٭ بدءاً أقول: كثيراً ما يتمنى الانسان أن يكون الحلم حقيقة. والحقيقة حلماً على ندرة. وبالتجربة كان لأحد الاعمام حمار أبيض فاخر، ذات يوم أصبح ميتاً، فلما أخبر الخبر قال لمخبره (إن شاء الله يكون حلماً). ويحكى عن فطانة امرأة كانت بالمحكمة قرصت رضيعها عند سماعها شهادة الشاهد المدينة لها فصرخ الرضيع. فقالت له: اسكت فضحتنا. فسكت بعد هدهدة فهم الشاهد أنه المعني. قال له القاضي بعد إسكات الرضيع: أكمل شهادتك. قال الشاهد: وهكذا انتهى الحلم وتيقظت فألغى كل ما قال بهذه الحيلة. وذات الشيء حدث لمقالي هذا بعد أن بذلت جهداً بلغ 3 حلقات رفعت اليوم (السبت 71/4/0102م) المقال للاستاذ حيدر المكاشفي، فقال: إن مقال د. عبد اللطيف سعيد المعقب انت عليه ليس حقيقة مجرد خيال، قلت: عندما اطلعت عليه كنت اعتقد ان السيد غرايشن، وصديقه، وكل ما جاء فيه سلباً أو إيجاباً حقيقة في حقيقة، وما قولي بالعنوان ( مراجعة لخطاب غرايشن الخ) إلا محاولة لتمحيص الحقيقة وصحصحة الحق. أما وأنه أغضب الكثيرين رغم خياله (ك/كليلة ودمنه) في التراث، وأحرج الصحيفة الى حد نشرها اعتذاراً عن ما كان على غير قصد فأرجو عدَّ مقالي بدوره خيالاً قام على خيال لا أصل له، وعلى هذا نشره لن يضير أحدا بل سيساهم في تصحيح الفهم لأنه قائم أساساً على مراجعة الفهم سلباً أو يجاباً. سلباً بالتصحيح وإيجاباً بالإقرار، لا سيما وأن به الكثير من طرائف الامثلة والتجارب من الواقع والحياة في السودان الشارحة للصدر. ومعلوم ان معالجة خطأ الكلمة بالحوار والكلمة أجدى من المنع بالسلطة والكبت بالتخويف. كما اقول: ما من موضوع أخذ مني وقتاً لاختيار عنوانه كهذا وهذا يرجع الى اشتماله على عدة جوانب كل جانب لا يقل أهمية عن الجانب الآخر. بدا ان يكون العنوان (بهذا المستوى من الدراية تحكم امريكا لا بالخطب) وبدا أن يكون (مناقشة علمية لغرايشن حول ما قال عن الجنوب) وبدا أن يكون (مناقشة علمية حول ما جاء بخطاب غرايشن عن السودان) وبدا أن يكون ( رسالة لغرايشن: ملاحظتك عن الجنوب صحيحة 001% لكن التعليل فيه نظر) واخيراً كان العنوان عاليه لأن الصديق هو مبعث الخطاب وأساسه لماذا؟ الإجابة ستأتي في مكانها من المقال، وبعد: قرأت كلمة بجريدة الصحافة بتاريخ الاثنين 5/4/0102م ص 6 للسيد غرايشن مندوب الرئيس اوباما للسودان بعنوان (غرايشن يحكي لأحد أصدقائه عن السودان) ترجمة د/ عبد اللطيف سعيد قال فيها غرايشن لصديقه بالحرف:( ما كنت اريد ان اشغل بالك بما يجري في افريقيا لولا إصرارك الشديد على ان تعرف مجريات الأحدث في السودان، وكأنك تريد ان تتخصص في هذا البلد الغريب الأطوار مع معرفتي الشديدة لتخصصك البعيد كل البعد عن الاجتماع والسياسة والشؤون الدولية.( في الاصل لأن تخصصك المعني واحد إلا أن الأمانة أوجبت الإشارة). في افريقيا السوداء تعودنا على أن نتعامل مع أشخاص مزاجهم قريب من مزاجنا، وقد صنعنا نحن طريقة تفكيرهم وخطوط نظرتهم للأمور. وفي العالم العربي لانتفاهم عادة مع سياسيين بل مع قادة تتطابق مصالحهم مع مصالحنا، ولا نجد صعوبة في أن نجد منهم كل ما نريد وأكثر ما دمنا نوفر لهم الجلوس على العروش ونخيفهم. لكن السودانيين شيء مختلف جداً، فلاهم يقفون في الصف الاول ( يعني الافارقة) ولا يمكن تصنيفهم في النوع الثاني (يعني العرب). فعندهم استقلالية واعتداد بالنفس ربما يرجع الى بيئتهم المسلمة العربية المجردة الصريحة التي استمدت منها هذه الصراحة. ولا اريد طبعاً ان اقول الوقاحة.( يعني الشخصية العامة للسودانيين الشرح مني لا من المتهم) واعزو جزئياً تكوين شخصية المثقفين هنا الى التعليم البريطاني الذي تلقاه آباء هؤلاء واجدادهم في كلية غردون التذكارية، وبقية المنظومة التعليمية التي وضعها لهم البريطانيون منذ بداية القرن العشرين أثناء استعمارهم للسودان. اصدقاؤنا الذين نعتمد عليهم في السودان هم الجنوبيون وشخصيتهم قريبة من صنف الافارقة الذي ذكرت صفاته آنفاً، لكنهم يختلفون عنهم بالشراسة التي اكتسبوها من خلال حروبهم الطويلة مع الشمال. وشيء من الاخلاق العربية التي تسربت بطريقة ما من خلال معاشرتهم لعرب الشمال.. وهم يستمعون لنا جيدا. واحسن دليل على ذلك ترشيحهم لاحد العرب المتمردين ( واسمه عرمان) وإحراق عرمان هذا لا يحرج الحركة بشيء، فهو ليس جنوبياً ولا مسيحياً. ونحن والحركة نعرف انه اذا صمد الى نهاية الصراع الانتخابي مع البشير سيفضح حساباتنا كلها ( تعليق مؤقت، إذن ترشيح عرمان وحرقه وما خفى اعظم كله صناعة امريكية، وعليه الشكر لله لا للشعبية فتدبر). وعن السيد الصادق قال بالحرف (هو حفيد المهدي الذي قتل غردون، والذي قاد دولة الدراويش المتوحشة التي قرأنا عنها في بعض مناهج الثانوي عندنا. والرجل مملوء بهذا التاريخ.. فهو رجل نبيل ولكنه ضعيف عديم التصميم. لا يكاد يبني فكرة حتى يهدمها قبل أن يمضي في انفاذها في الواقع.. ولا ضير أن يقوم بدور الزعيم الكبير اسما من غير ان يكون له تأثير في الواقع). وعن البشير قال بالحرف (وعمر البشير هو المشكلة الحقيقية. وهو في شخصه وحكومته قد تلقيا صفعات منا كثيرة. ولكنها لم تقض عليهما. وحتى مسألة المحكمة الجنائية الاخيرة استطاع تجاوزها ومهما يكن فإنا سنشكره إن مضى بالشوط الى النهاية واستقل الجنوب عن السودان وحوله مجموعة من المثقفين المدربين تدريباً عالياً للصدامات بكل أنواعها. (وهم في معظمهم من أبناء المزارعين والرعاة من أبناء الاقليم الشمالي الذين لهم مراس بشؤون الحياة).أ.ه ما جاء بخطابه لصديقه ملخصاً. بعده نأتي الى مراجعة ما لفت نظري فيه مرغماً تحت عنوان: ملاحظات ومراجعات 1/ أولاً لفت نظري قوله (إصرار صديق غرايشن على ان يعرف مجريات الاحداث في السودان رغم تخصصه البعيد كل البعد عن الاجتماع والشؤون الدولية) السؤال لماذا الإصرار؟!. هذا يرجع في تقديري الى اختلاف الشخصية السودانية عن السود في امريكا وغيرها في افريقيا المتميزة بالاستقلال في الرأى وإثبات الوجود بالذاتية والإرادة الحرة. لا برفع الارجل بحذائها على المكتب في وجوه الآخرين كما يفعل السود في امريكا كما قالوا وسمعت. ولإثبات الوجود بوقاحة، والبيض يقبلون منهم هذه الوقاحة ما دام الامر لا يتعدى مجرد التنفيس بهذه الوقاحة الى بواطن الامور في الحياة. وقد أشارغرايشن بخطابه الى الفارق بين الصراحة عندنا، وصبرهم على وقاحة السود عندهم. اذكر مثالاً للتوضيح. في عام الاعتداء الثلاثي على مصر في اكتوبر 6591 كان المحجوب مندوب السودان بالأمم المتحدة شاهد عدداً من الافارقة يتحادثون بود مع المندوبين البريطاني والفرنسي، فقصدهم وسلم على السود ولم يسلم على المندوبين وذهب لحاله. دهش المندوبان!! فسألا: من يكون هذا؟! فلما علما زادت دهشتهما لاستقلال السودان في 1/1 من ذات عام 6591م. لو كان المتعلمون كانوا من امثاله أو امثال حسن بشير من رجال دكتاتورية عبود لكان السودان غيره اليوم. للعلم كان الجنيه السوداني بعهد عبود يساوي 3 دولارات والباقي قرش، وللعلم افتى العلماء بالعصر العباسي أن الحاكم الكافر العادل خير من المسلم الظالم؛ لأن عدله للناس وكفره لنفسه. وبالاولى القاضي أكرر القاضي العادل. 2/ ثانياً لفت نظري إهتمام امريكا بالسودان الى احد ان رئيس الولاياتالمتحدة زار السودان في آخر العشرينات او بداية الثلاثنيات، بل الى حد ان منهج الثانوي عندهم يتضمن تدريس دولة الدراويش المتوحشة التي قتلت غردون. لاحظ أنها بالثانوي فترة المراهقة والتكوين، ولاحظ وصف المجاهدين بالتوحش وذات الوصف اليوم يوصف به أحرار العراق وافغانستان وباكستان وفلسطين. وأعجب من هذا هدد باراك بالامس (السبت 01/4/0102م) بضرب ايران بالقنبلة الذرية ليحول دون تطورها العلمي في مجال استخدام الذرة للاغراض السلمية بحجة (الارهاب النووي) ، وبغض الطرف عن قنابل اسرائيل الذرية الجاهزة للعمل! مفارقات. وفي هذا المعنى وتحت عنوان (قمة الأمن النووي) كتب الاستاذ موسى يعقوب كلمة بجريدة الرائد 41/4/0102م ص 61 اليه اضيف النووي عندنا محدث (ت 676 ه) وامريكا حديثة الميلاد (2941م) وإيران قبل الميلاد. نواصل ان شاء الله. والله من وراء القصيد