لقد أطلعت على مقال السيد/ احمد الرشيد محمد «التصحر.. والبكاء على الأطلال، الصحافة 26 نوفمبر 2012»، ولقد نصحني بعض الأصدقاء بألا أرد عليه لأنه مرسل وغير موضوعي في معظمه، غير أني خشيت، أن تشيع بعض المعلومات والمفاهيم الخاطئة. فلقد ذكر أنه «حاول في مقال سابق بهذه الصحيفة بتاريخ 4 سبتمبر 2012م رصد الجهود الفعلية المبذولة من قبل مصلحة الغابات والهيئة القومية للغابات. رداً على هجمة مضرية قادها البروفيسور مختار أحمد مصطفى في مقال سابق حول قيادة الهيئة القومية للغابات لبرامج مكافحة التصحر، في إشارة لمقالي «حول الاحتفال بيوم التصحر العالمي في ولاية نهر النيل، الصحافة 17 يوليو 2012م». وأرجو من المهتمين مراجعة ذلك المقال في أرشيف صفحة «الصحافة» في الشبكة العنكبوتية للتأكد إن كان تقويمه هذا سليماً. فلقد كتبت تلك المداخلة في قضية قومية تقع في دائرة اختصاصي العلمي واهتمامي القومي. حيث لعبت دوراً رائداً في إنشاء معهد دراسات التصحر واستزراع الصحراء وكرسي اليونسكو لدراسات التصحر، جامعة الخرطوم والجمعية السودانية لمكافحة التصحر، وشاركت في أنشطة وحدة تنسيق برامج مكافحة التصحر ودرء آثار الجفاف «الوحدة». كما شاركت في عدة اجتماعات ومؤتمرات ومنتديات محلية وإقليمية وعالمية ممثلاً للسودان في لجنة العلوم والتقانة لسكرتارية الاتفاقية أو للكرسي في اجتمعات اليونسكو أو «الايقاد» أو ممثلا للمعهد أو للجمعية. لذلك عندما أكتب عن التصحر أكتب في المواضيع التي أعرفها وأدرّسها لطلابي في جامعة الخرطوم. لكل ذلك رأيت من واجبي أن أجهر برأيي في هذا القضية المهمة، وذلك أضعف الايمان. فإن كان سيد/ أحمد غير مقتحم في قضية التصحر لأنه حصل على درجة الماجستير في معهد الدراسات البيئية في عام 1983، فأنا أيضاً لست مقتحماً، بل وأؤمن بأن الله يسألني لو لم ادل بدلوي في هذه القضية القومية، علماً بأني قد كنت أستاذاًً «بروفيسور» في جامعة الخرطوم عندما كان سيد/ أحمد طالباً بالدراسات العليا. ففي مدخل مقالي المشار إليه ذكرت الآتي: «ما دفعني لكتابة هذه المشاركة ما قرأته في «الصحافة» الغراء في يوم الخميس الموافق 12 يوليو 2012م «العدد رقم 6810»، أن وزير البيئة والتنمية العمرانية قد دعا لتبني استراتيجية قومية لمكافحة التصحر والجفاف!! «الجفاف لا يكافح» تحت رعاية رئيس الجممهورية، وذلك في إطار الاحتفال بيوم التصحر العالمي بمدينة الدامر، ولاية نهر النيل». ثم اشدت بالعاملين في الموارد الطبيعية في الولاية لإحياء قضية التصحر والسادة الوزير والوالي لحماسهما لمكافحة التصحر. ثم أشدت بالسودان باعتباره من أوائل الدول الأفريقية التي وعيت بمخاطر التصحر، وأول دولة وضعت خطة لمكافحة التصحر «ديكارب، 1976م»، وشاركت بها في مؤتمر الأممالمتحدة للتصحر «نيروبي، 1977م». كما أنشأت وحدة قومية متخصصة لتنسيق برامج مكافحة التصحر ودرء آثار الجفاف في عام 1978م، ولقد ذكرت أن هذه الوحدة شاركت بفعّالية في بلورة اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر ودرء آثار الجفاف، وأصبحت النقطة المحورية (Focal point) لها. وذكرت انني لا أدري لاية جهة تتبع، وقلت بدهي ألا تتبع لوزارة البيئة والتنمية العمرانية؛ وإلا لكلف السيد الوزير هذه الوحدة لتنفيذ ما بدأته قبل ربع قرن، ولما أسند الأمر للهيئة القومية للغابات. والحقيقة هل من المنطقي أن تكون للدولة وحدة متخصصة في مجال تنسيق برامج التصحر وتسند المهمة للهيئة القومية للغابات؟ ولماذا إذن أنشئت هذه الوحدة؟ علماً بأن الوحدة قد تمكنت بمؤازرة ودعم الكرسي والمعهد والشبكة القومية الطوعية لمكافحة التصحر ولجنة الشؤون الزراعية والحيوانية التابعة للمجلس الوطني، من إجازة برنامج العمل الوطني لمكافحة التصحر «البرنامج»، علماً بأن البرنامج هو الآلية العلمية والعملية لتنفيذ الاتفاقية وفق منظورها، كما تمكنت في ذات الوقت وبمبادرة من الكرسي وتعاون الجهات ذات الصلة من إجازة قانون مكافحة التصحر الذي يتضمن مجلساً قومياً تحت رعاية رئيس الجمهورية، ليؤمن الإرادة السياسية للمكافحة ويؤطر مؤسسياً لمشاركة كل الأطراف ذات الصلة، وصندوقاً قومياً لتوفير الدعم المالي لعملية المكافحة. ثم خلصت إلى أن الوزير لا يحتاج للبدء من جديد لوضع استراتيجية لمكافحة التصحر، كما قلت إن الهيئة القومية للغابات منفردة ليست الجهة العلمية المؤهلة لوضع استراتيجية لمكافحة التصحر، فالعمل القطاعي هو أحد الاسباب التي أدت لفشل مشروعات المكافحة السابقة. لأن زراعة الغابات فقط لا تحقق تنمية مستدامة على المستوى المحلي الغاية النهائية المنشودة من مكافحة التصحر. فهل هذا يشكل هجمة مضرية على هيئة الغابات؟! ولا شك أن الهيئة طرف أصيل ولكن في وجود وحدة متخصصة ليس من المنطقي أن تكلف الهيئة القومية للغابات بوضع استراتيجية من جديد لمكافحة التصحر. فقد وضعت الاستراتيجة وقطعت الوحدة شوطاً بعيداً في تنفيذها بمشاركة كل الأطراف، فقط بقي تفعيل القانون ليبدأ التنفيذ الفعلي. وبعد ذلك ركز المقال على التصحر بوصفه معيقاً للتنمية المستدامة. ولعل الفقرة الأخيرة، وهي في مجال تخصصي الدقيق، هي التي أثارت سيد/ أحمد الرشيد، فقد ذكرت فيها: «ولفهم طبيعة التصحر فهماً سليماً يحتاج الإنسان لمعرفة علوم التربة، علماً بأن كل عمليات التصحر فيما عدا عملية تدهور الغطاء النباتي بشقيه الغابي والرعوي، هي عمليات تربة ويتطلب الافتاء فيها معرفة وخبرة علماء التربة. ولذلك لبلورة استراتيجية لمكافحة التصحر لا بد من اشراك كل الأطراف. ولقيادة العمل لتنفيذ برامج المكافحة لا بد من وجود مجلس وطني لمكافحة التصحر يضم كل الجهات ذات الصلة خاصة علماء التربة. وفي هذه الفقرة قلت يلزم اشراك علماء التربة بوصفهم طرفاً، ولم أقل تسند إليهم قيادة قضية مكافحة التصحر. وصحة كلامي هذا يتضح من خاتمة المقال، حيث قلت إن تحقيق التنمية المستدامة وهي هدف تسعى كل الشعوب لتحقيقه يستوجب أن تكون الخطة القومية للتنمية في سائر قطاعاتها مستدامة، ذلك لأن للتنمية المستدامة ابعاداً انسانية وتعليمية وبحثية وصحية وأخلاقية وتكنولوجية وانشائية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ومؤسسية وطبية وبيئية. فلا يمكن مكافحة التصحر بزراعة الأشجار فقط ولا بزراعة المحاصيل والمراعي فقط، أما التنمية المستدامة فهي أشمل. وارجو مراجعة مقالي في «الصحافة». وهل في هذا التعليق ما يعتبر هجمة مضرية؟ وهل في هذه المداخلة تعالٍ وتحامل على الغابات؟ فهذه المداخلة علمية. وهل لأني أكتب في مجال تخصصي بثقة أكون متعالياً ومتحاملاً؟ قال الشريف الرضي: «لو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظم». وبالنسبة لمقالي الثاني: «تكامل جهود كل القطاعات هو المدخل العلمي لمكافحة التصحر»، الذي استبدل فيه سيد أحمد، عن قصد أو عدم دقة في القراءة أو الكتابة، والله أعلم، كلمة القطاعات بالغابات، فغير معنى أحد المحاور والمفاهيم الأساسية للمقال، وهي مشاركة كل الأطراف «القطاعات» ذات الصلة في مكافحة التصحر. ولقد رصدت باختصار شديد بعض الجهود الفعلية في هذا المضمار التي نفذتها القطاعات الأخرى. وقد اعترض سيد/ أحمد على الافتراض أن رؤية كل العاملين في قطاع البيئة: «إن التصحر هو المشكلة البيئية الأولى والمعيق العلمي الأساس للتنمية الحيوية..». وهذا في ذهني افتراض معقول لكلٍ من رأى وسمع زفير العواصف الترابية المذهلة في السودان ورأى أطلال المنازل في الشمالية «منطقة كنار مثالاً» وتراكم الرمال في البجراوية في أعالي النيل. ولعمري لم أسمع اعتراضاً عليه من الخبراء وسائر العاملين الناشطين في البيئة، ولقد طلب مني سيد/ أحمد أن أذكر له اسم أحد العاملين في البيئة رأى ذلك، وعجبت لهذا الطلب وهو ينتمي للجمعية السودانية لحماية البيئة. ولكن استجابةً لهذا الطلب أذكر له دكتور سعد الدين ابراهيم عز الدين الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للبيئة، وربما اجابة افضل وهي أن بروفيسور أحمد سليمان الوكيل، الناشط البيئي المعروف، هو أول من استخدم مقولة أن التصحر هو المشكلة البيئية الأولى في ورقة علمية قدمها في أحد منتديات الكرسي، ولقد استخدمت المقولة الأخرى عنواناً لمحاضراتي وبعض مقالتي في هذه المنتديات، ولكل منا حججه العلمية. وعلى كل يمكن أن نفترض أن سيد/ أحمد لا يوافق على هذا الافتراض ولا يوافق على أن العواصف الترابية مشكلة بيئية وأنها تستحث أمراض الجهاز التنفسي، وأن تراكم الرمال في المنازل في معظم منازل الولايات خاصة في الشمالية ونهر النيل ليست مشكلة بيئية.. وهلم جرا. وفي بلد ديمقراطي كالسودان!! هذا من حقه. وإذا كان الأمر كذلك، عليه أو غيره أن يدحض هذا الافتراض بالحجج العلمية «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا». أما في ما يختص بتعريف التصحر، فقد ورد في مقال سيد/ أحمد الآتي: «وبالرغم من عدم وجود تعريف علمي حول ظاهرة التصحر.. فقد حسمت الأممالمتحدة ذلك بتعريف متفق عليه». فهذه الجملة متناقضة، حيث يدل صدرها على عدم وجود تعريف علمي للتصحر، بينما يدل عجزها على حسم الخلاف بوضع تعريف محدد. والتعريف الذي يعنيه هو الذي أجمع عليه العلماء المتخصصون في العالم ومائة رئيس دولة شاركوا في مؤتمر البيئة والتنمية «قمة الأرض» الذي عقد في ريو دي جانيرو في البرازيل في يونيو 1992م، ويتضح من مقاله الأخير أنه يوافق على أن جملته تلك متناقضة لأنه لم يعترض على تقويمي لها. وفي محاولة لتأصيل قضية التصحر، كما ذكر في مقاله الأخير، استدل ببعض آيات من الذكر الحكيم وشرحها، واستنتج «أقول استنتج هو» تعريفاً لخصته له في الآتي: «التصحر هو عدم التوازن البيئي نتيجة للقطع والرعي الجائرين مع وجود خلل في الميزان المائي». ورأيي أن هذا التعريف الذي استنتجه سيد/ أحمد قاصر للأسباب الآتية: أولاً هذا التعريف ذكر عمليتين فقط من سبع عمليات للتصحر، والعمليتان تسودان في أراضي المراعي والغابات، ولكنه أهمل العمليات التي تسود في أراضي الزراعة المطرية والمروية، والغريب في الأمر أنه استهل مقاله الأخير بأبيات من تراث الشعر الجاهلي دلت، حسب قوله، على تعرية التربة الريحية والمائية، غير أنه نسي أن يضيفهما لتعريفه؛ لأنه يود حصر التصحر في عملية تدهور الغطاء النباتي، فما الغرض إذن من الاستهلال بهذه الابيات الرصينة؟، ثانياً إن عمليات التدهور تحدث في أراضي كل الأقاليم المناخية ولكنها لا تسمى عمليات تصحر إلا في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة وتحت الرطبة الجافة لأسباب علمية لها علاقة بمرونة الأرض شرحتها له في مقالي الثاني وفق مفهوم مرونة التربة (Soil resilience)، وثالثاً قد يحدث خلل في الميزان المائي ولا يحدث تصحر.