تستشرف الحركة الإسلامية السودانية مؤتمرها العام الثامن فى الأيام القليلة القادمة وهى تودع حوالى أكثر من أربعة وستين عاما منذ بداياتها المتواضعة فى السودان فى نهاية أربعينيات القرن الماضى كامتداد طبيعى لحركة الإخوان المسلمين فى مصر مثلما حدث للحركة الشيوعية، وقد قمت برصد لمفاصل مسيرتها وتطوراتها منذ ذلك التاريخ فى مقال سابق خلصت فيه الى أن الحركة الإسلامية السودانية بمؤتمرها الثامن القادم تقف فى مفترق طرق بعد طول مسارات تطورت من مجرد حركة طالبية فى المدارس الثانوية والجامعات السودانية خاصة فى جامعة الخرطوم اضافة الى شعبية متواضعة العدد آنذاك انطلقت من مجرد رد فعل للحركة الشيوعية الى حركة ضغط من أجل الدستور الإسلامى فجبهة سياسية فحزب سياسي لعب دورا هاما ترك بصماته فى الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية حتى أصبحت أخيرا نظاما حاكما لمدة تقترب من ربع قرن، شهدت خلالها مؤتمرات مفصلية كانت نتائجها تغير بعضها فى أسمائها وأخرى مناهجها واستراتيجياتها وأخرى أدت الى انشقاقها وخروج قيادات مؤثرة وتكوينها تنظيمات جديدة تختلف فى مناهجها وتحالفاتها وان ظل التيار الرئيسى فيها مستمرا ولكنه يشهد اليوم تحركاتٍ ومياهاً جديدة تحت الجسر وربما قيادات ودماء جديدة لها تأثيراتها بحكم مشاركاتها الهامة والمؤثرة خاصة خلال الثلاثة و عشرين عاما الماضية حتى اليوم. و ما يميز المرحلة الحالية أنها مرحلة مفصلية فى مسارها أكثر من أى وقت مضى فى ظل أوضاع جديدة محلية واقليمية ودولية بالغة التعقيد والتحديات والمفارقات وعلى رأسها ثورات الربيع العربى فهل تنجح فى مقابلة تلك التحديات أم تتجاوزها التحديات والأحداث وتفعل فيها الأفاعيل.. و ماهى عناصر القوة الفكرية والسياسية بل الإقتصادية التى يمكن أن تسهم فى المزيد من قوتها خاصة وأن الإقتصاد أصبح الآن التحدى الأكبر لها وهى تمارس السلطة ومسئولة بالدرجة الأولى عن الوطن كله وليس منسوبيها فقط كما الماضى. وبالمقابل ماهى عوامل الضعف التى يمكن أن تؤثر سلبا فى مسارها. لقد مرت على حكم الحركة الإسلامية السودانية فى ظل نظامها الحالى ( الإنقاذ) ثلاث مراحل وجمهوريات مثلما مرت على السودان ثلاثة أنظمة ديمقراطية وثلاثة أنظمة سلطوية غير ديمقراطية اذا حسبنا نظامها الحالى احداها بطبيعة الحال. ( جمهورية الإنقاذ الأولى من عام 1989 حتى دستور التوالى عام 1998 ثم الجمهورية الثانية حتى دستور نيفاشا 2005 والآن تستشرف الجمهورية الرابعة. أما ديمقراطيات السودان الثلاث فهى عقب الاستقلال ثم عقب ثورة أكتوبر 1964 والثالثة عقب انتفاضة أبريل 1985) والسؤال هو هل تستفيد وتتعظ الحركة الإسلامية السودانية من سلبيات الممارسات السياسية التى عصفت بالأنظمة السلطوية السابقة ثم عقب تلك الثورات فتطور نفسها وتتفادى مصائر تلك المأسوية بأن تقيم ديمقراطية رابعة أكثر رشدا واستقرارا وازدهارا ومن ثم جمهورية رابعة للحركة الإسلامية تجعل أهل السودان يتأكدون ويثقون بأنها تستحق أن يعطوها تفويضا جديدا من خلال نظام ديمقراطى حقيقى كامل الدسم عبرصندوق انتخابات حرة وصادقة وشفافة وليس عبر صندوق الذخيرة التى جاءت بها للسلطة عام 1989؟ هذه فى تقديرى هى القضية التى يجب أن تناقش بجدية ومن ثم تحسم الحركة خياراتها اضافة لخيار العودة للتوحد ومن ثم اعادة اللحمة للذين وقفوا فى الرصيف أويمكن جذبهم جراء الخلافات التى عصفت بها أو لرؤيتهم المخالفة لنهج الحركة ونظامها عقب قيام نظام الإنقاذ الأمر الذى أدخل فى صفوفها عناصر لن تجد منها الحركة غير القفز من المركب حين يجد الجد وتكثر التحديات التى يمكن أن تعصف بها فهؤلاء لم يأتوا اليها قناعة بل بسبب (ذهب المعز أو سيفه!!). الحركة الإسلامية والحل الوسط ذكرت فى مقابل سابق أن الحل الأوفق للسودان فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان المعاصر بل للحركة نفسها هو الموقف الوسط بين اسقاط النظام وبين الإصرار على منهج الحركة ونظامها السابق والحالى فى الكنكشة على السلطة والثروة وتهميش الآخرين وذلك من خلال احداث تغيير واصلاح حقيقى وشامل لا مواقف تكتيكية للنظام القائم والاكتفاء بوضع المساحيق، فاذا كان ذلك الإصلاح والتغيير أمراً سياسياً هاماً وأساسياً فانه أمر هام وأساسي للأوضاع الاقتصادية بالغة التعقيد والخطورة، فالسياسة والإقتصاد هما وجهان لعملة واحدة لايمكن الفصل بينهما.. فالنظام السياسى الذى يقوم على الحريات و الحكم الرشيد والعدل والكفاءة والأمانة وليس مجرد الولاء هو الحاضن السياسى الصحيح لاقتصاد مزدهر يحارب الفقر والبطالة والركود والكساد التضخمى بل يعطى القوة الاقتصادية التى تؤدى لقوة الوطن كله، لا يتجرأ عليه أحد أو جهة مهما كانت قوتها أكثر،ذلك أن احساس جميع مواطنى البلاد بأنهم جزء اساسى فى صناعة القرار الوطنى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى وكل قضايا البلاد يجعل البلد أكثر وحدة وتماسكا وقوة توجه مواردها نحو التنمية الشاملة وليس تبديدها فى الصراعات والاقتتال لمجرد الحفاظ على السلطة والثروة والنفوذ والمصالح الضيقة.. على مؤتمر الحركة أن يختار الحكمة ودواعيها ونتائجها كما فعل رائد نهضة ماليزيا د. مهاتير محمد حين قال إن السبب الرئيسى فى نجاح تجربته بنقل ماليزيا الى صفوف النمور الآسيوية أنه كان ينفذ ما يريده شعبه لا ما يريده هو ويفرض عليهم رؤاه فقط. أخيرا نطمع أن تأتى نتائج مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن مفعما بالأمل والتفاؤل ويكلل بالنجاح ففى نجاحه خروجا للسودان من النفق وحصار محلى واقليمى ودولى وضعف اقتصادى وصراع سياسي... قال الرسول الكريم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). وقبله آيات الله فى كتابه الكريم ( ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ( وان الله يأمر بالعدل والإحسان).