أستميح شاعرنا الجاهلى عذراً إن إضطررت لإستخدام مفردته الشعرية فى عنوان هذا المقال إذ أن أبياته ما زالت عالقة بذهنى فى معلقته التى تقول : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالغمرات لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل وبذا يكون إمرؤ القيس بن حجر الكندى أول من رصد حركة الرياح وقدرتها الجيومورفولوجية على التعرية الريحية . أما شاعرنا الجاهلى عمرو بن كلثوم فقد ذهب منحى آخر فى تناوله لقضية التعرية المائية فى بيته الذى يقول فيه : ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا لقد حاولت فى مقال سابق بهذه الصحيفة بتاريخ 4 سبتمبر 2012م رصد الجهود الفعلية المبذولة من قبل مصلحة الغابات و الهيئة القومية للغابات .. ذلك مما يمكن حسبانه فى لحن القول رداً على هجمة مضرية قادها البروفسير مختار أحمد المصطفى فى مقال سابق حول قيادة الهيئة القومية للغابات لبرامج مكافحة التصحر. ولنعد لمقال بروف مختار عدد الصحافة 13 اكتوبر 2012م تحت عنوان تكامل جهود الغابات هو المدخل العلمى لمكافحة التصحر ومدخله عن التصحر بحسبانه المشكلة البيئية الأولى والمعوق الأساسى للتنمية الحيوية المستدامة فى السودان وذلك وفق رؤى كل العاملين فى قطاع البيئة وهذا الإفتراض غير صحيح على إطلاقه فاذا كان الأمر كذلك فليقل لنا أحد العاملين فى قطاع البيئة ( وليس كل ) ما ذهب اليه البروف فى إتهامه للتصحر على النحو الذى تصدر مقاله ... خاصة إذا عرفنا أن تعريف التصحر كما ورد فى الإتفاقية ليس تعريفا مقدساً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتتناقض نوابته مع المبادئ التى تقول )nothing in nature is static every thing is dynamic) فهذا العالم في حركة دائمة و تغيرات مستمرة . والحق لله ما كنت أود الخوض فى ما قاله بروف مختار وهو يكتب فى صفحة الرأى وصحيفة الصحافة الغراء تعليقاً على خبر إحتفال ولاية نهر النيل باليوم العالمى للتصحر . كانت مداخلته متعالية و متحاملة على الهيئة القومية للغابات لكننى أعجبنى تراجعه فى تعليقه حول مقالى عن دور الغابات وتجربتها فى مكافحة التصحر . فقد ظهر فى تعليقه متصالحاً مع الهيئة وهذا ما هدفت إليه من مقالى الإستدراجى وإن بدا متحاملا على شخصى الضعيف دون أن يدرى أن كاتب المقال هو أول من أجيزت له رسالة ماجستير بعنوان بعض آثار التصحر بمنطقة دلتا القاش عام 1983م فى معهد الدراسات البيئية جامعة الخرطوم .. كانت الدراسات العليا حتى ذلك الحين تتناول قضايا التصحر تحت مسمى Land degradation و land deterioration ولما تقدمت بمقترحى مشتملاً كلمة تصحر لأول مرة كاشفنى الدكتور المشرف أن هذا المسمى لا يزال حديثاً ولن يستطيع هو أن يدافع عن رسالتى ... وعلى مسئوليتى واصلت فى البحث وبمساعدة الأستاذة الزائرة برسيلا ريننغ من المؤسسة الأمريكية لتطوير العلوم التى زودتنى بمرجعها عن مؤشرات التصحر ووجدت منها كل التشجيع حتى تمت إجازة رسالتى بالعنوان أعلاه . ولا أظن القارئ يستفيد من هذه الإضاءة بقدر ما قصدت أن أذكر الأخ البروف أننى لست مقتحماً فى شأن التصحر .. أما الإهتمام العالمى بالبيئة فقد بدأ مبكراً ويعتبر مؤتمر قمة الأممالمتحدة للإنسان والبيئة المنعقد فى إستكهولم 1972م تحت شعار( نحن لا نملك إلا كرة أرضية واحدة ) الذى حدد أهم الإختلالات البيئية وحصرها فى التزايد السكانى المضطرد مما نتج عنه إستغلال غير مرشد للثروات الإنسانية مما يؤدى لإتلافها وتزايد مشكلة التلوث والحاجيات الغذائية وكذلك مشاكل النفايات والتصحر وإضطراب المناخ وإرتفاع درجة حرارة الأرض بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بالتسلح وإنتشار الأسلحة الكيميائية والجرثومية . وقد أسفر المؤتمر عن أول برنامج )UNEPموحد متخصص فى قضايا البيئة سمى برنامج الأممالمتحدة للبيئة ( ححدت أهدافه فى المحافظة على البيئة وتنميتها . وقد سبقت مؤتمر إستكهولم ست إتفاقيات دولية فى مجال البيئة فى الفترة من 1933- 1971م . أما الإتفاقيات الثلاث التى أجيزت فى قمة الأرض 1992م فقد كانت مخاضاً لمؤتمر إستكهولم 1972م . فقد إنعقدت مؤتمرات الأطراف وأخضعت لنقاش مستفيض من المجتمع الدولى وأجيزت . وما يهمنا هنا هو الإتفاقية الدولية لمكافحة التصحر فى البلدان التى تعانى من الجفاف الشديد أو من التصحر وخاصة فى أفريقيا المعروفة إختصاراً )UNCCDب ( المعتمدة فى بون بتاريخ 17 يونيو 1994م ووقع عليها السودان فى 15 اكتوبر 1994 م وصادق عليها فى 24 نوفمبر 1995م . وبالرغم من أن الإتفاقية قد أجيزت و وقع عليها رؤساء الدول و اعتمدها السودان في وقت لاحق و أصدر خطة قومية لمكافحة التصحر و استوعب روح الإتفاقية في قوانينه الوطنية إلا أن معظم الدول الأعضاء الموقعة من دول الشمال تعتبر الظاهرة أمراً يخص دول الجنوب الفقيرة ولم تصدر أي بروتوكولات في هذا الشأن من الأممالمتحدة . و يعتبر مشروع الحائط الأخضر الأفريقي جهداً أفريقاً خالصاً في الوقت الذي الأممالمتحدة و دولها الموقعة على الإتفاقيات الثلاثة تراوغ حتى في تنفيذ إتفاقية التكيف مع ظاهرة تغير المناخ ذات الذخم العالمي و الخطورة الماثلة . أما فيما يخص الإستنباط من القرآن الذي ورد في مقالنا فالأمر لم يكن مناظرة قدر ما هو تأصيل في قضية رأي عام نريد أن نكسب لها الشركاء . فالمولى عز و جل يقول : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) و يقول عز و جل في آية قطعية الدلالة : ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج إن الذى أحياها لمحى الموتى إنه على كل شئ قدير ) ( الآيه : 39 فصلت ) وقوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ( الآية : 24 محمد ) ويذهب شيخنا جلال الدين السيوطى فى شرحه لهذه الآية أن الأرض الخاشعة هى الأرض اليابسة التى لا نبات فيها فإذا أنزلنا عليها الماء تحركت وانتفخت وعلت . وهى آية قطعية الدلالة . أما شرحه للآية 24 من سورة محمد ( أفلا يتدبرون القرآن فيعرفون الحق بل على قلوب لهم أقفالها ) فلا يفهمونه . فيا عزيزى البروف نحن نقول قال الله فى آية قطعية الدلالة وأنت تقول إن تعريف الأممالمتحدة متكامل فقد تضمن كل ما استنبطه سيد / أحمد الرشيد من القرآن وما لم يستطع إستنباطه . فأنا لم آت بشئ من عندى وكل التعاريف الوضعية تأتى فى سياق قوله تعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) أأنت أعلم أم الله أم أردت أن تقول ما أريكم إلا ما أرى . أستغفر الله لى ولك فنحن نغضب في الله ولا يهمنا ما تقوله فى حقنا من تجريح . و سلفنا الصالح يقول : " رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب " . و كل ما يقال في أمر هذه الإتفاقية هو بكاء على أطلال الإتفاقية التي مضى عليها قرنان من الزمان دون أن يوضع لها حجر أساس واضح . فإن لم تقم الدولة بالتشخيص و إدخال الظاهرة في برامج التنمية الوطنية الإتحادي منها و الولائي و توعية المجتمعات و شحذ الهمم للتكيف مع الظاهرة و مكافحتها و معرفة الشركاء الفعليين الذين يمكن الإعتماد عليهم في تنفيذ برامج المكافحة فإن الأمر سيظل ترفاً أكاديمياً غير قابل للتنفيذ و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل . الجمعية السودانية لحماية البيئة الدامر