٭ يوم الجمعة الثاني من سبتمبر مرت مائة واربعة عشر عاماً على معركة كرري والحديث عن هذه الذكرى حديث من نوع خاص ومفهوم خاص.. هو حديث هم الهزيمة الانتصار. ٭ نعم الهزيمة بمنطق المعارك الحربية في شكلها العام خسران المعركة واستشهاد ثمانية عشر ألف من قوات جيش المهدية الذي كان تعداده خمسين ألف بقيادة الخليفة عبد الله ود تورشين في خلال ساعتين من الزمان بدأتها قوات المهدية بعد مناقشة حادة بين الخليفة وابراهيم الخليل وكانت الطلقة الاولى فجر الثاني من سبتمبر 9881 من قوات المهدية على جيش ظل يزحف داخل الاراضي السودانية على مدى عامين نحو ام درمان وانتهت المعركة بعد ساعتين وارتفع علم الحكم الثنائي على سارية قصر الحكم العام. ٭ الفضل ما شهد به الاعداء وتشرشل في كتابه (حرب النهر) قال: «اننا لم نهزم هؤلاء الاسود ولكن حصدناهم بنيران البنادق والمدافع» انها الهزيمة النصر. ٭ ووقفتي اتت بعد شهر من ذكرى المعركة.. وهى ليست احتفائية حتى لا يقول قائل تحتفون بالهزائم.. فنحن نقف مع مرور كل عام على معركة كرري ومائة واربعة عشر عاماً.. شهد فيها العالم حربين عالميتين قلبتا الموازين واعادت قوانين كثيرة من المعادلات.. مائة واربعة عشر عاماً شهدت ظهور المعسكر الاشتراكي وتراجعه وعلى صعيد العالم العربي شهدت عبد الناصر.. والسادات وحسني مبارك.. ومحمد مرسي.. وقاسم العراق.. وصدام.. وو.. الخ وعلى صعيد السودان شهدت استقلاله السياسي بعد ان جسم الاستعمار فوق انفاسه نصف قرن ويزيد.. 8991-6591 وبعدها شهد السودان عهد الحكم الوطني بديمقراطيته الليبرالية وانقلاباته العسكرية وثوراته وانتفاضاته حتى نيفاشا وانفصال الجنوب. ٭ ودائماً في هذه الذكرى يأتي الصدى بهيجاً مشعاً في صدر الفتى الشاب المتصوف محمد أحمد الذي تأمل حياة السودانيين من حوله.. عاش قهر الحكام وجبروتهم.. غرق في قراءة القرآن ودخوله الخلوات للتأمل.. اقضى مضجعه جوع الجوعى وبؤس الفقراء والمساكين.. رأى في الزهد تجاوباً مع الغلابة حتى استفزه حفل اقامه استاذه لختان انجاله فرأى في ذلك بذخاً وعامة الناس يأكلهم الجوع وقال لا.. وكبرت القضية في ذهنه انها قضية ظلم وقهر واستبداد ولتكن ثورة.. ٭ محمد أحمد لم يحتمل رؤية ظهور المواطنين السودانيين وقد مزقتها سياط الحكم التركي واكلتها مجموعات النمل التي يدفع بها جامعو الضرائب بسياط الامبراطورية العثمانية الاسلامية. ٭ واستطاع الفتى الثائر ان يفصل بين الاسلام الحقيقي واسلام الظلم والاستبداد والقهر.. ونادى اهل السودان جميعهم.. ان الاسلام ضد الظلم وضد القهر والاستبداد. ٭ وجاءت المهدية ثورة سياسية واجتماعية وطنية تقوم على الوحدة الوطنية وابعاد الدين الاسلامي الحقيقية في العدل والمساواة والتسامح. ٭ فلتكن هذه الوقفة بداية لقراءة جادة لوقائع تجاربنا السياسية المعاصرة انطلاقاً من المفهوم القومي للثورة المهدية حسب طبيعة المجتمع السوداني وعناصر تكوينه.. ولنقف بشكل خاص امام تجربة الخليفة عبد الله خلال الثلاثة عشر عاماً التي قضاها في الحكم والتي شهدت الواناً واشكالاً من المشاكل وصراعات الحكم والسلطة في الداخل.. وحصارات الخارج وحتى خروج الخمسين ألف الى شمال ام درمان.. الى كرري ونبحث عن كيف قضى الخليفة عبد الله العام 8991-9981 حتى معركة أم دبيكرات. ٭ ويجب ألا ننسى أن محمد أحمد المهدي ثار على نظام حكم باسم الدين الإسلامي.. ثار على الامبراطورية العثمانية عندما جعلت من الإسلام سوط عذاب للمسلمين وغيرهم. هذا مع تحياتي وشكري