يتوالى سكب المداد بقذارة قدحا ومدحا، وسناء حمد ترسم صورتها بعناية على صفحات الكثير من الصحف طيلة أيام الأسبوع المنصرم، حيث تعود إلى الأضواء بقوة بعد أن خفت بريقها قليلا وهي توضح وتفسر وتبرر وتحلل أحيانا «الدواعي والغاية» من انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية، بصفتها رئيسة لجنة الإعلام. . وفنادق الخرطوم الفخيمة منها والمتواضعة في حالة استعداد لاستقبال الضيوف، بعضهم من العيار الثقيل، وقاعة الصداقة التي تغازل النيل من على مقربة، تتزين بحلة حمراء وتفتح ذراعيها لاحتضان «مؤتمر الإسلاميين»، توقيت المناسبة يحمل دلالات عديدة لتزامنه مع مطلع السنة الهجرية، فاليوم «الخميس» مثلما هو عطلة رسمية يصادف أيضا، منتصف شهر نوفمبر الجاري، وبين هذه المعاني يتلاحم ما يربو على الأربعة آلاف من أعضاء الحركة الإسلامية اليوم، لوضع النقاط المفقودة فوق الحروف المبعثرة، وإعادة ترتيبها لتشكيل جملة مفيدة تصلح للاستهداء بهاء في مستقبل الطريق، الذي تحفه المخاطر وتواجهه التحديات، من بينها إعادة تعريف الحركة وهنا المطلوبات تستدعي تحديد العلاقة بين الحاءات الثلاثة»الحركة ، الحكومة والحزب» ثم اختيار الأجهزة وعلي رأسها الأمانة العامة، إضافة إلى تحديد الصلاحية ووضع الإطار العام الذي ينبغي أن تسير عليه سفينة الحركة في ثوبها الجديد. وبالطبع كل ما قيل ويقال قبل انطلاقة المؤتمر اليوم سيكون محض أراء شخصية وتوقعات لجهة أن المؤتمر العام وحده هو الجسم الذي يحق له اتخاذ المواقف اللازمة والملزمة، ولكن هذه الآراء بحسب متابعين مهمة لكونها تعطي خطوطا عريضة يتبين عبرها مواطن الخلل والداء، وتأتي في مثابة التشخيص المبدئي، وان كانت تلك الآراء بالضرورة معنية بالإطار العام والغلاف الخارجي المحيط بظروف انعقاد المؤتمر، ومدي نجاحه، باعتبار أن بعض التفاصيل الداخلية متروكة للمؤتمرين، هنا فان الاستدلال يقتضي الوقوف عند بعض ما كتب عن مؤتمر الحركة، ففي مقال نشر سابقا وضع القيادي بالحركة د. غازي صلاح الدين وهو رجل يعتبره الكثيرون بأنه ضمن زمرة الداعين إلى الإصلاح داخل منظومة أجهزة «الإنقاذ» بكل مستوياتها، وضع عددا من الموجهات الجديرة بالاعتبار لمكانة غازي «القيادي والمفكر الإسلامي» حيث يقول الرجل في أكثر الجزئيات متوقعة أن تثير جدلا بين أعضاء المؤتمر ، العلاقة بين الحاءات الثلاث «الذي يجب التوقف لديه هو تحديد علاقة الحركة بالسلطة في المستقبل وتعريفها حتى لا يحكم أحد باجتهاده الخاص ووفق هواه» ويضيف»أيًا كانت الصيغة العملية التي يتوصل إليها المؤتمر في هذا الشأن فإن أهم ما يجب إثباته هو أن الفكرة هي الأسبق والأبقى أما التعبير السياسي عن الفكرة، بما في ذلك السلطان أي الملك، هو عَرَض قد يزول، بل هو لا محالة زائل» ويقطع غازي بان «أية صيغة علاقة تكرس استتباع الدعوة للحكومة وتجعلها محض رديف لها في وظائفها هي صيغة خاسرة للحكومة والدعوة كليهما» . ويضيف « كي ما تبقى الحركة فاعلة ومناصِرة للحكومة وللدولة في الإطار الأشمل، ينبغي أن تكون مستقلة، والعلاقة بينهما علاقة تناصر وتعاون وتناصح وتنسيق في ما يجمع بينهما من وظائف». فيما يقول المحلل السياسي بروفيسور عبدالله علي إبراهيم في احد كتاباته « من الصعب ان يخرج المؤتمر بجديد لان هنالك شروطا متعلقة بالعلاقة مع السلطة تمنع إحداث تغيير جوهري». وأشار الى أن العلاقة بالنظام لديها حدود والانزعاج والتنفيس والتي لن تبلغ مستوي القرارات وبالتالي فان مخرجات المؤتمر ستكون تكريسا لما هو أصلا حاصل». وفي هذا أيضا قالت سناء حمد في حوار مع السوداني «ان الدستور الذي سيجيزه المؤتمر العام الثامن سيكون الحاسم للعلاقة بين الحكومة والحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وهي علاقة تاريخيا كانت جيدة والمستجد في الأمر المفاصلة» . وأضافت»أنا لست قلقة من هذا النقاش مادام سيتم الالتزام بالدستور». وليس قضية حسم «العلاقة» وحدها ستكون مكان نقاش وتفصيل، وإنما بحسب المعطيات أن أمر اختيار الأمين العام، أيضا سيجد حظه من الجدل، لكون أن الاتجاهات الآن داخل الحركة منقسمة بين التجديد لطه وتعديل المادة الخاصة بالقضية في الدستور أو اختيار بديل وهو أمر ربما سيكون أكثر صعوبة من تعديل الدستور بسحب متابعين لجهة أن الأسماء المطروحة الآن في دكة الاحتياطي، قد لا تجد الإجماع أو القبول الذي كان يجده طه، وفي هذا تقول سناء حمد» ان النقاش في الدستور حول أن يتم انتخاب الأمين العام من المؤتمر العام وليس من مجلس الشورى وأن يتم التجديد للأمين العام لأكثر من دورتين بجانب تشكيل الهيئة القيادية العليا وهي بمثابة جسم للأشياء الطارئة». فيما يري بروفيسور الطيب أن اقتراح مشروع الدستور أن يتم انتخاب الأمين العام من مجلس شورى الحركة وليس من المؤتمر العام كما كان الحال سابقا، يعتبر زيادة تهميش للمنصب، لأن السيطرة على مجلس الشورى من متنفذي السلطة أسهل من السيطرة على عضوية المؤتمر العام الكبيرة «4» آلاف» . ويضيف الطيب»من الغريب أن الولايات طبقت انتخاب الأمين العام من مجلس الشورى قبل أن يعتمد الدستور الجديد من المؤتمر العام» . ويطرح الرجل سؤالا تظل الإجابة عليه معلقة إلى حين انفضاض المؤتمر عندما قال» لا أدري ماذا ستفعل الولايات إذا رفض المؤتمر العام انتخاب الأمين العام عن طريق مجلس الشورى؟». ومن ضمن القضايا التي تنتظر المؤتمرين القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي يري بعض الخبراء والمحللين بان الحركة الإسلامية منذ تاريخها لم تستطع أن تقدم نموذجا للنهوض بالاقتصاد، بل ساهمت في انهيار الكثير من المشاريع الحيوية،وان كانت هناك ثمة أراء أخري تدافع عن تجارب الحركة، وتقول انها واجهت مضايقات ومقاطعات دولية كبيرة حدت من قدرتها في النفاذ وإنجاح مشروعها بمختلف ضروبه. . . وهي إشارات وقف عندها الأمين العام للحركة الإسلامية علي عثمان محمد طه لدي مخاطبته البرنامج الفكري لمؤتمر الحركة امس قبيل ساعات من «الانطلاقة» ، حيث دعا لضرورة التركيز على التحديات والإشكالات التي تواجه الأمة الإسلامية،وقال ان على الحركات الإسلامية التي قامت من أجل إصلاح العقول وإعدادها وإقامة أمر الله يجب أن تهتم بإقامة الحكم بتشجيع الأمة وإرشادها وتذكيرها بأن الشريعة الإسلامية هي الأساس، وأضاف طه «استكمال الأمة والمجتمع هو بالجمع بين الإسلام والسلطان وأن النظام الإسلامي لا يفرق بين مسلم وغير مسلم في الدولة الواحدة». غير انه فوق كل ذلك يري متابعون بان الظروف التي ينعقد فيها المؤتمر ربما مثلت داعما لها و لو معنويا على أمل ان تعيد سيرتها مع استصحاب التجربة، وفي هذا فان المشاركة الخارجية المزمعة ان تمت بحسب ما أعلن عنه المنظمون ستعطي إشارة قوية بان ثورات الربيع العربي أثمرت وانعكس أثرها على مسار الحركات الإسلامية بما فيها السودانية، وبالتالي فان «المؤتمر الثامن للحركة» اليوم يكون فاصلا بين «الإصلاح» في معناه العريض تطبيقا وإنزالا لأرض الواقع، او «التكريس» للمعاني والحال القديمة ويظل الحال كما هو، وينقطع عشم المتطلعين الى التجديد، وهو امر بحسب مراقبين قد يفتح الباب أمام مآلات لا يحمد عقباها، اقلها الانشقاق، الذي حذر منه ونبه اليه الكثيرون من داخل كيان الحركة وهم يصوبون سهام آرائهم الناصحة والناقدة.