في الحلقة الأولى وقف الحديث بنا عند أمثلة الداخل التي تفرد بها السودان دون غيره من المجتمعات في العالم أجمع. تمامة ذكر ما قاله المستعمر عنه: يقول سير لاوين (sir Lia wain) مساعد السكرتير الاداري ماكمايكل لحكومة السودان بمذكراته عن السودان «أفضل نخبة انجليزية كانت هي التي ترسل للسودان بعد الهند». وكأنى به يقول (كما تكونوا نولي عليكم) ويقول «السودانيون أهل فروسية وشخصيتهم متكاملة. وأن المحكوم عليه بالإعدام يقدم عليه بشجاعة. كما يتميزون بملكة الصبر وتحمل الألم الحسي والمعنوي. والتقشف. والصمود أمام صدمات الحياة. ولولاهم لما كان لبريطانيا الصمود في الحرب العالمية الثانية أمام هجوم الايطاليين». (الرأي العام من مقال: أ. د/حسن مكي 2009/5/3م ص7). (3) مثال الزائر يقول السيد غرايشن مندوب الرئيس أوباما إلى السودان بخطابه لصديق له عن السودانيين. ترجمة د. عبد اللطيف سعيد (هم ليسوا كالأفارقة الذين نصنع رؤساءهم وحكامهم كما نريد. ولا كالعرب الذين نأخذ منهم ما نريد ما دمنا نوفر لهم الجلوس على العروش ونخيفهم. ليسوا لأن عندهم استقلالية واعتداد بالنفس. وعمر البشير هو المشكلة الحقيقية. وهو في شخصه وحكومته قد تلقوا صفعات منا كثيرة. ولكنها لم تقض عليهم. وحتى مسألة الجنائية الأخيرة استطاع تجاوزها. وحوله مجموعة من المثقفين المدربين تدريباً عالياً للصدامات بكل أنواعها. وهم في معظمهم من أبناء المزارعين والرعاة من أبناء الاقليم الشمالي الذين لهم مراس بشؤون الحياة).أ.ه. ذكر غرايشن للمزارعين والرعاة هنا يؤكد صحة أثر اقتصاد الرعي والزراعة في الشخصية السودانية الذي ذكرت بدءاً. كما يوضح عمق نظرته. لله الحمد على توفيقه. أقول نظرته رغم قولهم أن هذا القول منسوب إلى غرايشن. إن كان لغرايشن فالعمق واضح وإن كانت الأخرى أقول «رب جد ساقه اللعب» كما قالت العرب بالملاحظة والتجربة. (2) ثانياً طبيعة التجارب السياسية السودانيون لما لهم من شخصية متميزة. واقتصاد طبيعي قوي. زائداً أكبر مشروع زراعي في افريقيا يروى بالري الانسيابي. أعني مشروع الجزيرة. لهم بذات القدر همم وطموحات عالية. لكن مشكلتهم الحقيقية في ولاة أمورهم منذ الاستقلال في 1/1/6591م. وجذور مشكلة الولاة في فلسفة منهج التعليم الذي وضعه الانجليز ليفضي إلى متخرج عرّفه الانجليز بالأفندي. وهذا موضوع آخر أشرت إليه لتمام القول والاحاطة. تعلق أمل السودانيين أول ما تعلق بالرئيس أزهرى رافع العلم إلا انه خذلهم لأن فلسفة حكمه كانت قائمة على أن حكومته حكومة تحرير لا تعمير. هكذا قال بخطاب حكومته للبرلمان وهي أول حكومة وطنية بعد الاستقلال. أيُّ تحرير وقد خرج الانجليز؟! المعنى حكومة خطب وهتافات ولعب بالعواطف لا حكومة إنجاز. أتى بعده عبد الله خليل فشلوا حركة حكومته بشكليات التصويت في البرلمان. فدبر انقلاب عبود ليتم الإنجاز. فقال الرئيس عبود قولته المشهورة (احكموا علينا بأعمالنا) فلسفة حكم وشعار عمل. وبالفعل أنجز في 6 سنوات الكثير. من ذلك سياسياً اعتراف السودان بالصين الشعبية. بعدها توالى اعتراف الدول العربية بها. وأهم من هذا اقتصادياً عندما استلموا الحكم كانت الخزينة خالية من العملة الصعبة. فاتجهوا إلى الغرب للاقتراض. فوافق بشروط. فلما اطلعوا عليها اتضح انها تزيد الحال سوءاً بالربح المركب. (ظاهرة فيه الرحمة ومن قبله العذاب) فاتجهوا إلى الشرق فباعوا القطن بالمقايضة لروسيا فامتلأت الخزينة بالدولار إلى حد أن الجنيه أصبح يساوي 3 دولارات والباقي قرش يكمل المائة في كل 33 جنيهاً. له الحمد. وما كنت أعلم أن الرئيس البشير يسير على ذات السياسة الاقتصادية إلا بعد أن أطلعت على مقال (الاغتيال الاقتصادي للأمم) بالرأي العام 2010/3/25م بقلم د. عثمان أبوزيد. تأليف جون بيركنز الامريكي. جاء بالكتاب: كانت ديون الاكوادور 160 مليون دولار. ونسبة الفقر 50% اتجهت إلى الاستدانة من الشركات الامريكية لتحسين الحال فأصبحت الديون 16 مليارا. والحال في حاله بل أسوأ. وجاء وهذا هو مكان الشاهد: (سأل المحاور بقناة النيل الأزرق الرئيس البشير: أي كتاب أهم قرأت حتى الآن) قال: (الاغتيال الاقتصادي للأمم). محوره اعترافات قرصان اقتصادي امريكي ضليع اسمه جون بيركنز. أحجمت دور النشر عن نشره. وأخيراً نجح بمساعدة بنته الوحيدة بعد 20 عاماً. لم يخذل عهد عبود السودان. وهذا يرجع إلى أمانتهم والأمانة لأصالتهم. لأن الانجليز ما كانوا يأخذون للجيش إلا أبناء زعماء العشائر والأسر العريقة. وهم بدورهم اختاروا من المدنيين أحمد خير المحامي الذي أهمل بعهد الاحزاب. ومأمون بحيري حفيد السلطان علي دينار. كانت الغاية الأبعد لثورة اكتوبر الحيلولة دون أن ينفذ حسن بشير قراره بحل مشكلة الجنوب بأسلوب الحجاج الحاسم في العراق. وقد أدرك الشعب قيمة عبود فهتف (ضيعناك وضعنا معاك يا عبود) بعد فوات الأوان بعهد نميري. لم يخذل كما قلت. ولكن حكومة ثورة اكتوبر برئاسة سر الختم الخليفة خذلت السودان. كما خذله الرئيس نميري قبله وقد حكم 20 عاماً إلا 4 أعوام خذله سياسياً بالغاء اتفاقية أديس أبابا الموقعة عام 1972م فأثار الدينكا عام 1983م فحملوا السلاح بعد 10 سنوات لم تطلق فيه طلقة. واجتماعياً بإلغاء الادارة الاهلية مسامير المجتمع. وهي النقطة الوحيدة التي اتفق فيها الاسلاميون والشيوعيون. لماذا؟ لا أدري. هل من مجيب؟ واقتصادياً بإلغاء السكة حديد. وتعبيد طريق نيالا كاس زالنجي المهجور المقطوع بدل الجنينةالخرطوم أو جوباالخرطوم أو شريان الشمال المطروق. بل بإلغاء الرياضة بل السلم التعليمي الرباعي. فتداخلت المراحل. وذهبت متعة الانتقال من مرحلة إلى أخرى بخلط الكيمان. وأعجب العجب أنه دعا إلى الفساد بقولته المشهورة (ال/ما يغنى بعهدي هذا لن يغنى). وبالجملة لو قال قائل ان كل ما نحن فيه من سلبيات هو حصاد طبيعي لزراعة النميري لما بعد عن الحقيقة. حتى تنقيب البترول كانت منطقة شندي أغنى وأجدى من مناطق اليوم. أقول هذا لا اعتباطاً ولكن عن ملاحظة لاحظتها. هي في عام 1969م حفرت بئر داخل حوش وابور الكهرباء. فإذا بمادة كالجازولين تظهر في عمق مترين. وبسوق شندي حفر مرفق عام بعد 250سم. ظهرت طبقة مرجانية غليظة استمرت إلى العمق المطلوب. ومعلوم أن البترول من مخلفات مائية سحيقة. لذا كان شعار شركة شل نصف محارة مرجانية. تعلق أمل السودان بعد نميري في السيد الصادق. ففاز معظم مرشحي حزب الأمة بانتخابات نزيهة (عام 1985م). فأرسلت أنا وغيري برقيات من مصر. قالوا وقلنا فيها له (أنت رجل الساعة والموقف) لكن بكل أسف بعد تكوين حكومته. لعب رياضة البولو (كرة تلعب بالخيل) مع وفد امريكي حضر خصيصاً من أجل هذا الغرض. ليقولوا ضمناً ان الأمر في جوهره مجرد لعبة. ليخذلوا تطلع السودان فيه. وقد كان فقد حل الوزارة كلها ليخرج أبو حريرة وزير التجارة. والأعجب أن السيد الميرغني وافقه على ذلك. ولم يشفع لأبو حريرة أنه مرشح حزب الشعب الديمقراطي (حزب الختمية) عن دائرة البطاحين. فتأمل مفارقات السياسة قبلها وافق الاسلاميون والشيوعيون على حل الادارة الاهلية؟! وهكذا خذل الشعب في كل الحكومات عدا حكومة الرئيس عبود أفضل العهود بعد الاستقلال كما قال السودانيون بالاجماع في استفتاء أجرته قناة أبو ظبي عام 2002م أو 2003م. الآن تعلق أمل الشعب السوداني بكل تراثه وتطلعاته وشخصيته المتميزة أكرر المتميزة تعلق في المؤتمر الوطني بعهد الإنقاذ الثاني. وما هذا الفوز الشامل بأول انتخابات حرة بعد 24 عاماً إلا أوضح دليل على اختيار الانقاذ للإنجاز على التحرير. رغم السلبيات التي يجب مراجعتها. إن كانت عن جهل فالسودان غني برجال الاداء الخلاق والولاء بلا نفاق. إلا أن غواصات أعداء السودان بالداخل والخارج يحرمون المؤتمر الوطني من الاستفادة منهم. ومعلوم أن المشغول بأي شيء عن المصلحة العامة لا يخلق لانشغاله بنفسه عن الخلق. وآخر قولي: إن هذا الشعب مستعد أن يأكل البليلة ويربط الحجر على بطنه كالنبي يوم الخندق إن وجد الشفافية. وقد عقد الأمل في المؤتمر الوطني. وأدى ما عليه بانتخاب مرشحيه. فلا تتنفسوا الصعداء إلا بعد تحقيق تطلعاته. أول هذه التطلعات الاكتفاء بقمح مشروع الجزيرة عن الاستيراد. فلا حرية لشعب يأكل من وراء البحار. كما قال القذافي. اللهم أكفنا الشر. آمين. الموضوع طويل وحيوي. حسبي هذا منه. والمعونة من الله على قدر النية. وإن تنصروا الله ينصركم. وكان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه. نسأله التوفيق للجميع. آمين. والله من وراء القصد