لعل أهم بند فى اتفاقية أديس «الثانية»، الموقعة بين حكومتى السودان وجنوب السودان هو توقيع السيد رئيس الجمهورية عليها، وربما تجاوزت دلالات هذا التوقيع مجرد التوافق مع المراسم والبروتكول، حيث ان السيد سلفا كير قد وقع عليها ايضاً، فهذه الدلالات التى تقول إن هذا هو رئيس الدولة وقد وقع بنفسه، بعد ان شارك فعلياً فى التفاوض، فهذه الاتفاقية بوجود توقيع الرئيس عليها قد خرجت من دائرة الانبطاح والانهزام، وأصبح المطلوب «القراءة الهادئة»، فما هو الجديد فى رأي من عارض كل بارقة امل فى الوصول الى اتفاق سلام فى محادثات اديس وجعلهم الآن يعيدون القراءة وبهدوء، وماذا دهى الذين دعونا لحفر قبورنا بأيدينا وانتظار الموت ونحن على حافة القبور، لقد تم تفكيك شفرة غلاة المعارضين للسلام والمبتهجين بحفر القبور.. هؤلاء الذين رضعوا من ثدى الانقاذ والمؤتمر الوطنى وظلوا يمتصونه حتى جف او كاد، هؤلاء الذين اعتاشوا من مائدة الحكومة وحزبها سنين عدداً، وكعادة من لا يعرفون الوفاء، فجأة اكتشفوا أن فى هذه الاتفاقيات ما يفرض قراءتها مرة ثانية بهدوء لا لشيء فيها جديد سوى أن التوقيع في أديس قد فك شفرة الطيب مصطفى، هؤلاء الذين وبعد أكثر من «20» عاماً اكتشفوا ان هذه الحكومة لا تطبق الشريعة، وان الدستور الذى يحكم البلاد لا يستند الى شرع الله، وان الحكومة فقدت مبررات وجودها لامتناعها عن تطبيق الشريعة، وهم الذين كانوا راضين عنها ممتدحين لادائها يمسون ويصبحون مسبحين بالشكر والحمد. فى حالة من عدم الوفاء للحكومة التى تربوا فى حضنها واكلوا وشربوا من نعيمها، انقلبوا يهرفون ويظنون أنهم الوارثون، أيها الواهمون بأن سقوط الإنقاذ سيجعل منكم الوارثين للحكم والسلطة بمبرر مما تعارضون الآن، والجميع يعلم أنكم إنما تعارضون المفاوضين شاغلى المواقع التى بها تحلمون، وإنكم على يقين من أن نهاية الاحتراب مع دولة الجنوب وانتهاء الحرب فى جنوب كردفان والنيل الأزرق وانتهاءها فى دارفور ينهي معه تماماً أية مبررات لوجودكم ويجفف كل الموارد التى تمول آلة الكراهية والعنصرية، ويسد كل المنافذ التي تنبعث وتفوح منها واليها، صحيح ان هذه الاتفاقيات ليست كاملة، وهناك العديد من الملفات التى تنتظر تسويتها واغلاقها، ولكن على اقل تقدير فما تم خير من الانزلاق الى حرب جديدة، وهو لأى عاقل افضل من فرض الحل بموجب القرار «2046»، وهو يعبر عن ارادة لطرفى النزاع للجنوح الى السلم بغض النظر عن الدوافع والأسباب، وهو بداية لوضع العلاقة مع حكومة الجنوب فى إطارها الصحيح بالوصول إلى علاقات طبيعية يسودها الإخاء وحسن الجوار وتبادل المنافع، ولا شك أن ما تم من اتفاق لم يجد المعارضة والتشكيك من مؤيدي حزب الكراهية ليس بسبب أن الاتفاق جيد ويتطلب القراءة الهادئة، فهم لا يستطيعون معارضة هذا الاتفاق بالذات لأن عليه توقيع الرئيس، والتحليل الأولي لهذا الاتفاق ربما قادنا للتفاؤل بشأن التوصل لاتفاقيات مشابهة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة فى دارفور، من دون انبطاح وكفى حرباً، وفى المرة القادمة قد يحرم البروتكول الرئيس من التوقيع أو الحضور، ويكفى أن يعلن السيد رئيس الجمهورية حمايته ومساندته للمفاوضين.