المنصة التي أطلق منها د.نافع على نافع تصريحاته التي نعت فيها «المعارضة» بالبعد عن الشريعة الإسلامية، تستدعي منه اختيار تلك العبارات بحسب مراقبين لكونه يخاطب مجتمعا صوفيا يتخذ من الدين منهجا في نظرته للحياة بمفهومها البسيط، ولكنها ربما فتحت باباً آخر يسوق الناس إلى الحديث عن جدلية ما عرف «بعلاقة الدين والدولة»، فالرجل قال أمام حشد من جموع للطرق الصوفية بولاية شمال كردفان فيما معناه «أن قضية الحكومة والمعارضة تكمن في أن الأخيرة لا تريد الشريعة وتسعى إلى إقامة دولة علمانية، بل تعهد بتقديم كل المستندات التي تؤكد ما ذهب إليه، ودعاهم إلى مناظرة علنية بهذا الخصوص».. ورغم أن الجدل حول «إسلامية الحكم من عدمه « ظل موجودا في مضمار الملعب السياسي السوداني، إلا أن سياق المقارنة البسيطة بين مضمون وتوقيت تصريحات نافع وطبيعة تركيبة ما يعرف «قوى الإجماع الوطني المعارض» يرسم في ذهن المتابع نوعاً من الدهشة لجهة أن الأحزاب التي يعنيها الرجل واحكمها بعبارة «بلا استثناء» تنطلق جلها من قاعدة إسلامية أولها «المؤتمر الشعبي» أكثر الأحزاب خصومة مع الوطني الآن، ثم حزبا «الأمة القومي والاتحادي الأصل» وباقي فرعهما وهي أحزاب يصفها البعض بأنها «طائفية» للعلاقة بينها وطائفتي «الأنصار والختمية». ويبدو أن هذا ما جعل الكثير من قيادات الأحزاب تلك تكتفي في تعليقها ل(الصحافة) أمس على ما أثاره «نافع» بعبارة واحدة وضعت في قالب استفهامي على شاكلة «هل طبق المؤتمر الوطني الشريعة أو كان يحكم بها خلال سنوات حكمه؟»، ولكن مثلما أن المهمة في تثبيت أو نفي إجابة هذا السؤال تحتاج إلى براهين وأدلة بعيدا عن التأثيرات السياسية ، فان الحديث عن علمانية الأحزاب أو إسلاميتها يحتاج أيضا إلى عصف ذهني قد يأخذ بعض الوقت، أو هكذا أراد أن يقول القيادي بالحركة الإسلامية بروفيسور عبدالرحيم على في حديث ل(الصحافة) أمس عندما أشار إلى أن الأحزاب ليس كلها سواء ومسألة علمانية الأحزاب من عدمها مسألة تقبل الكثير من التفسير، وأضاف»لذلك هذا النوع من الأسئلة يحتاج إلى شرح وأي كلام مختصر عنه قد يضر بالمعنى» بيد أن المؤشرات العامة بحسب متابعين تدفع في اتجاه أن تصريحات نافع تلك ربما جاءت في سياق الحالة السياسية التي تحيط بالوضع السوداني الراهن والتي جعلته في خانة «الانتقالية» وما تشهده الساحة من شد وجذب بين مكوناتها المختلفة، وفي هذا لا يمكن إغفال الحراك حول «الدستور» باعتباره حديث المجالس السياسية الآن، سيما وان المهمة القادمة التي تواجه الدولة السودانية هي كيفية وضع دستور دائم، إذا أخذنا في الاعتبار الصراع الذي يدور الآن بين ما عرف بالتيارات الإسلامية المتطرفة والتيارات المعتدلة، وهو ما جعل البعض يصف ما أدلى به نافع بأنه مزايدة قصد منها الرجل الكسب السياسي، وهنا يتساءل أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية بروفيسور صلاح الدين الدومة عن سر إطلاق نافع لهذا الكلام في هذا التوقيت، ويضيف الدومة بقوله «اعتقد أن الإجابة هي أن نظام الإنقاذ طيلة فترة حكمه يستخدم مصطلح العلمانية كفزاعة وخيال مآتم لكي يرعب به الرأي العام السوداني حتى يظل المواطن البسيط يعتقد بان هذه الأحزاب هي ضد الشريعية ولولا نظام الإنقاذ لن يعبد الله في الأرض وإنهم الوحيدون يعملون لحماية الدين ولكن الناس لم تعد تصدق هذا لأنها أصبحت واعية، وبدت أكثر واقعية» على حد تعبيره، فيما يعتبر عضو البرلمان عن المؤتمر الشعبي د.إسماعيل حسين تصريحات نافع بأنها مزايدات سياسية قصد الوطني عبرها دغدغة مشاعر ووجدان الناس المتدينين وصرف الأنظار عن عجزه في حماية البلد وفشله في إدارة الدولة، وأضاف في حديث ل(الصحافة) لم يطرح مثل هذا الموضوع و الحديث الآن يدور حول هذا النظام الذي يصادر الحريات ويكبل حق الناس في التعبير»، ويقول عضو هيئة تحالف المعارضة محمد ضياء الدين هنا أزمة في التوحد حول تعاريف المصطلحات وبالتالي كل طرف يحاول مهاجمة الآخر من خلال المصطلحات، كما يقول القيادي بالحزب الاتحادي الأصل د.على السيد إن د.نافع قصد التحدث بلغة تثير مشاعر الجماهير، بالتالي أي كلام يقال عن هذا هو محاولة ساذجة لكسب الناس. ولكن بعيدا عن الجدل العلمي وحتمية وجفاف النصوص فإن الواقع السياسي بالنسبة «لتحالف المعارضة» ربما جعل من «إحكام» نافع تلك صحيحة إلى حد ما بناء على المعطيات، سيما أن الحراك بين أحزاب المعارضة كشف عن تباينات بينها فيما يتعلق بتحديد الإطار العام للمفاهيم السياسية، وهنا فإن بعض التحليلات تذهب في اتجاه القول بأنه مثلما يدعم هذا الأمر وجهة نظر الوطني ولو من باب أن «الجدل» يؤكد وجود خلاف حول أمر ما، إلا انه يدعم أيضا فرضية أن المعارضة ربما لم تتفق جلها على إسقاط الشريعة من رؤيتها، من واقع انها اتفقت على حد ادنى تجتمع حوله الآن ضد «نظام الإنقاذ» التي أقرت إسقاطه بالقوة، حيث ترجمت ذلك في «وثيقة البديل الديمقراطي» و»الإعلان الدستوري» التي أشارت بوضوح إلى أن الدولة يجب أن تكون ديمقراطية، وفي هذا يجب الأخذ في الاعتبار تصريحات بعض قيادات المعارضة أولها زعيم المؤتمر الشعبي د.حسن عبدالله الترابي التي اقر فيها «بحدوث خلاف بين أحزاب التحالف حول مدنية الدولة، قبل الاتفاق على تجاوزها إلى حين إجراء انتخابات، ليطرح وقتها كل طرف رؤيته ويتحدد شكل النظام عن طريق الاستفتاء» وأشار الترابي في مقابلة سابقة مع (سودان تربيون) إلى أن حزبه تمسك بإقامة دولة إسلامية في السودان». وهنا يقول بروفيسور الدومة «في اعتقادي ان الأحزاب ليست ضد الشريعة لكنها ترى أن الشريعة ليست هي المصدر الوحيد للتشريع في الدولة» بينما يقول محمد ضياء الدين نحن نرفض الدولة التي تقحم الدين في تفاصيل العمل السياسي، ويضيف» اتفقنا على انه عندما يأتي الوقت المناسب الذي تتوفر فيه الحريات والعمل السياسي لكل حزب الحق في طرح رؤيته بالطريقة التي يريد»، وزاد ضياء الدين بقوله «إذا كانت الشريعة التي يتحدث عنها نافع هي على نمط ما يقوم به الوطني من نموذج فنحن ضد الشريعة»، ويتفق مع رأي ضياء الدين د.على السيد الذي يقول إن الوطني دائما ما يطلق وصف العلمانية على كل من يرفض مشروع الحركة الإسلامية لإدارة البلاد، ويضيف» هذا صحيح لأننا نرفض الإسلام الذي يتمسك به الوطني ونصر على أن الإسلام لديه مبادئ عامة ولا يوجد حكم إسلامي مقرر في الكتاب والسنة، ونعتقد ان هذا استغلال للدين الإسلامي عبر ما نسميه الإسلام السياسي» وينوه السيد الى ان الوطني يريد للمعارضة ان تغرق في هذه المفاهيم الآن، التي ليس لها أصل في علم السياسة ولكن الأحزاب واعية ولا يمكن ان تنجر وراء ما يريده الوطني»