملة اسمية أخرى تابعة لها . في المحاولة التأويلية لتفكيك العنوان يبرز التعالق الأول فيما هو وارد في النص التفسيري للرؤيا حول الزجاج عامة من حيث كونه يشير الزجاج إلى كل ما هو شفاف، قاس، قصِف أو سريع العطب ، عاكس وأحياناً بارد وجامد مبهم ومتنوع مهما كانت طبيعته الكيمياوية أو درجة الكمال والسحر المرافق لامتثاله لكل مفاتن الضوء. وجاء عند ابن سيرين قوله :» الزجاج قليله وكثيره هم , ومن رأى الزجاج وقد خفي عنه شيا بأن له«. ويأتي التعالق الثاني في معنى العنق الموصوف بواحد : والعنق هو الأصل و العنق هو في المنام محلُّ الأمانة. ومن رأى عنقه رقيقاً فإنَه ظالم عاجز عمَّا حمل من الأمانة . وبالنظر للثنائية القائمة في العنوان (زجاجتان ) تنفتح الدلالة على كل الثنائيات الموجودة في النص الروائي .. إذا تقوم الرواية بأجملها على الثنائية ، بدءاً من شخوصها وانتهاءاً بثنائية الموت . وعنق واحد هو الدال على أصل الثنائية الناهضة عليه . وبالنظر للرواية يرد العنوان داخل النص الروائي : على لسان السارد : - حرام عليك يا أمي اقسم لك برب البيت إني قد حفظت هذه السيرة عن ظهر قلب ..ثم كيف سمحت لنفسي في هذا اليوم العجيب أن أغمر حياتي في زجاجتين ذات عنق واحد . ص28 تمتلك الجملة السابقة ما يشبه التوضيح لمعنى الزجاجتين إذ نعتقد هما ( غالب ومغلوب ) ، والأم هي العنق ما يمكن تسميته بالحامل الأول، وحيث إن ( غالب ومغلوب ) هما التوأم الذي عاش لأبويه .. مع ملاحظة التغير في الصياغة بين الجملة داخل المتن الروائي والجملة المصوغة في العنوان ، حيث كلمة ذات لا تعني العطف الماثل في العنوان . مما يطرح رؤيا أخرى مستندة لواو العطف فيكون معنى الزجاجتين ( غالب ومغلوب ) أيضاً ويتم إبعاد الأم واستبدالها وتغييبها ب (كاسح ) إذ أنه واحد أبويه ويمكن تسميته بالحامل الثاني . وكلمة ذات تعني مجموع كينونة الشخص ، أو الفرد. ومن هنا ويمكن النظر للأصل داخل المتن الروائي ( الأم - كاسح ) ككينونة تابعة ومؤسِّسة للشخصيتين الرئيسة ( غالب ومغلوب ) وبالتالي يمكن خلق علاقة استبدال للموقعين فيصبح العنوان ( عنق واحد وزجاجتان ). ومن هنا تتبدى لعبة الكاتب في التمويه المتعمد ليجعل العنوان يمتلك عدداً من التأويلات المفتوحة والممكنة لتعدد القراءات . 2- محور ثنائية الشخوص وتراجيديا الخيبات : أ- تقوم الرواية على ثنائية الشخوص ويمكن ترسيمها كالآتي : الجد ? الجدة / رابح ? فضل المولى / غالب ? مغلوب / كاسح ? فضل المولى / عبد الغفور ? القاتل / غفران ? الجدة . وبالنظر للترسيمة أعلاه : الرجل إما مقهور منكسر مسحوق يعاني انفضاح الذات والتزلف ( رابح ) الفقر والمظالم ( غالب - مغلوب - كاسح ) ، أو هو جشع ظالم ( عبد الحميد - القاتل - المدير )، وبين هذه الثنائية يتحرك صراع الرواية خفيًا في دواخل الشخوص أحيانا، وعلنيًا على شكل تصرفات وأقوال على ألسنة الشخوص أحيانًا أخرى، ومن خلال هذا الصراع المحتدم ينفتح القاع المخبأ للمجتمع السوداني. أما المرأة فهي ذات صبغة واحدة تقريبًا في المجموعة فهي مظلومة، ومغموطة الحق، وخاضعة لقيود المجتمع، ، لا يتمتعن باستقلالية كافية، وعلاقاتهن مع الرجال علاقات ملتبسة، تبدو فيها سطوة طرف على الآخر واضحة، ولا وجود لتكافؤ يذكر في تلك الجدة التي تقبل بالقاتل وتدس أوجاعها وتنتهي بموتها المأساوي - مغلوب الذي يشتهي غفران التي تحب غالب يؤكد ثنائية صراعية تتعالق مع / في حضورالأسطوري لثنائية النزاع من أجل الأنثى (هابيل وقابيل ) . ومن خلال كل هذه الثنائية تنهض الحبكة الروائية في فضاء تراجيدي ملئ بالخيبات ، بل أن الرواية يمكن النظر إليها كنص يتحدث بامتياز عن الخيبات والهزائم الكبري ( الوجودية / التاريخية / السياسية ) . - [ .. لكن عرفت أنو أخوك طلع قباك ، كان بيضحك ويشير بإصبعه الصغيرة بإشارة سماها أبوك علامة من علامات الهزيمة ، كان بلا ورم يشبه الليمونة - الليمونة التي كانت ستجعله شحاذاً - ابتسم الحاج للدكتور وقال : دا اسمو غالب رابح مربح عبد الفضيل . بعد شوية طلعت أنت تصرخ وسليم وترسم بيدك زي ما قال أبوك علامة من علامات النصر عشان كدة سماك مغلوب ] الرواية ص 27 . - [ كلنا من شجرة مغلوبة على أمرها .. جدي مغلوب 58. وأبوي من سنة 69. وأنا زي ما إنت شايف مغلوب من سنة 89 ]. ص31.