احتفلنا نهاية العام الدراسي الماضي مع عدد مقدر من الاسر السودانية بالمهجر، بإحراز ابنائهم نتائج قاربت الدرجة الكاملة في امتحانات الشهادة الثانوية، لكنا سرعان ما عاودنا مواساة ذات الأسر لتراجع النتيجة بعد امتحانات القدرات المقررة في بعض دول الخليج تراجعاً ربما أبعدهم نهائياً عن المنافسة عبر القبول العام للجامعات السودانية. وهذه النتائج غير المتوقعة جعلت الكثير من العاملين بالخارج يفكرون في أمر تعليم الأبناء داخل أسوار الوطن بالرغم مما يمكن أن ينتج عن قرارات كهذه خاصة في جوانبها الاقتصادية، فقد يتطلب الأمر أن تبقى الأسرة بكاملها بالسودان، وفي ذلك لا بد من توفير دار مملوكة أو مستأجرة، وإن بقي بعض افراد الاسرة بالسودان وواصل الباقون في ارض المهجر، فالأمر يقتضي العودة من وقت لآخر لتجديد الاقامات وتأشيرات الخروج والعودة وخلافه، وعلينا حساب تكلفة هذه الخطوة بجوانبها الممتدة. وهذا بالتأكيد يتطلب تحديد المرحلة الدراسية المطلوب توطينها، وهو ما لا يتوافق مع فئات اخرى من الابناء، في وقت فكر فيه آخرون في وضع عصا الاغتراب وحمل كل الهم والاتجاه نحو الوطن قسرياً من أجل الأبناء ليتحملوا الكثير من المتاعب مع غياب وظيفة أو عمل ثابت بالسودان يلبي متطلبات الحياة الجديدة، وقد تصطدم هذه التضحيات بإمكانية لحاق الابناء بالمناهج الوطنية ومدى قابلية استيعاب الطرق الدراسية المختلفة عن ممارستهم في بلاد المهجر. وما الذي يمنع أن تتدارس الجهات ذات الصلة علاجاً لهذه المشكلة التي باتت توجه مسيرة الاغتراب للكثيرين اما باستبعاد درجات امتحان القدرات أو فرض امتحان محلي موازٍ للقدرات يخضع له أبناء العاملين بالخارج، وقبل كل ذلك وضع خطة مدروسة لتدريس المناهج السودانية بالخارج بطريقة مؤسسة عبر مدارس نظامية تلتزم بكل ما تلتزم به المدارس الخاصة والحكومية، يؤمها أساتذة مختصون توفر لهم كل معينات النجاح ومقوماته، ونكون بذلك قد ساهمنا في تجاوز متاعب كثيرة للمغتربين. حاشية: وأنا أمهد لبناتي لموضوع الاستقرار واستكمال دراستهن بالسودان، فتحت إحداهن موضوع مياه الشرب بالمنطقة وما لاحظته في إجازتهن الأخيرة، ودفعني الفضول لحظتها للاتصال بأحد أقاربي في محلية معتوق غرب الجزيرة، فحدثني بوجع قاتل وقال: تخيل أن اكثر من ثماني قرى بالمحلية تقطع مسافة بين عشرة إلى ثمانية عشر كيلومتراً للحصول على مياه الشرب من قرية قنيدة التى وضعت فيها الترعة الرئيسة عصا الترحال، وتشمل تلك القرى ود عيد المسلمية وصبابة والمجيغة حلة بر وجبرة ومعتوق وحلة بابكر، حيث يقطع أهلها تلك المسافات للحصول على مياه الشرب على علاتها. ووزارة الري ظلت لفترات طويلة تحذِّر المواطنين الذين يسكنون بجوار الضفاف من تهور النيل الأزرق وعنفوانه، والدولة رصدت الغالي والنفيس من أجل درء آثاره التي قد تحدث، ولا أحد فكر يوماً في ترويض النيل عبر تنقية القنوات الفرعية لتصل تلك المياه الى مناطق أبعد ومنسية داخل المشروع، ساكنوها مواطنون يدينون بالولاء وما حملوا السلاح ضد الخرطوم، واستقبلوا قادة الدولة مراراً وتكراراً، ومع ذلك فصوتهم لا يسمعه أحد ولا آذان تصغي، ففكرتهم اليوم أن يقللوا معاناتهم ببيع ما ملكت أيديهم من بهيمة الأنعام، وهجر الزرع ليوحدوا جهودهم من أجل الشرب لا غيره.