لكم نحب هذا الوطن الحبيب الموسوم بالسودان اسماً وسمرة ونيلاً وشمساً وهواءً، الذي هو وطن هذا الشعب الأصيل، وتلك الأمة العزيزة، وتلك الوجوه الباسمة التي هي وجوهنا التي يقول عنها صلاح أحمد إبراهيم «رحمه الله» : «أنا من إفريقيا، صحرائها الكبرى وخط الاستواء، لوّحتني منها الشموس، وشوتني كالقرابينُ على نار المجوس»، هذا السودان يهمنا كل ما يهمه، وفي هذا الإطار أورد بأسى ما قررته إحدى كبريات الشركات الزراعية السعودية بترك الاستثمار فيه والانتقال إلى الأرجنتين.. ويا لبعد المسافات بين أميركا الجنوبية وساحل البحر الأحمر الغربي الذي لا يستغرق عبوره إلا نصف الساعة بالطائرة!! ولن أتحدث عن الفرص التي ضاعت على بلادنا الحبيبة، وما كان يمكن أن يجنيه الوطن الغالي من فوائد اقتصادية، وفتح فرص عمل لأبنائه، وتوثيق لعلاقتنا بالأشقاء في السعودية، والاستفادة من الاستثمارات العربية.. إلى غير ذلك من فوائد نحن في أمسّ احاجة إليها. ولكن وسأورد هنا فقرة من مقال للكاتب السعودي «عبد الواحد الحميد» في جريدة «الجزيرة» السعودية العدد رقم «14590» الصادر يوم السبت 8 سبتمبر الجاري، ففيه ما يفيد حيث يقول: «من المؤسف أن تضطر شركة سعودية كبرى متخصصة في المجال الغذائي إلى إعادة النَّظر في استثماراتها في دولة عربيَّة زراعيَّة والتوجُّه إلى بلد أجنبي هو الأرجنتين، وذلك بسبب المعيقات المعهودة التي تواجه المستثمرين الخليجيين والعرب كلَّما فكروا في الاستثمار في دولة عربيَّة، فمازال العديد من البلدان العربيَّة عاجزة تمامة عن التغلب على عراقيل الاستثمار التي تخلقها البيروقراطيات الحكوميَّة المحليّة». ويضيف قائلاً: «إن أي إنسان عربي متابع لأحوال الاستثمارات العربيَّة البينية يحزنه أن يفشل العرب في الاستفادة من التنوّع الهائل في مواردهم الاقتصاديَّة للوصول إلى مستويات أفضل في مجال التكامل الاقتصادي». ويضرب مثلاً على تقاعسنا ومبادرات غيرنا ممن يدركون أهمية الاقتصاد في استعرض لافت: «إن ذلك الأمر يتزامن مع وصول أول شحنة من المواشي الحية الأسترالية إلى ميناء جدة بعد انقطاع دام حوالي سنتين. وتتكون هذه الشحنة من خمسة وسبعين ألف رأس من الأغنام وستة آلاف بقرة. ومن اللافت للانتباه أن السفير والملحق التجاري الأستراليين لدى المملكة كانا في مقدمة مستقبلي شحنة المواشي لأنّهما يدركان أهميَّة السوق السعوديَّة التي كانت تستورد سنويًّا أكثر من مليون رأس من المواشي الأسترالية قبل أن يتوَّقف الاستيراد». ويختم الحميد مقاله بالقول: «إن السودان الشقيق أقرب إلينا من الأرجنتين وأستراليا، سواء بمقاييس الجغرافيا أو بمقاييس المشاعر الوجدانية والروابط التي تجمع ما بين البلدين». ولكن ها هي تجربة أخرى تسقط من جديد على طريق التكامل الاقتصادي العربي، ومع ذلك مازلنا نسمع من يعتب على الخليجيين الذين يستثمرون خارج الوطن العربي، فيا ليت هذا الوطن العربي يصبح أكثر قدرة على استيعاب معنى «الاستثمار» وأنه فعل اقتصادي قبل أن يكون عواطف وأمنيات.