لا شك أن تكريم الشخصيات العامة قيمة إنسانية وأسلوب حضارى يعبر عن الامتنان والعرفان ومقابلة العطاء فى العمل العام بالوفاء والاعتراف بقيمة وخدمة الشخص لوطنه ومجتمعه، والتكريم يعطى الشخص حافزاً ودافعاً معنوياً لبذل المزيد من العطاء والانجاز فى مجال عمله ولكن تلاحظ فى السنوات الاخيرة ان معظم المكرمين ليسوا من المبدعين الحقيقيين بل من فئة السياسيين والمسؤولين الذين اورثنا اداؤهم ما نحن فيه الآن من ازمات سياسية واقتصادية وامنية ، لقد انتشرت فى عهد الانقاذ ظاهرة اقامة احتفالات شعبية حاشدة لتكريم السياسيين واصبحت واحدة من اساليب التكسب السياسى تسعى من خلاله الجهة المنظمة الى نيل دعم سياسى او مادى وتحقق للمحتفى به او المكرم مكاسب سياسية واجتماعية واحيانا تستخدم كمساندة ودعم اجتماعى وسياسى من الجهات المنظمة للمسؤول الذى تربطه علاقة اجتماعية او سياسية بتلك الجهة وكذلك لارسال رسائل الى عدة جهات لاظهار حجم التأييد الجماهيرى الذى يتمتع به المسؤول او السياسى المعنى وقد اصبح هذا السلوك جزءً من النشاط السياسى وساهم فى التضليل وتزوير تقييم اداء المسؤولين واذكاء التعصب القبلى والجهوى ودائما ما تزدهر هذه الظاهرة فى مواسم التعديلات الوزارية وتشكيل الحكومات واصبح لها مقاولون ومتعهدون بارعون فى الحشد والترويج الاعلامى. وخلال الايام الماضية فجرت احدى التكريمات التي شهدتها قرية نائية بولاية كسلا ربما لم يسمع بها احد لولا تلك الحادثة التى فجرت خلافات حادة بين احد القيادات بالمركز من ابناء كسلا وزعيم قبلى بالولاية واستعرت على اثرها حرب التصريحات الصحفية والبيانات مدفوعة القيمة على صفحات احدى الصحف وتعود تفاصيل هذه الحادثة التى مازالت حديث الشارع بمدينة كسلا الى دعوة مرتبة للقيادى المركزى لزيارة القرية وبالفعل تمت الزيارة ثالث ايام العيد وصاحب الزيارة برنامج تكريم للوزير الاتحادى دعيت له كافة القيادات السياسية والشعبية يتقدمها نائب والى ولاية كسلا وحظي البرنامج بتغطية اعلامية شملت الصحف والاذاعة المحلية واحدى القنوات الفضائية واعلن الوزير تبرعه للقرية التى تعانى من العطش بعربة تانكر تستخدم فى جلب مياه الشرب كما تعهد بربط القرية بشارع زلط مع العلم ان المسؤول يتولى وزارة اتحادية ليس من مهامها انشاء الطرق وكذلك لم يسع القيادى ابان توليه منصب الوالى بالولاية قبل سنوات لحل مشكلة العطش وربط القرية بشارع اسفلت.. هذا التكريم اثار حفيظة الزعيم القبلى الذى لم يسع هوالآخر للمطالبة بحل مشكلة العطش ووعورة الطرق مع ذلك يعتقد ان المنطقة تقع ضمن مملكته الخاصة واستنكر الزعيم القبلى ان تتم الزيارة دون استئذانه مع العلم ان القيادى يشغل منصب وزير اتحادى تقع ضمن مسؤولياته حفظ الامن وبسط سلطة القانون بالتالى ان كانت هنالك سلطات لاستخراج اذونات لدخول القرية فهى من اختصاص هذا المسؤول الذى ترك الملفات الامنية الساخنة ودخل فى مكايدات مع القيادات الشعبية بولاية كسلا كما ان السلوك السياسى الذى ظل يمارسه الزعيم القبلى اعاق كثيرا خطط التنمية بالمحلية الفقيرة.. والمفارقة ان المسؤول الحكومى والزعيم القبلي كلاهما يتحملان بدرجة كبيرة التدهور الذى اصاب مشروع القاش الزراعى وبسبب هذا التدهور تردت الخدمات بالمنطقة وهجر انسان القرية التى كرمت الوزير قريته ونزح الى المدن حيث سبق للوزير الاتحادى الذى يعشق الحشود واحتفالات التكريم وصعد بفضلها الى المنصب الذى يشغله الآن ويعتبر هذا التكريم الرابع له من نوعه و سبق لهذا الوزير ان تولى منصب الوالى بولاية كسلا مرتين وشهد عهده اهدارا وتلاعبا فى اموال مخصصة لازالة المسكيت بمشروع القاش الزراعى بسبب ضعف الرقابة وتعود تفاصيل هذه الواقعة إلى أن الحكومة المركزية كانت قد رصدت فى عام 2006م اكثر من احد عشر مليار جنيه بالقديم لإزالة المسكيت من مشروع القاش، وكان من المفترض ان تتم الازالة بآلة البلدوزر وغيرها من الآليات على نحو ما قامت به ذات الشركة بمشروع حلفاالجديدة الزراعى، ولكن تدخل جهات نافذة بحكومة الولاية جعل الشركة تقرر أن تتم الإزالة يدوياً عبر مقاولين محليين بواقع خمسة وسبعين جنيهاً للفدان، بينما تم التعاقد مع الشركة لازالة المسكيت بواقع «360» جنيهاً للفدان، وهى قضية الفساد التى شهدت تحقيقات واعتقال عدد من المسؤولين بادارة المشروع العام الماضى، وأعد حولها الزميل صديق رمضان تقريراً نشر في هذه الصحيفة «الصحافة 25مايو 2011م». وبالرغم من الأموال الضخمة التى تم رصدها لازالة المسكيت إلا أن الاراضى الزراعية مازالت محاصرة بغابة المسكيت، ومازال المشروع يقبع فى سلة مهملات المشروعات الزراعية. ما حدث لاموال ازالة المسكيت بمشروع القاش ايضا حدث بعلم ومعرفة وامام انظار اتحاد المزارعين ورئيسه الذى استنكر تبرع الوزير بعربة تانكر لجلب مياه الشرب لقرية اوليب حينها لم يحرك الاتحاد الذى تقع ضمن مهامه الرقابة والحفاظ على حقوق المزراعين لم يحرك ساكنا تجاه ما لحق باموال المسكيت.. الخلافات بين القيادات بكسلا معظمها ليست حول قضايا جوهرية بل لاسباب شخصية وتنافس سياسى وتعصب قبلى ففى الوقت الذى يتصارع فيه الوزير الاتحادى والزعيم القبلى حول بسط نفوذهما على قرية اوليب الفقيرة تعانى منطقة القاش باكملها من الفقر و تردى الخدمات وفجوة غذائية بسبب عجز الاهالى عن شراء محصول الذرة الغذاء الرئيسى لارتفاع اسعارها. كذلك فى الوقت الذى يصارع فيه والى الولاية اهالى حلفاالجديدة حول منصب المعتمد لم تستلم حكومته حتى الآن نصيبها من الدعم المركزى وفقا لما صرح به رئيس المجلس التشريعى بولاية كسلا احمد حامد الاسبوع الماضى فى ندوة اقامها المجلس القومى للتخطيط الاستراتيجى بمدينة كسلا بعدم استلام حكومة الولاية الدعم المركزى وهاجم حامد الحكومة المركزية على نهج كرم الله عباس.. ويبدو ان قيادات كسلا الشعبية والرسمية غير معنية بما يعانيه انسان الولاية من تردى اقتصادى واوضاع معيشية صعبة وتفشى العطالة بين الشباب الذى يقضى يومه فى الجلوس على البنابر والكراسى الخشبية بالمقاهى والمطاعم التى تكاثرت باسواق كسلا ونمت بجوارها محلات صيانة الموبايلات والاتصالات وطبالى التمباك والسجائر وهى مجالات الاستثمار فى كسلا ،حيث لازالت قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية مجالات غير مطروقة وحتى الآن لا توجد فى كسلا شركات خاصة تستوعب عمالة وتعتبر الدواوين الحكومية المخدم الرئيس حيث تستوعب اكثر من اربعة عشر الف موظف وعامل و قيادات كسلا مازالت مشغولة باحتفالات التكريم ومعارك انصرافية وممارسة الركل المتعمد لاقدام بعضها البعض وحكومة الولاية تعتمد على عائدات الاراضى والجبايات بعيدا عن تطوير القطاعات المنتجة بالولاية التى يعيش معظم سكانها ماعدا الدستوريين تحت خط الفقر. واخيرا نهدى هذه الواقعة المأساوية الى الحكومة المركزية ونواب كسلا بالبرلمان وحكومة الولاية ومدير صندوق اعمار الشرق والقيادات الشعبية وابناء كسلا فى الحكومة الاتحادية و بالقصر الجمهورى الذين طاب لهم الكرسى الوثير والى الذين يبحثون عن نفوذ جماهيرى بالولاية باقل تكلفة لا تتجاوزعربة تانكر مياه بينما يحركون تجريدات الدعم المركزى وقوافل مساعدات المنظمات الى جنوب ولاية البحر الاحمر ، فقد شهدت مدينة كسلا قبيل العيد حادثاً مؤلماً ينفطر له القلب من الحزن والالم والحسرة على ما يفعله الفقر بالانسان كذلك الى ماوصلت اليه الاوضاع بالولاية والحادث وفق ما اورده مراسل صحيفتى الوطن والدار الاستاذ سيف الدين هارون يتمثل فى مداهمة المخاض لامرأة فقيرة فى الثلاثين من العمر فى الشارع العام فى المكان الذى اعتادت الجلوس فيه لانتظار مساعدة الخيرين من المارة امام احد المطاعم بمدينة كسلا، وعندما اشتد عليها ألم المخاض سقطت على الارض وخرج الجزء الاعلي من الطفل وسارع عدد من المارة بوضع الملابس على جسدها المتهالك ، وشاءت إرادة المولى أن يمر شخص يمتهن مهنة التمريض فسارع الى مساعدتها في استخراج الجنين بأيادٍ عارية ، وتمت عملية الولادة وسط دهشة الجميع مابين مصدق ومكذب..